بسم
الله الرحمن الرحيم
تأليه القادة
من
العادات والتقاليد البالية، والتي عف عليها الزمان، ولكن ما زلنا نحرص عليها في
الوقت الحاضر، ونقدسها كل التقديس، بعض ما ورثناه من أجدادنا الفراعنة، فلما كان الفراعنة،
يؤمنون بعودة الروح إلى الميت بعد أربعين يوما من وفاته، لذا حرصوا على أن يضعوا
معه في قبره بعض ما قد يحتاجه من أدوات المائدة بعد عودة الروح إليه، ومنهم أخذنا
تلك العادة وذلك التقليد، فحرصنا على إحياء ليلة الأربعين لموتنا.
ونظرا
لأن الرعية في العهد الفرعوني قد حرصت على تقديس الحكام من الفراعنة لدرجة
العبادة، فقد تأصلت فينا تلك العادة أيضا، فأصبحنا نقدس حكامنا وقادتنا ورؤسائنا
ومديرينا وكل منْ لنا حاجة عنده نقدسهم لدرجة العبادة أيضا، بل وحرصنا على تنفيذ تعاليمهم
ورغباتهم حتى ولو تعارضت مع الشرع، فالمهم حرصنا على إرضائهم مهما كلفنا الأمر من
تضحيات.
الأمر
الذي ترتب عليه المبالغة في إرضائهم، والمبالغة في احترامهم، فنقابلهم بكل تقديس واحترام،
ونستمع إليهم وكلنا آذانا صاغية، ونركز وندقق في كل ما يصدر منهم من إشارات أو
إيحاءات، وكل أملنا مجرد حوز الرضا والقبول عندهم، فما يقولون صدق وصواب لا يناقش،
وما يرفضون لا يجرأ أحد على قبوله أو حتى مناقشته، فدائما أرائهم صواب، وأمانيهم
وأحلامهم حقيقة واجبة النفاذ والتحقيق، وأقوالهم قوانين واجبة التطبيق، وطموحاتهم
موضع التنفيذ، فهم السادة ومنْ حولهم عبيد، وما تولد لدينا ذلك الاتجاه إلا لتأصل
تلك العادات في نفوسنا و في نفوسهم.
ولقد
ترتب على ذلك السلوك منا ومنهم أن اعتادوا واعتدنا ممارسته، ومن ثمة أمسوا لا
يقبلون أي نقد لقراراتهم، بل لا يقبلون مجرد النقاش فيها، كما أنهم لا يشاورون أحد
في تلك القرارات، فكيف يشاور السيد عبيده؟! وكيف يشاور منْ يفهم منْ لا يفهم؟!
وكيف يأخذ منْ يعلم رأي منْ لا يعلم؟! ومن هنا تمكن حب بل تقديس الذات منهم، لدرجة
جعلت العديد منهم يسحق مخالفيه في ا لرأي، فمبدأ خلاف الرأي لا يفسد للود قضية غير
موجود عندهم.
الأمر الذي ترتب عليه تغير جيش معاونيهم
ومستشاريهم ومساعديهم لا بمدى قدرة المرء منهم على العمل والكفاءة فيه، وإنما بمدى
قدرة المرء منهم على التدليس والمداهنة، فأصحاب العقل الراجح، الذين يبدون
ملاحظاتهم على فرارات السادة لا وجود ولا مكان لهم، ومن ثمة أضحى معيار الترقي
والوصول إلى مستوى أعلى يعتمد على مدى قدرة المرء على ضبط النفس عند سماع قرارات
القادة، ومناقشتها على طريقة المدح والثناء، لا طريقة الصالح والطالح للعمل حتى
وإن كانت هذه القرارات خاطئة وليست في صالح العمل، هذا ما يخص السادة القادة.
أما
يخصنا نحن العبيد فلقد اكتفينا بمص الشفاه، وقضم الأظافر غيظا وضجرا، ونحن نردد
داخل صدورنا ( القوي عنك عايب، يا عمي سلك نفس تأكل سالك، وملبن نفسك تأكل ملبن،
إحنا ضعاف، يا سيدي الميه ما تطلع ش في العالي...) من العبارات الانهزامية التي تدعوا
إلى السلبية وعدو الأنا مالية وأنا مالي خليني في حالي.
بل
تخطى الأمر ذلك فقد حولنا أقولهم إلى آيات تتلى، نستشهد بها، ونقطف ثمارها
اليانعة، ولكن يا حسرة فبعد موت القائد، أو بعد خروجه من موقعه ( لا قدر الله ) من
دائرة الضوء نجد النقد اللاذع لكل قراراته ففي لمح البصر تختفي كافة المقتطفات
التي جنيناها من بستانه إلى غير رجعه، لتحل محلها قطوف القائد الجديد والفاتح
الجديد...الخ.
ولقد
ترتب على ذلك التقليد البالي أن أسند الأمر إلى غير أهله، وائتمن منْ ليس بأمين،
وخون الأمين، وصدق الكذاب، وكذب الصادق، وغابت كلمة الحق، وعلا صوت الباطل، وغدت
جميع هيئاتنا غير متواصلة في مسيرتها، فالقائد الأول رحل، والقائد الجديد يؤمن
بسياسة جديدة، فلا يمكن له السير في درب منْ سبقه، حتى ولو كان به بعض قناديل
النور، فكيف له أن يتبع منْ ترك زمرة السادة إلى العبيد، فكل منهم قد تملكه حب
الأثرة، ولم تعرف حياته على إخنلاف مراحلها روح الإيثار، ومن تلك البيئة الموبوءة،
ومن ذلك الرحم العاقر ولدت القرارات المتضاربة في كافة مجالات حياتنا العلمية
والزراعية والصناعية...الخ
ورضينا
نحن العبيد بكل ما يفعله السادة، واكتفينا بنقد غيرنا من العبيد مثلنا، وأضحينا
ننظر إلى منْ يقول الحق على أنه بشر من كوكب آخر، أو زمن بعيد، أو أصابه مس جن، أو
مسحة من جنون، وهرعنا نتجسس على صاحب كل فكر أو رأي يخالف رأي القادة فننقل أخباره
للقائد لينكل به، ويجعله عبره لمنْ يعتبر، فاستشرى فينا الجبن أكثر، وأكتفي
المستنيرين منا باللهث خلف لقمة العيش، والدعاء إلى رب الأرض والسماوات راجين منه
الخلاص، بعد أن انتشر الفساد في السادة والعبيد.
علاء محمد إسماعيل
Alfahd99999@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق