جني الثمار ................. الربيع العربي
(2) - (12) - (ن) تابع (2) ملاحظات
تؤخذ في الاعتبار:
ثاني عشر: مخططات اليهود ومصالح
الغرب الصليبي:
الخطة الشيطانية:
(ج) أدوات تنفيذ المؤامرة:
(7) تقسيم الدول العربية باتفاقية سايكس – بيكو الثانية
(ثانيا) خيبة العرب الكبرى:
إذا خدعك شخص ما مرة، فقد نلتمس لك العذر بأنك إنسان حسن النية وقع
بين براثن شخص سيئ النية، أما إذا خدعك نفس الشخص مرة أخرى، فيمكن أن نلتمس لك
عُذرا آخر بأنك إنسان ضعيف الذاكرة، أما إذا خدعك نفس الشخص للمرة الثالثة، فلا
أجد لك عُذرا، ولا يبق أمامي إلا أن أصفك بأنك إنسان أبلة، أما إذا خدعك نفس الشخص
مرة رابعة وخامسة وسادسة وسابعة ثم إلى ما لانهاية من المرات فلا أجد أمامي وصفا
أنعتك به سوى أنك إنسان فاقد للأهلية، ولا تستحق أن تُدبر أمرك، وتحتاج إلى وصاية
لتُبصرك بمنْ استباح خديعتك، فسلب منك العقل والفكر، وجعلك تصدق كل ما يُقال لك
حتى ولو كان كذبا صُراح و ظاهر لا ريب فيه.
عفوا عزيزي القارئ فلست أنت المقصود بكلامي، ولكن المقصود ذوي القرار
الحاكم في أمتنا العربية، والذين نُسميهم بالقادة والحكام من الأمراء، والسلاطين،
والرؤساء حيث لا نجدهم لا يعملون فكرا، ولا ينشطون عقلا، في كل ما يدور حولهم من
أحداث، فلا يربطون الماضي بالحاضر، ولا يستخلصون العبرة والحكمة من الأحداث التي
تمر بهم، ولا يميزون عدوا، فكما وقع الأجداد في خطئ الوثوق بالأعداء، نجد بعد
سنوات ليست بالكثيرة الأبناء ثم الأحفاد يقعون في نفس الخطئ بالوثوق في نفس العدو،
بل أكثر من ذلك يسيرون على دربه، ويهتدون بهدية ناسيا أو متناسيا أن لا عز لهم إلا
بالإسلام، ولا شرف لهم إلا بالسير في ركابه من خلال قاعدته الأساسية والتي ترتكز
على جانبين لا انفصال بينهما، فهما كل متكامل لا تتحقق نهضة إلا بتكاملهما مع
بعضهما البعض وهما: عبادات قائمة على الإخلاص، ومعاملات قائمة على الأخلاق.
قديما انخدع العرب بشخصية اليهودية عبد الله بن سبأ، ونتيجة لتلك
الخديعة حدثت الفتنة الأولى في عصر الخلفاء الراشدين، والتي انتهت بمقتل أمير
المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ثم استمر البعض من العرب في الوثوق بالرجل
فكانت موقعة الجمل، ثم ظهرت الفرق الإسلامية من خوارج وشيعة، واستمر خداع الرجل
للعرب حتى أقنع البعض منهم بألوهية الإمام – على بن أبي طالب – بل والغريب في
الأمر أنه وجد منْ يُصدقه بين العرب فقد
روى الكليني في كتابه الكافي ـ في كتاب الحدود ، بسنده إلى أبي عبد
الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى قال ـ : أتى قومٌ أميرَ المؤمنين عليه السلام
فقالوا : السلام عليك يا ربنا . فاستتابهم ، فلم يتوبوا ، فحفر لهم حفيرة ، وأوقد
فيها ناراً ،... فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة حتى ماتوا.
كما
نقل الكشي ـ بسنده إلى محمد الباقر رحمه الله تعالى ـ أن عبد الله بن
سبأ كان يدَّعي النبوة ، وزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ـ تعالى الله
عن ذلك علواً كبيراً ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه ، وسأله فأقر
بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو . وقد كان أُلقِي في روعي أنك أنت الله ، وأني نبي .
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا
ثكلتك أمُّك وتب، فأبى .
هذا بخلاف العديد من الخُرافات والسموم التي بثها ذلك اليهودي بين
العرب المسلمين، وليس العجب في نشره لتلك السموم ولكن العجب في منْ صدًّقه وسار
على نهجه من العرب، وكأنهم لا يتعلمون.
وتمر بنا قافلة التاريخ ونجد مع اتساع الفتوحات الإسلامية في بلاد
فارس وبلاد الروم نجد من المجوس عبده النار منْ يدخل في الإسلام ظاهرا، وفي مستقر
عقيدته يحتفظ بعبادته للنار، بل ويحرص على وشم جسده بعلامة النار المقدسة، ورغم
ذلك نجد من هؤلاء الشعوبيين منْ يُصدقهم من العرب، فلنسمع لتلك الأبيات لعبد الله
بن مقفع المجوسي حين مر على بيت من بيوت النار، والنار مشتعلة فيه فتذكر دين آبائه
وأجداده المجوس، فتمثل ببيتين للشاعر الأحوص يقول فيها:
الفرس عبدة النار
يا بيت عاتكة الذي أتغزل
حذر العدى وبه الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني
قسماً إليك مع الصدود لأميل
فيقول: أنا أمر من عند النار وأظهر بأني أصد عنها، ولكنني مع صدودي
فإن قلبي معلق بها، هذا هو حال هؤلاء القوم، فجميع فرق الباطنية قلوبهم متعلقة
بـالمجوسية وبـاليهودية ، ويريدون أن يثأروا من هذا الدين -دين الإسلام الحنيفية
السمحة.
ورغم ذلك يستمر العرب في الوثوق والتصديق لهم و ها هو ذا ابن العلقمي
الرافضي لعنه الله الذي كان وزيرا للخليفة العباسي الذي استوزره ووثق به، وبدلا من
الوفاء للأمانة المناطة به في حفظ الدولة والمنافحة عنها، فإنه راح يتآمر مع
التتار لاحتلال بغداد وإسقاط الخلافة.
والأمثلة كثيرة في دروب التاريخ لا يتسع المجال هنا لذكرها، وهنا
أتساءل هل العرب مهيأ بكم تنشأته للخديعة؟! أم أن طريقته في الحياة هي التي تُغري
عدوه بسهولة بل بضرورة خداعة؟!
يُجيبنا على هذا التساؤل منْ ؟! أحد المخادعين للعرب المدعو/ لورانس
العرب فيقول في كتابه أعمدة الحكمة السبعة عن الشخصية العربية:
لقد انتدبت للعيش مع هؤلاء العرب كغريب عاجز عن مجاراتهم في التفكير
والمعتقد، مُجبرا على تدريبهم وتوجيههم في الاتجاه الذي يتفق مع مصالح بريطانيا
المتحاربة مع عدوهم، وإذا كنت قد عجزت عن تفحص شخصيتهم، فقد نجحت على الأقل في
إخفاء شخصيتي عنهم، واستطعت أن أندمج كليا في حياتهم دون احتجاج ولا انتقاد، وبما
إنني كنت رفيقهم فلن أحاول اليوم وقد عُدت إلى ارتداء الزي البريطاني الثناء عليها
أو الدفاع عنهم، بل سأحرص على أن أصور الأحداث كما عشتها بالفعل.
توماس إدوارد لورانس
ويقول في موضع آخر:
إذا كان هناك تفاوت اجتماعي واقتصادي بين الحضري والبدوي في آسيا
العربية، فإن هناك تسابها عظيما في طرق التفكير والنشاط الروحي، ومن الوهلة الأولى
نُلاحظ عندهما صفاء غريبا وصلابة فريدة في المعتقد، وهما يريان العالم في ألوانه
الأصلية، بل في لونيه الرئيسيين: الأبيض والأسود،
وفكرهما الجازم يحتقر الشك ولا يقبل مطلقا التردد الذي تسلحنا به نحن
الأوربيين لمواجهة شئون ما وراء الطبيعة، كما يأبى القبول بقلقنا النفسي، فهو يعرف
بكل بساطة ما هو حق وما هو باطل، ما هو إيمان وما هو إلحاد.
هذا الأسود والأبيض للنظرة العربية نجده في عالمي الروح والفكر، وبسبب
الأسود والأبيض هذا يُحب الشعب الجلاء والوضوح، هذا الشعب ذو الأفق الضيق في
التفكير يمكنه أن يترك الذهن جانبا وينقاد بصورة عفوية وراء حب الاستطلاع، خياله
خصب ولكنه ليس خلاقا
ويقول في موضع آخر:
وبوصفهم أقل الشعوب مرضا واعتلالا قبلوا هبة الحياة على أنها حقيقة
بديهية لا تقبل الشك والجدل، والوجود في نظرهم حق انتفاعي مفروض على الإنسان، هو
رهن بمشيئة القدر الذي لا سلطان لأحد عليه، واستنادا إلى ذلك لا يخطر الانتحار على
بال أحد، والموت لا يُنظر إليه على أنه شر.
والعرب شعب الانفعالات والثورات والإلهامات والوحي، وعنصر العبقرية
الفردية، وأكبر صناعات العرب صُنع المعتقدان التي تكون احتكارا لهم.
تلك هي وجهة النظر الغربية في طبيعة وعقلية العربي فهو محب للوضوح،
ضيق الأفق، محب للمغامرة، فهل كانت تلك الطبيعة العربية عاملا مساعدا على استغلاله
وخداعه من عدوه على مر العصور؟! أعتقد أن الإجابة التي لا ريب فيها هي نعم، وبخاصة
إذا كان يعرف ما هو حق وما هو باطل، ما هو
إيمان وما هو إلحاد، ورغم ذلك يهرب من
الحق إلى الباطل؟!
لقد استخف لورانس العرب بالعرب عندما لبس العقال العربي والغترة
العربية، وقاد معارك في مجلس العموم البريطاني على مشهد من العرب لتمسكه بالزي
العربي وفرح العرب كثيراً بهذه التمثيلية الكاذبة، وبهذا الإنجليزي المتنكر بزي
العرب واعتبروه حامي العروبة وقائد الثورة العربية وابن العرب المخلص والأصيل .
توماس إدوارد لورنس
وقد استخف بنا لورنس العرب عندما قادنا لتفجير خط السكة الحديد للحجاز
الذي شيدها السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – في ظروف عصيبة،
وبأموال التبرع من المسلمين، وأوقاف المسلمين، لكي تسهل له ولجيوشه الإسلامية
التركية التنقل السريع إلى المنطقة العربية، خاصة إلى الأماكن المقدسة لحمايتها من
السيطرة الإنجليزية .
بنى السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – خط حديد الحجاز
بالعرق والجهد ومال المسلمين وقاد لورانس العميل العرب لتفجير هذا الخط الحديدي
وفي مهاجمة رحلاته وركابه، وفي هذا استخفاف بالعقلية العربية، والأوقاف العربية،
والأموال العربية، وبذلك عزل جيوش الخلافة الإسلامية عن المنطقة العربية الثائرة
في ثورة عربية كبرى لو نجحت وأقامت دولة الخلافة الإسلامية لانتقلت الخلافة
الإسلامية من القسطنطينية إلى مكة المكرمة وبدأنا عهداً إسلاميا عربياً عظيماً،
ولكن تم استخدام العرب فقط ككتائب تصادم مع خلافتهم، واستيقظ العرب على خديعة سيكس
– بيكو ثم النكبة العربية الكبرى وضياع فلسطين .
توماس إدوارد لورنس
واستخف بنا لورانس عندما جلس معنا في الصحراء وبين الجنود وقادنا نحو
ما نحن فيه الآن، وحقق ما لم تحققه الجيوش الصليبية والجيوش التتارية, والمخططات
الغربية، والأطماع الصهيونية.
ولذلك ينصح الجنود البريطانيون في العراق بعد احتلالها بقراءة ذكريات
ومذكرات لورانس مع العصابات العربية بتأن وتمعن وهي مذكرات بعنوان ( الأعمدة
السبعة للحكمة ) ليتعلم الجنود الإنجليز من شيطانهم ومعلمهم الأول لورانس كيف
يستخفون بالعقول العربية، وما المداخل النفسية والثقافية والاجتماعية للشخصية
العربية .
والآن تعالوا بنا نرى كيف كانت خديعة العرب الكبرى فيما عُرف بالثورة
العربية الكبرى ودور لورانس العرب واستخفافه بالعرب.
(أ)
الشريف حسين بن علي الهاشمي
ولد الشريف الحسين بن علي في استانبول عام 1852 أثناء وجود والده
هناك، وتلقى علومه الأولى فيها ثم عاد إلى مكة ، حيث ظهرت توجهاته التي تدعو إلى
التخلص من الحكم الأجنبي وتحقيق الاستقلال العربي، فكان أن نفي النفي الأول عام
1893 إلى استانبول ليمكث فيها حتى عام 1908 ثم عاد مرة أخرى أميرا على مكة، وهو العام الذي قام خلاله رجال جمعية الاتحاد
والترقي بانقلابهم حتى على العثمانيين أنفسهم؛ إذ كانت تلك الجمعية جمعية عنصرية
متشددة، تدعو إلى سيادة العنصر التركي، مما قلب أوضاع الدولة العثمانية الإسلامية
التي يرأس الحكم فيها خليفة المسلمين إلى دولة عنصرية يقف على رأس الحكم فيها
أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الأتراك.
كان الشريف حسين رجلا شهما ذكيا عنيدا متدينا على حد وصف لورانس العرب
له، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914م بين الحلفاء من جهة ودول الوسط
من جهة أخرى، انضمت تركيا لدول الوسط في هذه الحرب، وطلبت من جميع الولايات
التابعة لها الانضمام للحرب، كما طلبت من الشريف الحسين إعلان الجهاد باسم السلطان
محمد الخامس(محمد رشاد)، وإعداد قوات من المتطوعين العرب وإرسالهم إلى سوريا.
السلطان محمد الخامس
أرسل الشريف الحسين رسالة سرية إلى السلطان محمد رشاد عام 1914م جاء
فيها:
« إن الانضمام إلى ألمانيا في الحرب ضد الدول الكبرى فرنسا وبريطانيا
وروسيا ليس في صالح الدولة العثمانية، وأهل البلاد العربية ليسوا منظمين ولا
يملكون السلاح سيما وأن الدولة العثمانية ضعيفة ».
قائد الشريف حسين الثورة العربية الكبرى حيث إن جميع الناس بايعوه على
أن يقودهم ضد الأتراك اللذين كانوا يحتلون المنطقة العربية كاملة فعندما شعروا
بالظلم ذهبوا إلى الشريف الحسين لما له من سيرة حسنة وزهد في الدنيا وورع , فقام وأطلق
الرصاصة الأولى التي كانت بداية الثورة العربية الكبرى وكانت الثورة بمساعدة أبناؤه
وجميع العرب.
مات ودفن في 2/6/1937 في رحاب الحرم القدسي الشريف وقد رثاه الشاعر
العربي الكبير أمير الشعراء احمد شوقي بقصيدة طويلة مطلعها:
لك في الأرض والسماء مأتم قام بها أبو الملائك هاشم..
عبرات الكتاب فيها جوار وعيون الحديث فيها سواجم..
قعد الآن
للعزاء وقامت باكيات على الحسين الفواطم.
(ب) اتفاقية سايكس - بيكو
الأطراف الموقعة لهذه الاتفاقية ليست بريطانيا وفرنسا كما تعلم
أغلبنا، بل هي أربع دول: بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا القيصرية، وهي عبارة عن
مراسلات وتفاهمات بين وزراء خارجية هذه الدول لبحث تقسيم تركة الدولة العثمانية
بعد نهاية الحرب، وجرت هذه المباحثات خلال عامي 1915م و1916م أثناء اشتعال الحرب
العالمية الأولى.
اتفقت الأطراف أن تأخذ روسيا القيصرية أقساماً واسعة من شرق تركيا،
فيما يأخذ البريطانيون العراق وتكون البصرة وبغداد تحت حكمهم المباشر، فيما المناطق
الداخلية تقام فيها دولة عربية تتبع للتاج البريطاني، أما الفرنسيون فكانت حصتهم
بلاد الشام والموصل ومناطق تقع اليوم جنوب تركيا (محافظات مرسين وأضنة
والاسكندرونة)، وترك للإيطاليين السيطرة على جنوب غرب تركيا، فيما أعطي لليونان
الشواطئ الغربية لتركية.
أما فلسطين فقد تقرر أن تكون تحت إدارة دولية، نظراً لأهميتها الدينية
ورغبة جميع الإطراف أن تكون تابعة لهم، مع إعطاء البريطانيين مدينة حيفا لتكون
ميناء لهم، إلا أن الثورة البلشفية في روسيا أواخر عام 1917م أخرجت روسيا من الحرب
العالمية ومن الاتفاقية.
وعندما ضمنت الحكومتان البريطانية والفرنسية المطالب والأطماع الروسية
والإيطالية في التركة العثمانية، أقدمتا في سنة 1915 على اتخاذ ما يلزم من
التدابير لوضع مطالبهما في الأقسام الآسيوية من الإمبراطورية العثمانية على أسس
متينة، فعين السير "مارك سايكس" و"جورج بيكو" لإجراء
المفاوضات.
وكان مثل هذا التفاهم قد أشير إلى إمكان حدوثه في اتفاقية
القسطنطينية، أقدمت بريطانيا وفرنسا بعد تحديد أطماعهما في الدولة العثمانية على مصادقة
روسيا على هذه الطماع، ولذا تم إرسال كل من: "سايكس" و"بيكو"
إلى "سان بطرسبرج" في أوائل ربيع 1916، وهناك عرضا لائحة اتفاقيتهما،
وحصلا على مصادقة روسيا القيصرية عليها، ولكن بعد أن كان الثمن، الاعتراف بمطالب روسية
أخرى تمثلت في أن تحصل روسيا على ولايات "ارضروم"،
و"طرابزون"، و"وان"، و"يتليس" (المعروفة بأرمينيا
التركية)، وعلى منطقة تقع في القسم الشمالي من كردستان على الخط الممتد من
"موش" و"زعرت" و"جزيرة ابن عمر"
و"العمادية" إلى الحدود الإيرانية.
وكانت هذه المنطقة تبلغ في مساحتها (60.000) ميل مربع ممتدة بين البحر
الأسود ومنطقة الموصل - أورمية، وتحتوي على ثروات غنية بالنحاس والفضة والملح.
دخلت بريطانيا في مفاوضات مع الشريف حسين في الحجاز لتضمن مساعدته في
الحرب ضد تركيا.الذي كان يأمل في قيام دولة عربية على المشرق العربي، وهي المنطقة
التي تضم الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وأن ينصب ملكاً عليها، وهكذا ضمنت
له بريطانيا (أو هكذا ظن أن بريطانيا وعدته)، لكن عندما عقد الحلفاء المنتصرون
مؤتمر فرساي عام 1919م لتقاسم الغنائم، لم يتحقق أي من أحلامه، بل وأكثر من ذلك
بدأ الفرنسيون يهددون ما كسبه من أرض.
سايكس - بيكو
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة البريطانية تتصل بالشريف حسين وتبذل
له الوعود بدولة عربية مستقلة يكون خليفة عليها كان هناك تجهيز وإعداد لعقد
مفاوضات ومؤتمرات إنجليزية فرنسية روسية في مدينة بطرسبرج أسفرت عن توقيع اتفاقية
سايكس بيكو لاقتسام الفريسة 'تركة الرجل المريض' وأسفرت هذه الاتفاقية عن تخصيص
القسطنطينية مع أراضي واسعة على جانبي البوسفور وشرق الأناضول والمناطق المتاخمة
لروسيا، وأصبح العراق وفلسطين والأردن لإنجلترا والبلاد السورية مع جزء كبير من
جنوب الأناضول لفرنسا , وتولى الاتفاق 'مارك سايكس' عضو البرلمان الإنجليزي و'جورج
بيكو' قنصل فرنسا في بيروت , وتم اعتماد هذا الاتفاق على خرائط مرسومة ترسم الحدود
المقتسمة بين الدول الغاصبة .
كان من ملحقات هذه الاتفاقية أن يتم منع تسليح العرب وقد ظهر أثر ذلك
البند في حرب سنة 1948 – 1368 هـ حيث استطاع اليهود جلب السلاح من أوروبا وأمريكا
في الوقت الذي منعت فيه أوروبا 'إنجلترا وفرنسا وروسيا وتشيكوسلوفاكيا' السلاح عن
العرب في حين باعت بعض المصانع الإيطالية السلاح الفاسد الذي قتل حامله في حرب 48
في قضية السلاح الفاسد الشهيرة
وقد اتخذت هذه الصفقة فيما بعد شكلا رسميا في 26 نيسان (أبريل) 1916
باسم "اتفاقية سازونوف - باليولوغ"، والتي أصبحت بعد ذلك جزءا لا يتجزأ
من التسوية العامة التي تمت بين روسيا وفرنسا وبريطانيا، والتي يشار إليها عادة
باسم "اتفاقية سايكس - بيكو" والتي عقدت رسميا في 16 أيار (مايو) 1916، و
بموجبها تم تقسيم هذه الأمـــة العظيمة ونهب ثــروتـها كان المواطن العربي يأتي من
أقصى المغرب العربي إلى المشـــرق العربي دون حدود أو قيود ؟!
وجاءت مواد تلك الاتفاقية على النحو التالي:
المادة الأولى : إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا
دولة عربية برئاسة رئيس عربي في المنطقتين " آ " ( داخلية سوريا ) و
" ب " ( داخلية العراق ) المبينة في الخريطة الملحقة بهذا الاتفاق يكون
لفرنسا في منطقة (آ) ولإنكلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض
المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (آ) وإنكلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين
والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية .
المادة الثانية : يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء ( سوريا الساحلية )
ولإنكلترا في المنطقة الحمراء ( منطقة البصرة ) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم
مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة، بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات
العربية .
المادة الثالثة : تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء ( فلسطين )
يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة .
المادة الرابعة : تنال إنكلترا ما يلي :-
- ميناءي حيفا وعكا .
- يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة (آ) للمنطقة (ب)
وتتعهد حكومة جلالة الملك من جهتها بألا تتخلى في أي مفاوضات ما مع دولة أخرى
للتنازل عن جزيرة قبرص إلا بعد موافقة الحكومة الفرنسية مقدماً .
المادة الخامسة : تكون اسكندرونة ميناء حراً لتجارة الإمبراطورية
البريطانية، ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا تفرض تسهيلات خاصة
للملاحة والبضائع البريطانية وتباح حرية النقل للبضائع الإنكليزية عن طريق
اسكندرونة وسكة الحديد في المنطقة الزرقاء، سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء
أو إلى المنطقتين (آ) و (ب) أو صادرة منهما ولا تنشأ معاملات مختلفة مباشرة أو غير
مباشرة على أي من سكك الحديد أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمس البضائع
والبواخر البريطانية تكون حيفا ميناء حراً لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد
الواقعة تحت حمايتها، ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة
والبضائع الفرنسية، ويكون نقل البضائع حراً بطريق حيفا وعلى سكة الحديد الإنكليزية
في المنطقة السمراء ( فلسطين ) سواء كانت البضائع صادرة من المنطقة الزرقاء أو
الحمراء، أو من المنطقتين (آ) و (ب) أو واردة إليها ولا يجري أدنى اختلاف في
المعاملة بطريق مباشر أو غير مباشر يمس البضائع أو البواخر الفرنسية في أي سكة من
سكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ المذكورة .
المادة السادسة : لا تمد سكة حديد بغداد في المنطقة (آ) إلى ما بعد
الموصل جنوباً، ولا إلى المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالاً، إلى أن يتم إنشاء
خط حديدي يصل بغداد بحلب ماراً بوادي الفرات، ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين .
المادة السابعة : يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة
الوحيد لخط حديدي يصل حيفا بالمنطقة (ب) ويكون لها ما عدا ذلك حق دائم بنقل الجنود
في أي وقت كان على طول هذا الخط ويجب أن يكون معلوماً لدى الحكومتين أن هذا الخط
يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة
السمراء مصاعب فنية أو نفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذراً، فإن الحكومة
الفرنسية تسمح بمروره في طريق بربورة - أم قيس - ملقا - إيدار - غسطا - مغاير إلى
أن يصل إلى المنطقة (ب)
المادة الثامنة : تبقى تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة في
جميع جهات المنطقتين الزرقاء والحمراء في المنطقتين (آ) و (ب) فلا تضاف أية علاوة
على الرسوم، ولا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين، إلا أن يكون
باتفاق بين الحكومتين ولا تنشأ جمارك داخلية بين أي منطقة وأخرى في المناطق
المذكورة أعلاه، وما يفرض من رسوم جمركية على البضائع المرسلة يدفع في الميناء
ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع .
المادة التاسعة : من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسية لا تجري مفاوضة
في أي وقت للتنازل عن حقوقها، ولا تعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزرقاء لدولة
أخرى سوى للدولة أو لحلف الدول العربية، بدون أن توافق على ذلك مقدماً حكومة جلالة
الملك التي تتعهد بمثل ذلك للحكومة الفرنسية في المنطقة الحمراء .
المادة العاشرة : تتفق الحكومتان الإنكليزية والفرنسية، بصفتهما
حاميتين للدولة العربية، على أن لا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطاراً
في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن
هذا لا يمنع تصحيحاً في حدود عدن قد يصبح ضرورياً بسبب عداء الترك الأخير .
المادة الحادية عشرة : تستمر المفاوضات مع العرب باسم الحكومتين
بالطرق السابقة نفسها لتعيين حدود الدولة أو حلف الدول العربية .
المادة الثانية عشرة : من المتفق عليه ما عدا ذكره أن تنظر الحكومتان
في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى البلاد العربية .
ولما كان الاتفاق قد تم بينهم على التمسك بسرية هذه الاتفاقية كجزء
مهم منها، فإن شروطها لم تبلغ إلى إيطاليا ولا إلى الشريف حسين.
لورنس العرب في شمال جدة عام 1917
(ج) لورانس العرب:
توماس إدوارد لورنس ( 16 أغسطس 1888 – 19 مايو 1935) ضابط استخبارات
بريطاني اشتهر بدوره في مساعدة القوات العربية خلال الثورة العربية 1916 ضد
الإمبراطورية العثمانية عن طريق انخراطه في حياة العرب الثوار وعرف وقتها بلورانس
العرب.
صور عن حياته فيلم حمل اسم لورنس العرب، شارك فيه الممثل المصري عمر
الشريف في أول دور عالمي له، وقد هوجم هذا العمل الدرامي لما رآه البعض من افتقاره
للدقة التاريخية ولإسرافه في تصوير دور لورنس في الثورة ضد الخلافة العثمانية، كتب
لورانس سيرته الذاتية في كتاب حمل اسم: أعمدة الحكمة السبعة.
قال ونستون تشرشل عن لورانس: لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة
له
ولد توماس إدوارد عام 1888م في (ويلز) بإنكلترا، تزوج والده من ايرلندية
أنجبت له 4 بنات ولكنه هجرها ليعيش مع مربية بناته دون زواج وأنجب منها 5 ذكور كان
لورنس الثاني من بينهم.
كان لورنس متفوقاً في دراسته ينال المِنح المدرسية والجامعية، وتمتع منذ صِغره بالبنيان القوي و النشاط والذكاء، كما
تميّز بقوّة الذاكرة وحبّ المغامرة والصبر على المتاعب. تخصّص في علم الآثار في
جامعة أكسفورد الأمر الذي دفعه للاهتمام باللغات فتخرّج وهو يجيد الفرنسية
واللاتينية واليونانية، وأثناء تحضيره لرسالته الجامعية التي كان موضوعها (الفن
المعماري الحربي عند الصليبين في الشرق) قام بزيارة القِلاع التي بناها الصليبيون،
وتلقّى شيئاً من اللغة العربية قبل سفره، وزار سوريا وبيروت وغيرها، قطع خلالها
مسافات شاسعة وحده مشياً على الأقدام على طرق أكثرها غير معبّد وبراري غير مأمونة
يبيت عند الفلاحين والبدو في خيامهم يُشاركهم المأكل والمشرب وشظف العيش ممّا
ساعده على إجادة اللغة العربية .
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى اتجهت الدول الكبرى: فرنسا، وبريطانيا، وروسيا
وألمانيا إلى السعي لتحقيق مصالحها الخاصة، والتي منها: توسيع رقعة نفوذها
والسيطرة على الأماكن الاستراتيجية وعلى منابع النفط... لذلك أخذت بريطانيا ترسل
عملاءها إلى المنطقة؛ فاستدعت القيادة البريطانية أصحاب الخبرة في البلاد العربية
ومنهم لورنس الذي التحق بسلك المخابرات العسكرية، وعندما دخلت تركيا الحرب في
أواخر عام 1913 عُيّن لورنس في القاهرة مشرفاً على شبكة للتجسس.
توماس إدوارد لورنس
كان لورانس يختار أعضاءها بنفسه، ومن مُهماته تهيئة الخرائط
العسكرية وضبط وتنظيم المعلومات الواردة التي تُؤخذ من الأسرى والفارين من الجيش
العثماني وتنسيقها مع المعلومات الواردة من الجواسيس. ولكي يقوم بوظيفته تلك على
أكمل وجه تمّ إعداده على أكمل وجه أيضا، حيث نُظِّمت مطالعاته وبخاصة فيما يتعلّق
بالتاريخ الحربي حتى يقال إنّه قرأ كل ما له علاقة بالفروسية وبالقرون الوسطي،
وقرأ حوالي 25 مجلّداً خاصاً بنابليون، وبعد ذلك قرأ معظم كتب الحرب العائدة إلى
القرن الثامن عشر.
لم يهتم لورنس بشحذ ذهنه من خلال مطالعات كتب التاريخ الحربي فحسب بل
قام بتدريب جسده على تحمّل المشاق والصعاب ؛ فيروي أحد أصدقائه أنّه كان يختبر
طاقاته على التحمّل بالانقطاع عن الطعام لمدّة يومين أو ثلاثة أيام وبالسير مسافات
طويلة في الصحراء إبّان فصل الشتاء وبالتغلب سباحة أو تسلقاً على أي حاجز مائي أو
جبلي يعترض سبيله، وبقضاء أمسيات طويلة وحيداً في حقل الرماية يتدرّب على إطلاق
النار حتى أضحت يساره تُضاهي يمينه في استعمال الأسلحة النارية، وبقطع المسافات
الطويلة راكباً دراجته دون توقف إلى أن يقع تحت وطأة الإعياء على حافة الطريق
قاد لورنس الأعراب حتى حاز على دمشق وظل ينهك الجيش العثماني، وقد أدى
منفردا – وفي سبيل قضيه باطلة – ما يؤديه جيش كبير، حتى أنّه خدع نفراً من الضباط
العرب في الجيش العثماني فكانوا معه في مسيرته تلك من الحجاز إلى حلب" .
لقد حدد لورنس هدفه جيدا بذات الطريقة التي استعد بها لتحقيق ذلك
الهدف، فلم يكن يهمه من أمر العرب شيئاً فهو لم يكرّس نفسه لإنشاء دولة عربية
موحدة كما يُشاع لأنّه كان يُقدّم مصلحة بلاده على أي شيء آخر، ومصلحة بريطانيا
تقضي بإبقاء الشرق الأوسط منقسماً على ذاته، يقول لورنس في أحد تقاريره: " لو
تمكنا من تحريض العرب على انتزاع حقوقهم من تركيا فُجاءة وبالعنف لقضينا على خطر
الإسلام إلى الأبد ودفعنا المسلمين إلى إعلان الحرب على أنفسهم فنمزقهم من داخلهم
وفي عقر دارهم، وسيقوم نتيجة لذلك خليفة للمسلمين في تركيا وآخر في العالم العربي
ليخوضا حرباً دينية داخلية فيما بينهما، ولن يخيفنا الإسلام بعد هذا أبداً"
فيصل_ولورنس_ونوري_السعيد
أما تعهده للعرب بمنحهم الحرية فكانت الطريقة المثلي لجعلهم يشتركون
في الحرب، يقول في أحد كتبه: "كان علي أن أشترك في المؤامرة... وقد جازفت
بالاحتيال اعتقاداً مني بأن العون العربي ضروري للوصول إلى نصر سريع وقليل
التكاليف في الشرق... الربح مع الإخلال بالعهد أفضل من الخسارة"
لقد كانت العقبة الأساسية التي كانت تواجه بريطانيا وحلفاءها ومن
خلفهم اليهود هي الإسلام؛ لذلك سعوا إلى القضاء عليه عن طريق هدم الخِلافة
الإسلامية، وأصدق دليل على ذلك ما جاء في التقرير
السريّ الذي كتبه لورنس عام 1916 بعنوان "سياسة مكة" أوضح فيه رأيه في
ثورة العرب: " إنّ نشاط الحسين مفيد لنا إذ أنّه ينسجم مع أهدافنا الكبيرة،
وهي تفكيك الرابطة الإسلامية وهزيمة الإمبراطورية العثمانية وانحلالها، لأنّ الدول
التي ستنشأ لتخلف الأتراك لن تشكل أي خطر على مصالحنا... فإذا تمكنا من التحكم بهم
بصورة صحيحة فإنهم سيبقون منقسمين سياسياً إلى دويلات تحسد بعضها البعض ولا يمكن
أن تتحد".
لذلك كان هم لورنس في ذلك الوقت التأثير على زعماء العرب وكسب ود
العشائر والقبائل لدفعهم للقيام بالثورة ولو من خلال لبس لباسهم وسلك سلوكهم كي
يتمكّن من أن يتحكم بهم تحكم الاستعماريين بالشعوب. يقول في كتيب "البنود
27" الذي أعدّه لتعليم الضباط على طرق التحكم بالعرب:
" إذا أمكنك لبس لِباس العرب عندما تكون بين رجال القبائل فإنّك
تكسب بذلك ثقتهم" وللورنس تصريحات عديدة حول فلسطين، ففي إحدى المرات طُلب
إليه إنكار ما جاء في رسالة فيها شتم وتحقير إلى (د. ماك أنيس) كاهن الأبرشية
الإنكليكانية في القدس، لاعتراض الأخير على فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،
فرفض لورنس ذلك وعاود الكتابة إلى الكاهن يلومه على احتجاجه: " كان من الأفضل
لك أن تفعل شيئاً آخر غير الاحتجاج لكنك غير صالح حتى لتنظيف حذاء وايزمان"
لذلك لم يُخفِ لورنس تأييده لوعد بلفور، فبعد زيارته لفلسطين رأى أنه
" كلما سارع اليهود في الاستيلاء على فلسطين وزراعة أراضيها كان ذلك
أفضل".
الشريف حسين
(د) تنفيذ المؤامرة
وقعت بعض الأحداثٌ المهمَّة قبل توقيع مُعاهَدة أو اتفاقيَّة سايكس-
بيكو، ولعلَّ من أهمها:
فشل المخطَّطات العسكريَّة البريطانيَّة في العراق إبَّان الحرب
العالميَّة الأولى، و عجزها عن السَّيْطَرة على المضايق التركيَّة، و زيادة ضَغط
القوَّات التركيَّة على منطقة قناة السويس، هذا الأمر جعَل تعاون العرب مع
القوَّات البريطانيَّة أمرًا حيويًّا للغاية، لذا عملت بريطانيا على استِمالة
الشريف حسين (حاكم الحجاز) إليها، وبدَأتْ بين السير (مكماهون) وحسين مُكاتَبات
ومُراسَلات استمرَّت (18) شهرًا، عُرِفَتْ باسم مراسلات (الحسين- مكماهون) كانت
بريطانيا تهدف من وَرائها إلى دفْع العرب إلى الثورة على الأتراك، أمَّا الحسين
فكان يأمل قيام دولة عربيَّة على المشرق العربي، وهي المنطقة التي تضمُّ الجزيرة
العربيَّة والعراق وبلاد الشام، ويتولَّى هو حكمها.
ففي رسالة مؤرخة في تموز 1915- وعد مكماهون - الشريف حسين بالاعتراف
باستقلال الدول العربية لكنه تحفظ على الخوض بمسألة الحدود بذريعة أن الحرب
العالمية الأولى مازالت قائمة.
بعد اتفاق الصهاينة المجتمعون في مؤتمر بازل بسويسرا على اتخاذ فلسطين
وطن قومي ليهود العالم وذلك في سنة 1317هـ - 1897م
أدركوا أن هذا المخطط لن يرى النور إلا
بالتخلص من العقبات التي تعوق تنفيذه والتي على رأسها عقبتين مركبتين هما: العقبة
الأولى هي الخلافة العثمانية والثانية هي وحدة العالم الإسلامي وقوة الإيمان في
قلوب أبنائه .
السلطان عبد الحميد الثاني
أولا التغلب على العقبة الأولى السلطان عبد الحميد الثاني:
شرع التحالف اليهودي الأوروبي في التعامل مع كل عقبة بما يناسبها فعملوا
على إسقاط الخلافة من خلال إقصاء السلطان
عبد الحميد الثاني عن الحكم ، وذلك بعد فشل الجهود الصهيونية في إقناعه بمنح
فلسطين لليهود، فلم يكتف السلطان عبد الحميد بالرفض، بل أصدر فرمانا يمنع تملك
اليهود أي أرض في فلسطين
كان للسلطان عبد الحميد منطلق فكرى وعقدي، يتمثل في أن الإسلام كما
جاء في مذكراته: (هو الروح التي تسرى في جسم البشرية فتحييها، وتغزو القلوب
فتفتحها)، ويرى: (أن القوة الوحيدة التي ستجعلنا واقفين على أقدامنا؛ هي الإسلام)
(وأننا أمة قوية؛ بشرط أن نكون مخلصين لهذا الدين العظيم)، فكان يستمد من هذه
العقيدة، القوة والصلابة التي تمكنه من مجابهة الأطماع الغربية الصليبية في دولة
الخلافة، وكان يرى: (أن حملات الصليبية الموجهة ضد الدولة العثمانية لم تتوقف قط،
ولا يزال جلادستون العجوز "رئيس وزراء انجلترا" يسير على خطى البابا في
هذا السبيل)، (وما زال النصارى ينفقون الملايين في سبيل نشر النصرانية ببلاد الإسلام،
وقد كان عليهم أن يفهموا من قبل أن التوفيق لن يحالفهم في هذه البلاد).
كانت هذه الرؤية؛ بمثابة الأسس الفكرية التي كان ينظر من خلالها
السلطان عبد الحميد إلى الصراع الدائر ضد حامية الخلافة الإسلامية ومن ثم: (كانت
محاولة عبد الحميد في تنفيذ فكرة التجمع على النحو الذي يؤيد به نفوذ (القوة
العربية الإسلامية) القائمة باسم (الخلافة العثمانية) كقوة مقاومة للنفوذ الغربي،
ومن هنا أطلق الكتاب على هذه المرحلة 1876 - 1908، وهي فترة حكم السلطان عبد
الحميد في تركيا، اسم (تركيا الإسلامية).
استغلت الجمعية الصهيونية الضائقة الاقتصادية التي كانت تمر بها
الدولة العثمانية، ولجأت إلى الإغراء المالي لتحقيق أهدافها، واختارت (آمانويل قره
صو) المحامي اليهودي، مؤسس المحفل الماسوني في مدينة سلانيك، لمقابلة السلطان عبد
الحميد، وعرض مطالبهم عليه، وبالفعل تم ذلك بتاريخ 17 سبتمبر 1901ص، وقدم إليه عريضة
يلتمس فيها منح اليهود منطقة ذات إدارة ذاتية في فلسطين، وفي مقابل ذلك تقدم
الجمعية الصهيونية قرضاً لمدة غير محدودة، قيمته (20) مليون ليرة ذهبية دون فائدة،
إلى خزينة الدولة، و(5) ملايين ليرة ذهبية إلى خزينة السلطان الخاصة كهدية، إلا أن
السلطان عبد الحميد فور سماعه فحوى العريضة، استشاط غضباً وطرد (قره صو) وقال:
"إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً، فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكي، إنما
هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم، لا يمكن أن يباع، وربما
إذا تفتت إمبراطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل).
وثيقة السلطان عبد الحميد الثانى فى الرد على الملعون هرتزل مؤسس الصهوينية العالمية
ولم يكتف السلطان بذلك، وإنما أصدر عدداً من الإرادات السَنيّة؛ يحظر
فيها على ولاته، السماح لليهود بشراء أراض في فلسطين، أو استقرارهم فيها، وجاء في
أحد فرماناته: (لا يسمح بإجراء ينتج عنه قبول اللاجئين اليهود المطرودين من كل بلد
يترتب عليه إنشاء حكومة موسوية في القدس مستقبلاً،............. لماذا نقبل في
بلادنا من طردهم الأوربيون المتدنون وأخرجوهم من ديارهم؟ ونطلب إلى مقام الصدارة،
اتخاذ قرار عام في هذا الموضوع).
ولم يقتصر السلطان على الصدر الأعظم رئيس الوزراء وإنما أصدر فرماناً
موجهاً إلى السلطات العسكرية مباشرة؛ يأمرهم فيه بمنع قبول اليهود أو إسكانهم في
فلسطين.
فقد أدت مواقف عبد الحميد المتصلبة أمام المشروع الصهيوني، إلى جعلهم
يوقنون باستحالة تحقيقه، طالما بقي هو على سدة الحكم، وقد عبّر هرتزل عن ذلك
بقوله: (لقد فقدنا الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، فإن اليهود لن يستطيعوا
دخول الأرض الموعودة، طالما ظل عبد الحميد قائماً في الحكم مستمراً فيه).
فرمان عثماني موقع من السلطان عبد الحميد الثاني يعارض فيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين
ومن ثم كان خلع عبد الحميد وتمزيق حكمه، هدفاً وغاية لا يمكن الرجوع
عنها، ( ولمن يرغب في المزيد عن هذا الأمر يراجع مدونتي الصهيومسيحية – القضاء على
الخلافة الإسلامية)
لعب الصهاينة دورا في انقلاب
1908ص، الذي نتج عنه عزل السلطان عبد الحميد من خلال تبني حركة الاتحاد والترقي
التي قامت بانقلاب عسكري على الخليفة عبد الحميد وخلعه مما مهد السبيل لإسقاط
الخلافة كلها بعد ذلك . هذا عن العقبة الأولى.
خلع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني نيسان 1909
ثانيا: التغلب على العقبة الثانية: وحدة المسلمين
أدرك أعداء الإسلام أن تمزيق الأمة المسلمة لا يمكن أن يتم من خلال
مواجهة عسكرية معها وإنما يكون بالمكر والخديعة واستغلال بعض أبناء العرب السذج
فالفكرة لا يمكن أن تتم إلا من داخل الأمة وعلى يد أبنائها كما قال القس زويمر في
مؤتمر التبشير العالمي في القاهرة سنة 1324هـ 'الشجرة يجب أن يقطعها أغصانها' وكلامه
تلخيصا لما جاء في وثيقة لويس التاسع ملك فرنسا وصاحب الحملة الصليبية على مصر
والمحفوظة في دار الوثائق الفرنسية والتي تحدث فيها عن كيفية التغلب على العرب
المسلمين.
ومن خلال هذه المقولة والفكرة بحث أعداء الإسلام عن شخصية وزعامة يكون
لها ثقل داخل الوطن الإسلامي قادرة على توجيه مشاعر الجماهير المسلمة لتحقيق مخطط
الأعداء وتحقق لهم ما أرادوا ووجدوا بغيتهم في شخص 'الشريف حسين بن علي الهاشمي'
وابنيه فيصل وعبد الله, وكان الشريف حسين يتصف بالدهاء والذكاء والطموح والكره
للعثمانيين وكان السلطان عبد الحميد الثاني يستشعر خطره وضرره على الأمة المسلمة
وطموحه الكبير فحدد إقامته في الآستانة.
زعماء جمعية الاتحاد والترقي
فبدأ المخطط بضغط إنجلترا
حامية اليهود في العالم على السلطان عبد الحميد الثاني من خلال حزب الاتحاد والترقي
لتعيين الشريف حسين أميراً على مكة واضطر عبد الحميد تحت الضغط الداخلي والخارجي
أن يوافق ثم قال كلمته الشهيرة بعد صدور قرار تعيين الشريف حسين أميراً على مكة
'لقد خرجت الحجاز من يدنا واستقل العرب' وتشتت ملك آل عثمان بتعيين الشريف حسين
أميراً على مكة المكرمة ويا ليته يقنع بإمارة مكة المكرمة وباستقلال العرب فقط
ولكنه سيعمل بدهائه إلى أن ينال مقام الخلافة نفسه.
عندما احتدم الخلاف بين الشريف حسين و العثمانيين بعد أن تم تعيين "وهيب باشا " ليكون
واليا على الحجاز على أن يجمع فى قبضة يده
السلطة على الحياة المدنية والعسكرية في محاولة للقضاء على الشرافة وحكم الشريف
حسين ، وبذلك أصبح الصدام وشيكا ومنذرا
بحدوث حرب بين الدولة العثمانية والشريف حسين أسرعت بريطانيا في أن تكون حليفا للشريف
حسين بالتطميع فى إقامة الدولة العربية التي طالما حلم بها كل العرب ، وبالفعل تمت
هذه الاتصالات والمراسلات على ذلك ،وكانت تلك الظروف هي التي مهدت الطريق لبداية
الاتفاق بين بريطانيا وحسين من خلال المراسلات التي بدأت فى( 1331هـ - 1912م) عند
زيارة عبد الله ابن الشريف حسين للمعتمد البريطاني فى القاهرة " كتشنر "
ليتباحثا فى شأن العلاقة العربية العثمانية فى الحجاز وعن ما موقف بريطانيا إذا
نشبت حرب بين الحسين والاتحاديين .
فى تلك الأثناء كانت المصالح
البريطانية مع الأتراك وثيقة الصلة
بتواجدها فى بلاد الشرق فرفضوا التورط فى أي مساعدة للشريف حسين حفاظا على الصداقة
التركية البريطانية ولكنهم بالطبع قد أدركت بريطانيا كيفية استغلال العرب إذا فكرت
فى الانقلاب على تركيا والإطاحة بالحكم العثماني .
وبعد سنوات قليلة رأت بريطانيا أن الحكم العثماني بات يُشكل خطرا على
مصالحها وحركة تجارتها المدنية والعسكرية ، فبدأت تعيد النظر فى العرض الذي كان قد
طرحه عليها عبد الله ابن الشريف حسين فى الاستعانة بالعرب فى حربها على الجيش العثماني
بأطماع العرب فى الاستقلال وموقفهم الذي أصبح ملتهبا من سياسة قادة الأتراك
ومعاداتهم للعرب خاصة بعد انقلاب جمعيات عربية على الإمبراطورية العثمانية،ونوايا
بريطانيا تجاه الحجاز فى حالة قيام حرب بينها وبين العثمانيين
هنري مكماهون
وفى عام 1914 تم استئناف المفاوضات حيث استمرت هذه الاتصالات بين
الشريف والمعتمد البريطاني على القاهرة السير " هنري مكماهون " وكانت
الرسالة الأولى التي أرسلها الشريف حسين إلى المعتمد البريطاني هي وثيقة بروتوكول
دمشق والتي تُمثل الأساس العام للتحالف الذي وضعته سوريا والعراق بين العرب
وبريطانيا ضد الأتراك والتي وضعت بها مطالبها فى نيل الاستقلال وعدم التدخل الأجنبي
فى شؤون الدول العربية والاعتراف بخليفة عربي للمسلمين والتي بالفعل وافقت عليها
بريطانيا مع بعض التحفظات التي وضعتها بريطانيا والتي تساعدها بعد ذلك في التملص
من التزامها مع العرب .
وتدور مكاتبات ورسائل بين الطرفين توضح حقيقة الخداع الإنجليزي فهنري
ماكماهون نائب ملك إنجلترا على مصر يرسل للشريف يقول له 'إنا نصرح مرة أخرى أن
جلالة ملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد الخلافة على يد عربي صميم من فرع تلك
الدوحة النبوية المباركة ' وينخدع حسين بهذا الكلام ويبدأ في التفكير في كيفية
تولية أمر الخلافة .
ثم تُسرع إنجلترا في إرسالها جاسوسها اليهودي الأصل 'لورانس' ليجتمع
مع الشريف حسين ويقنعه بإعلان الثورة على الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية
الأولى والتي دخلت فيها تركيا بجانب ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا ليدخل العرب مع
أعداء الخلافة العثمانية في الحرب العالمية , وذلك ليتحارب المسلمون فيما بينهم
فتتمزق وحدتهم وتضيع قوتهم ويتدمر اقتصادهم ويصبح الطريق ممهداً أمام قوات اليهود
والإنجليز والفرنسيين لاحتلال فلسطين وسوريا .
الشريف حسين يلتقط الطعم ويقع في المصيدة.فأعلن الشريف حسين الثورة
على الدولة العثمانية في (9 شعبان 1334هـ - 10 يونيو 1916م) قيام الثورة العربية
فرحا وأطلق أول رصاصة من قلعة الأتراك بمكة إعلانا على بدء المعركة والتي دعمها
بمنشور أذاعه جاء نصه :-
"وانفصلت بلادنا عن المملكة العثمانية انفصالاً تامًا، وأعلنا
استقلالاً لا تشوبه شائبة مداخلة أجنبية ولا تحكم خارجي
خرج المسلمون العرب بتخطيط وتوجيه 'لورانس' وقيادة فيصل بن الحسين من
جزيرة العرب باتجاه بلاد الشام لقتال إخوانهم المسلمين الأتراك وبمساعدة الإنجليز
وبالسلاح الحديث يتم إفناء وتشريد الجيوش العثمانية الثالث والسابع والثامن التي
طالما حفظت العالم العربي من كيد الأعداء وبتوجيه من الإنجليز عبر الجاسوس
'لورانس' تم تدمير خط سكة حديد المدينة المنورة مع الشام .
حيث نسفت القوات العربية بقيادة الأمير فيصل خط سكك حديد الحجاز والتي
كانت تربط بين الحجاز والخلافة العثمانية واحتلت ينبع والعقبة والتي اتخذتها
القوات العربية نقطة ارتكاز لهم لتمولهم بريطانيا بالإمدادات العسكرية اللازمة
وفرح العرب بانتصارهم الكاذب عندما استطاعت القوات العربية الثائرة فى خلال ثلاثة
اشهر فقط منذ بدء إعلان الثورة أن تستولي على مدن الحجاز الكبرى باستثناء المدينة
المنورة التي بقت محاصرة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
كما تمكن أفراد القبائل الذين انضموا إلى الحركة بمساعدة ضابط
المخابرات البريطاني الشهير لورنس، من منع وصول الدعم التركي للجيش فى منطقة
الحجاز والمدينة المنورة ومعان ودمشق والعقبة وأخيرا حلب فى عام 1919
قدم العرب اكبر هدية للورد "اللنبي " بتقدم الأمير فيصل بن الحسين بجيشه ليحارب الأتراك فى منطقة شرقي الأردن
وبذلك فهو ساعد القوات البريطانية على أن تدخل القدس بمعاونة العرب والتي كان
يترأسها اللورد اللنبي فدخلت القوات البريطانية القدس وباحتلال الثوار العرب لتلك المنطقة
قد حموا بذلك القوات البريطانية من هجمات الأتراك من جهة الشرق فى منطقة بئر سبع
والخليل .
اللورد اللنبي
وبذلك فقد احتلت بريطانيا الأردن
وفلسطين عن طريق جيش العرب وفى عام 1918 لم يلبث شهر واحد فقط من احتدام قتال العرب
والإنجليز ضد الأتراك إلا وان زال الحكم العثماني من سوريا بعد أن مضى عليها أربع
قرون من الاحتلال والحكم العثماني عليها .
وفي أثناء القتال بعث قائد
الجيوش العثمانية بالشام أحمد جمال باشا رسالة إلى الشريف حسين يحذره من المؤامرة وغدر
الإنجليز
يقول جمال باشا:-" بعثت أخيراً إلى الشريف حسين باشا كتاباً صورت
له فيه هذه الحقائق وأفهمته حرج مركزه الحاضر وخطره فإذا كان مسلما حقيقياً وكان
جامعا لمزايا العرب وخصالها وإحساساتها يقلب للإنجليز ظهر المجن ويؤول راجعا إلى
خليفة الإسلام والمسلمين . وإنني قد قمت بواجباتي الدينية راجيا من الله جلّ وعلا
أن يلهمه طريق الرشد والصواب والهداية
ولكن الشريف حسين لا يستجيب بينما المؤن تنهال على مواني الحجاز عبر
السفن الإنجليزية
الشيخ محمد رشيد رضا كبير الإصلاحيين رائد الفكر العربي
ثالثا خيبة أمل والاحساس بالخديعة
شعر الكثير من رواد الإصلاح فى الفكر العربي فى ذلك الوقت بخيبة أمل و
الخديعة المدبرة من قبل الحكومة البريطانية وكان على رأسهم الشيخ محمد رشيد رضا
كبير الإصلاحيين ورائد الفكر العربي وقد شعروا بذلك عندما علموا بان الأسطول الإنجليزي
اسقط عدة موانئ من بينها الحجاز وثغور جدة ورابغ وينبع وغيرها من موانئ الحجاز
وشعروا أكثر بالخطر عندما وجدوا أن ضباطا مثل لورانس وكوكس وكاترو قد قادوا جيوش
العرب لاحتلال أرض العرب حتى وصل الأمر إلى ركل قبر " الناصر صلاح الدين
" مهللين أن هذه الحرب هي آخر الحروب الصليبية بدخول القدس " .
ارتفعت الأعلام البريطانية والفرنسية على المناطق التي احتلها وانتصر
بها جيوش العرب المنتظرة لإعلان التحرير والحصول على الاستقلالية والتي كانت تجهز
علما خاصا بها تحلم برفعه عاليا فى سماء العروبة فكان ذلك العلم هو أول علم عربي
يتألف من مثلث احمر اللون
وقال البيان أن العلم الجديد يتألف من مثلث أحمر اللون تلتصق به ثلاثة
ألوان أفقية متوازية هي الأسود في الأعلى ثم يتوسطه الأخضر والأبيض في الأسفل.
وتشير الألوان الأفقية المرفوعة إلى شعارات رفعها العرب قديما فالأسود يمثل الدولة
العباسية القديمة والأخضر الدولة الفاطمية والأبيض فيمثل الدولة الأموية أما
المثلث الأحمر فكان هو شعار الثورة والاستقلال .
حاول الشيخ رشيد لفت نظر الشريف حسين إلى تلك الخديعة وبان الإنجليز
والفرنسيين يستعملونه للاحتلال الأراضي العربية ولكن بريق السلطة وأحلام الملك
جعلته لا يرى الحقيقة
فبعد أن دخل العرب سوريا وتم تحريرها الكامل من الحكم العثماني تشكلت
حكومة برئاسة الملك فيصل الأول ابن الشريف حسين حيث عقد أهل البلاد السورية بمن
فيهم الأردنيون مؤتمراً وطنياً قرر في 8 آذار 1920م إعلان استقلال سورية بما فيها
الأردن وفلسطين والمناداة بالأمير فيصل ملكاً دستورياً عليها.
الجنرال هنري غورو عام 1920
غير أن بريطانيا وفرنسا لم
تعترفا بذلك وعرضتا الأمر على المجلس الأعلى لعصبة الأمم في مدينة سان ريمو، في
إيطاليا، في الفترة من 18 – 26 نيسان 1920م، فقرر وضع البلاد العربية الواقعة ضمن
المستطيل الممتد من شاطىء البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية تحت الانتداب، وتجزئة
البلاد السورية إلى ثلاثة كيانات منفصلة هي: فلسطين، ولبنان، وبقية الأرض السورية.
كما أقر المجلس أن توضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد
بلفور، وأن توضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. وكان بعد ذلك أن قدم غورو
إنذاره الشهير للملك فيصل، وكانت معركة ميسلون الحاسمة على أبواب دمشق في 24 تموز
1920م، وغادر فيصل، الذي نحي عن عرش سورية، دمشق، وأوجد له البريطانيون حلاً وسطاً
عندما نصبوه ملكاً على العراق، فيما أنشئت إمارة شرق الأردن لترضية شقيقه الأصغر
الملك عبد الله، وهنا نرى كيف فشل الشريف حسين بإقامة دولته العربية، ليس فقط لأن
القوى الاستعمارية تآمرت عليه، بل حتى أبناءه لم يساعدوه وذهب كل واحد منهم لإقامة
دولته الخاصة، ونقلت بعض المصادر التاريخية عن الشريف وصفه لأبنائه بالأفاعي.
أبناء الشريف حسين
العجيب أن الشريف حسين كان فهمه لتلك الثورة فهماً إسلامياً خالصا
لأنه طمح للخلافة التي يجب أن تكون في قريش وهو ما استغله الأعداء في بادئ الأمر
لإشعال الثورة ثم انفضوا عنه إلى ابنه 'فيصل' وذلك من أول لقاء بين لورانس وحسين
مما أدى إلى فساد العلاقة بين الشريف حسين وابنه فيصل واتهمه حسين بالخيانة
والعمالة وأفاق الشريف حسين على الخديعة الكبرى ولكن بعد ما فات الوقت وحيث لا
ينفع الندم وتغلبت النزعة القومية المتمثلة في 'فيصل' على النزعة الدينية المتمثلة
في 'الحسين'
بدل العرب الظلم التركي الذي استمر أربعة عقود (1517- 1917)
بالاستعمار الأوروبي الغاشم , وبدا واضحا الفرق بين أماني العرب القومية ونوايا
الاستعمار الخبيثة المبيتة على نسف نسيج الأمة العربية وتبخر أحلامها وزرع الشقاق
بين الأشقاء العرب , واقتطاع فلسطين من خاصرة الأمة العربية ووضعها قلادة في عنق
الحركة الصهيونية , واستغلال طاقات الأمة العربية واستخفاف بالعقل العربي والإنسان
العربي وتاريخه العميق .
خيب الحلفاء آمال الشريف حسين فنصب نفسه ملكا على العرب (29اكتوبر
1916) وبريطانيا وفرنسا وايطاليا اعترفوا به ملكا على الحجاز فقط وما لبث أن دحره
الوهابيُّون بقيادة عبد العزيز بن سعود الذي توج نفسه ملكاً على الحجاز في ( 8
كانون الثاني 1926) .(187)
لم تجن الشعوب العربية ثمار الثورة العربية وتمزيق أوصال الدولة
العثمانية , وفقط أبناء الشريف حسين وحتى إن فرنسا سارعت إلى انتزاع سوريا من أيدي
فيصل وطرده وأجْلَتْ الحسين نفسه إلى قبرص ظل حتى 1930 , حتى أصبح أضحوكة وهدفا
للسخرية بين كبار الموظفين الإنجليز, وبقيت المملكة الأردنية الهاشمية الثمن البخس
الذي قبضه أبناء الشريف حسين لقاء المشاركة الفعلية بالثورة
جاءت نتيجة تلك الثورة مخيبة لآمال كل العرب التي حلمت بالاستقلال وإقامة
الدولة العربية ولكنها جاءت النتيجة من احتلال إلى احتلال آخر اعنف وأغلظ فان كانت
تمكنت الثورة العربية من طرد القوات التركية من الحجاز ومن مناطق شرق الأردن إلا أنها
فى المقابل ساعدت على زرع القوات البريطانية بها واحتلالها عسكريا وسياسيا فى
المشرق العربي .
وقسمت أيضا بمقتضى اتفاقية سايكس بيكو البلاد إلى ثلاثة مناطق عسكرية هي
:-
- جنوبا وشملت فلسطين والتي بقت تحت الإدراة البريطانية
- شرقا امتدت من العقبة جنوبا حتى حلب شمالا
- المنطقة الساحلية التي امتدت وشملت كلا من سوريا ولبنان وصور جنوبا إلى
كليكتا شمالا والتي سيطرت عليها الإدارة الفرنسية .
وعلى هذا اعتبرت الثورة العربية الكبرى مخيبة لكل آمال العرب، فقد
مكنت للسيطرة البريطانية والفرنسية ومن بعدها الاحتلال الصهيوني التي عملت على
توطينه الإدارة البريطانية منذ أمد بعيد
لقد ساهمت الثورة العربية في غرس المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية
العثمانية , يعترف الكولونيل لورانس في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة "
بدور الثورة العربية , قال :" لقد كنت أؤمن بالحركة العربية إيمانا عميقا
وكنت واثقا قبل أن احضر إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا شر ممزق
"
المراجع:
-
كتاب لورنس العرب (ملك الجواسيس) لمؤلفه هشام محمد - دار مشارق
-
ألبرت حوراني , تاريخ الشعوب العربية .
- جورج انطونيوس , يقظة العرب .
-
حكمت فريحات , السياسة الفرنسية تجاه الثورة العربية
-
كارل بروكلمان , تاريخ الشعوب الإسلامية
-
أعمدة الحكمة السبعة لورانس العرب
-
الشريف الحسين بن علي.. ملك العرب: جريدة الرأي الالكترونية: الصفحة الرئيسية:
دراسات تاريخ النشر: الجمعه 28 ديسمبر 2012 الأستاذ الدكتور محمد عبده حتاملة أستاذ
شرف قسم التاريخ - الجامعة الأردني
- شبكة فلسطين للحوار: المحـاور العـامـة:المحور
السياسي: اتفاقية سايكس بيكو في ظل وثائق ويكيليكس
-
شبكة ومنتديات التاريخ العام: مشاهير ونكرات التاريخ: لورنس العرب ...وخديعة العرب
الكبرى..
-
التجمع القومي الديموقراطي الموحد: إقليم وادي النيل : الثورة العربية الكبرى 1916
ويقول في موضع آخر:
ردحذفوبوصفهم أقل الشعوب مرضا واعتلالا قبلوا هبة الحياة على أنها حقيقة بديهية لا تقبل الشك والجدل، والوجود في نظرهم حق انتفاعي مفروض على الإنسان، هو رهن بمشيئة القدر الذي لا سلطان لأحد عليه، واستنادا إلى ذلك لا يخطر الانتحار على بال أحد، والموت لا يُنظر إليه على أنه شر.
والعرب شعب الانفعالات والثورات والإلهامات والوحي، وعنصر العبقرية الفردية، وأكبر صناعات العرب صُنع المعتقدان التي تكون احتكارا لهم.
تلك هي وجهة النظر الغربية في طبيعة وعقلية العربي فهو محب للوضوح، ضيق الأفق، محب للمغامرة، فهل كانت تلك الطبيعة العربية عاملا مساعدا على استغلاله وخداعه من عدوه على مر العصور؟! أعتقد أن الإجابة التي لا ريب فيها هي نعم، وبخاصة إذا كان يعرف ما هو حق وما هو باطل، ما هو إيمان وما هو إلحاد، ورغم ذلك يهرب من الحق إلى الباطل؟!
لقد استخف لورانس العرب بالعرب عندما لبس العقال العربي والغترة العربية، وقاد معارك في مجلس العموم البريطاني على مشهد من العرب لتمسكه بالزي العربي وفرح العرب كثيراً بهذه التمثيلية الكاذبة، وبهذا الإنجليزي المتنكر بزي العرب واعتبروه حامي العروبة وقائد الثورة العربية وابن العرب المخلص والأصيل .
توماس إدوارد لورنس
وقد استخف بنا لورنس العرب عندما قادنا لتفجير خط السكة الحديد للحجاز الذي شيدها السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – في ظروف عصيبة، وبأموال التبرع من المسلمين، وأوقاف المسلمين، لكي تسهل له ولجيوشه الإسلامية التركية التنقل السريع إلى المنطقة العربية، خاصة إلى الأماكن المقدسة لحمايتها من السيطرة الإنجليزية .
بنى السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – خط حديد الحجاز بالعرق والجهد ومال المسلمين وقاد لورانس العميل العرب لتفجير هذا الخط الحديدي وفي مهاجمة رحلاته وركابه، وفي هذا استخفاف بالعقلية العربية، والأوقاف العربية، والأموال العربية، وبذلك عزل جيوش الخلافة الإسلامية عن المنطقة العربية الثائرة في ثورة عربية كبرى لو نجحت وأقامت دولة الخلافة الإسلامية لانتقلت الخلافة الإسلامية من القسطنطينية إلى مكة المكرمة وبدأنا عهداً إسلاميا عربياً عظيماً، ولكن تم استخدام العرب فقط ككتائب تصادم مع خلافتهم، واستيقظ العرب على خديعة سيكس – بيكو ثم النكبة العربية الكبرى وضياع فلسطين .
واستخف بنا لورانس عندما جلس معنا في الصحراء وبين الجنود وقادنا نحو ما نحن فيه الآن، وحقق ما لم تحققه الجيوش الصليبية والجيوش التتارية, والمخططات الغربية، والأطماع الصهيونية.
ولذلك ينصح الجنود البريطانيون في العراق بعد احتلالها بقراءة ذكريات ومذكرات لورانس مع العصابات العربية بتأن وتمعن وهي مذكرات بعنوان ( الأعمدة السبعة للحكمة ) ليتعلم الجنود الإنجليز من شيطانهم ومعلمهم الأول لورانس كيف يستخفون بالعقول العربية، وما المداخل النفسية والثقافية والاجتماعية للشخصية العربية .
والآن تعالوا بنا نرى كيف كانت خديعة العرب الكبرى فيما عُرف بالثورة العربية الكبرى ودور لورانس العرب واستخفافه بالعرب.
ويقول في موضع آخر:
ردحذفوبوصفهم أقل الشعوب مرضا واعتلالا قبلوا هبة الحياة على أنها حقيقة بديهية لا تقبل الشك والجدل، والوجود في نظرهم حق انتفاعي مفروض على الإنسان، هو رهن بمشيئة القدر الذي لا سلطان لأحد عليه، واستنادا إلى ذلك لا يخطر الانتحار على بال أحد، والموت لا يُنظر إليه على أنه شر.
والعرب شعب الانفعالات والثورات والإلهامات والوحي، وعنصر العبقرية الفردية، وأكبر صناعات العرب صُنع المعتقدان التي تكون احتكارا لهم.
تلك هي وجهة النظر الغربية في طبيعة وعقلية العربي فهو محب للوضوح، ضيق الأفق، محب للمغامرة، فهل كانت تلك الطبيعة العربية عاملا مساعدا على استغلاله وخداعه من عدوه على مر العصور؟! أعتقد أن الإجابة التي لا ريب فيها هي نعم، وبخاصة إذا كان يعرف ما هو حق وما هو باطل، ما هو إيمان وما هو إلحاد، ورغم ذلك يهرب من الحق إلى الباطل؟!
لقد استخف لورانس العرب بالعرب عندما لبس العقال العربي والغترة العربية، وقاد معارك في مجلس العموم البريطاني على مشهد من العرب لتمسكه بالزي العربي وفرح العرب كثيراً بهذه التمثيلية الكاذبة، وبهذا الإنجليزي المتنكر بزي العرب واعتبروه حامي العروبة وقائد الثورة العربية وابن العرب المخلص والأصيل .
توماس إدوارد لورنس
وقد استخف بنا لورنس العرب عندما قادنا لتفجير خط السكة الحديد للحجاز الذي شيدها السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – في ظروف عصيبة، وبأموال التبرع من المسلمين، وأوقاف المسلمين، لكي تسهل له ولجيوشه الإسلامية التركية التنقل السريع إلى المنطقة العربية، خاصة إلى الأماكن المقدسة لحمايتها من السيطرة الإنجليزية .
بنى السلطان العظيم عبد الحميد الثاني – رحمه الله – خط حديد الحجاز بالعرق والجهد ومال المسلمين وقاد لورانس العميل العرب لتفجير هذا الخط الحديدي وفي مهاجمة رحلاته وركابه، وفي هذا استخفاف بالعقلية العربية، والأوقاف العربية، والأموال العربية، وبذلك عزل جيوش الخلافة الإسلامية عن المنطقة العربية الثائرة في ثورة عربية كبرى لو نجحت وأقامت دولة الخلافة الإسلامية لانتقلت الخلافة الإسلامية من القسطنطينية إلى مكة المكرمة وبدأنا عهداً إسلاميا عربياً عظيماً، ولكن تم استخدام العرب فقط ككتائب تصادم مع خلافتهم، واستيقظ العرب على خديعة سيكس – بيكو ثم النكبة العربية الكبرى وضياع فلسطين .
واستخف بنا لورانس عندما جلس معنا في الصحراء وبين الجنود وقادنا نحو ما نحن فيه الآن، وحقق ما لم تحققه الجيوش الصليبية والجيوش التتارية, والمخططات الغربية، والأطماع الصهيونية.
ولذلك ينصح الجنود البريطانيون في العراق بعد احتلالها بقراءة ذكريات ومذكرات لورانس مع العصابات العربية بتأن وتمعن وهي مذكرات بعنوان ( الأعمدة السبعة للحكمة ) ليتعلم الجنود الإنجليز من شيطانهم ومعلمهم الأول لورانس كيف يستخفون بالعقول العربية، وما المداخل النفسية والثقافية والاجتماعية للشخصية العربية .
والآن تعالوا بنا نرى كيف كانت خديعة العرب الكبرى فيما عُرف بالثورة العربية الكبرى ودور لورانس العرب واستخفافه بالعرب.