السبت، 22 أكتوبر 2011

المسيحية الدينيةوالمسيحية السياسية


      [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1} 
المسيحية الدينية والمسيحية السياسية
قال تعالى: [وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] {البقرة:111
وقال جل شأنه: [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120}
وقال سبحانه وتعالى: [وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {البقرة:135}
وقال تبارك وتعالى: [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ] {المائدة:82}
ففي تلك الآيات الكريمات نجد الحق _ تبارك وتعالى _ يحدثنا عن نوعين من المسيحية، ففي آيات سورة البقرة ( 111 – 120 – 135 ) نجده _ سبحانه _ قد جمع بين اليهود وبين المسيحيين من حيث الأطماع التي تأصلت في نفوس كلا الفريقين آلا وهي الرغبة في السيطرة على العالم وفي ذلك ذم لهم.
ثم نجده _ جل شأنه _ في آيات سورة المائدة ( 82 ) قد فرق بين اليهود وبين المسيحيين فجمع اليهود مع المشركين استكمالا لذمهم، ثم اختص المسيحيين بمدح كريم آلا وهو قربهم من المؤمنين، وبذلك يكون القرآن الكريم قد فرق بين نوعين من المسيحية: الأول منهم: مذموم مع اليهود وهو ما يمكن أن طلق عليه المسيحية السياسية، والثاني محمود أو ممدوح وهو ما يمكن أن نطلق عليه المسيحية الدينية وفيما يلي نجتهد بعون الله وتوفيقه في إلقاء الضوء على كلا الفريقين:
أولا: المسيحية السياسية أو المسيحية المذمومة:
ونقصد بها تلك المسيحية التي تنتشر في بلاد ودول الغرب في أوربا وأمريكا، والتي تحاول جاهدة بسط نفوذها على العالم تحت ستار المسيحية، ولذلك فهي تطلق اليد لمبشريها للعمل في جميع أرجاء العالم، وذلك من خلال هدف معلن وهو نشر الدين المسيحي، وآخر خفي يتمل في بسط سيطرة ونفوذ الكنيسة الغربية على العالم بأثره، فكما حاولت الكنيسة الغربية فعل ذلك في الماضي، فها هي تعيد نفس الكرة في الوقت الحاضر.ففي الماضي كانت الحروب الصليبية، والآن نجد حملات التبشير بالدين المسيحي تغزو العالم بأثره، وبخاصة في المناطق التي تكثر فيها الصرعات التي تنميها السياسة الغربية كخطوة مكملة في نفس اتجاه الغزو الصليبي الغربي الجديد، ولا تتمثل خطورة ذلك الأمر في نشر الديانة المسيحية، وإنما مكمن الخطورة في أن هذه المسيحية التبشيرية ليست هي المسيحية التي جاء بها السيد المسيح ( عليه السلام) ولكنها مجموعة من التعاليم السياسية الأصل ذات المظهر الديني والتي تهدف إلى:
·      ربط آسيا وأفريفيا بعجلة الغرب عن طريق نشر الدين.
·      خلق فكر مسيحي يقف أمام الفكر الإسلامي والفكر المسيحي المعتدل في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والدولية.
ويندهش الباحث حينما يرى كبار رجال الكنائس وهم يتناسون المسيحية ومبادئها الأصلية السمحة، ويجندون أنفسهم لخدمة الاستعمار الغربي، وهم يتخذون الدين المسيحي وسيلة للضغط على الشعوب المسيحية في الدول النامية حتى لا تتطور، وحتى تبقى بمنأى عن الرقي والتصنيع والتقدم:
·      فإذا كانت الكنيسة في الغرب تقر بمبدأ فصل الدين عن الدولة، فهي لا تقر بذلك المبدأ بالنسبة لدول
الشرق وذلك ليظل كلام الكنيسة سيفا مسلطا على رقاب العباد.
·      وإذا كانت الكنيسة في الغرب تبارك التصنيع، فإنها تعارض ذلك التصنيع في بلاد الشرق وتبرر ذلك:
* بزعمها أن العامل يعتبر نفسه خالقا، وهذا يتنافى مع الإيمان، واعتبار الإنسان مخلوقا.
* كما تبرر ذلك الرفض للتصنيع في بلاد الشرق أيضا بزعمها أن الثروة التي ستعود على البلاد من التصنيع
ستجلب الشر على المسيحيين بالبلاد النامية، لآن ارتفاع مستوى المعيشة ستصحبه كثرة الخطايا والشرور.
*كما ترى الكنيسة أن التقدم لن يتم إلا بالتضحية بالتراث والتقاليد الموروثة، ولذلك فهي تقرر أن الاحتفاظ
بالتراث والتقاليد الموروثة خير من التقدم الاقتصادي، وتتخذ المجالس الكنسية العليا كل التدابير لتنفيذ ورعاية هذه السياسة الظالمة.
تلك هي أبرز سمات المسيحية السياسية التي تتستر خلف الدين في محاولة منها لاستعمار بلاد الشرق، فهي تحافظ على تفشي الجهل والمرض فيهم من أجل أن يكونوا لقمة سائغة للاستعمار المتستر خلف الدين المسيحي، ودعاوى التبشير.تلك هي المسيحية السياسية التي فشل جندها في الحملات الصليبية في الماضي، فعاود الكرة بالاستعمار، فلما حصل المشرق على حريته عمدت إلي الوقوف في وجه تقدمه ورقيه وحاربت صناعته ووصفته بالجهل والتخلف.
وهي تهدف من وراء ذلك إلى مواصلة استعماره سياسيا وفكريا واقتصاديا... الخ تلك هي المسيحية السياسية
والكنيسة الغربية التي كان جنودها يرددون وهم يستعدون لاستعمار بلاد الشرق على اختلاف شعوب تلك البلاد ما بين مسلمين ومسيحيين، كان جندها يردد وهو يرتدي خوذة القتال قائلا:
أماه
أتمي صلاتك       لا تبكي
بل اضحكي وتأملي
أنا ذاهب إلى طرابلس
فرحا مسرورا
سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة
سأحارب الديانة الإسلامية
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
ثانيا المسيحية الدينية أو المسيحية الممدوحة:
ونقصد بها المسيحية التي نزل بها السيد المسيح ( عليه السلام ) والتي تدعو إلى التسامح ونبذ التعصب والعدوان، تلك هي المسيحية الحق، والتي دعا إليها السيد المسيح ( عليه السلام ) الذي كان على الدوام يردد ومن بعده تلاميذه يرددون:      { كالوطني منكم يكون الغريب النازل عندكم، وتحبه كنفسك، لأنكم كنم غرباء في أرض مصر، أنا الرب إلهكم }
{ لا تضرب الذين سبيتهم بسيفك وبقوسك، ضع خبز وماء أمامهم،  فيأكلوا أو يشربوا ثم ينطلقوا إلى سيدهم }
{ احملوا بعضكم أثقال بعض، شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع }
{ البسوا المحبة التي هي رباط الكمال }
{ وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم، باركوا لا عينيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويطردونكم }   { باركوا الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا }
{ إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فأسقه، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمرا على رأسه }
{ غير مجازين عن شر بشر، أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين، عالمين أنكم لهذا دعيتم لكي ترثوا بركة } { أكرموا الجميع أحبوا الأخوة، أكرموا الرئيس } ذلك هو الدين المسيحي الذي دعا إليه السيد المسيح ( عليه السلام )، وتلك هي المسيحية المنزهة عن الكيد والغل والطمع في ما يملكه الغير، وتتمثل تلك المسيحية في الكنيسة الشرقية بصفة خاصة ومسيحي المشرق بصفة عامة، فهؤلاء هم الذين قصدهم الحق تبارك وتعالى _ في قوله – جل شأنه _ [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ] {المائدة:82}
فهؤلاء هم أتباع السيد المسيح ( عليه السلام ) وسفراء محبته، وكما حدث في الماضي البعيد حين وقف هؤلاء النصارى في خندق واحد مع إخوانهم المسلمين في وجه الحملات الصليبية، فلقد وجدناهم يقاتلون جنبا إلى جنب إخوانهم المسلمين على الرغم من أن الغاصب المعتدي كان يرفع شعار الصليب، ولكنهم لم ينخدعوا بذلك الشعار لأنهم مع الحق لا الباطل، علاوة على إنهم يدركون كذب الشعار وزيفه، وبعد الحروب الصليبية وجدناهم في ذات الخندق مع المسلمين يقاتلون الاستعمار ويقاومونه على امتداد أرض المشرق العربي وهم يرفعون شعار وحدة الهلال مع الصليب في وجه الصليبي الغاصب المحتل، وذلك ما دعا اللورد كرومر المندوب البريطاني في مصر وقت الاحتلال إلى القول: إنني لا أفرق بين المسلم والمسيحي في مصر بغير أن الأول يدخل المسجد، والثاني يدخل الكنيسة )
وحديثا وجدناهم يرفضون دخول القدس إلا مع إخوانهم المسلمين، ووجدناهم يرفضون التصفية الجسدية لمسلمي البوسنة والهرسك والشيشان، وما كل ذلك إلا لأنهم أتباع السيد المسيح ( عليه السلام ) الداعي إلى السلام والأمن، والرافض للغصب والكيد والاحتلال، كما أنهم بحق إخواننا ورفقاء كفاحنا لهثا وراء السلام والحفاظ على حسن الجوار وعدم الاعتداء والرحمة والعدل.
ثالثا مذابح المسيحية الدينية على يد المسيحية السياسية:
لقد تعرض الأخوة المسيحيين للعديد من المذابح على يد اليهود منذ نشأت الدعوة المسيحية حتى إن السيد المسيح ( عليه السلام ) ذاته كان من بين ضحاياهم ولسوف نعرض لذلك الأمر في موضع منفصل عند حديثنا عن أطماع اليهود، بيد أن الأمر قد تبدل بعض الشئ في مطلع القرن الرابع حيث أعلن الإمبراطور قسطنطين مراسيم التسامح عام ( 311 – 313 ) ثم دخل في الديانة المسيحية بعد ذلك بعشر سنوات، فسرعان ما قويت شوكة المسيحيين، وضعفت شوكة أعدائهم، هنا نسوا التسامح الذي دعاهم إليه السيد المسيح ( عليه السلام ) وبرزوا سيف الانتقام الذي لم يمزق شمل الأعداء فقط، وإنما امتدت إلى كل مسيحي يخالف الكنيسة الكاثوليكية، فكثرت المذابح وعم الانحراف وماتت كل دعوة للإصلاح، وتم إطلاق العيون والجواسيس تفتش عن كل مسيحي يعارض رأي الكنيسة حتى داخل الأسرة الواحدة، وتم اضطهاد المفكرين والكتاب، ونضرب لذلك بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر لذلك الاضطهاد وتلك المذابح ذات الطابع الكاثوليكي:
·      في القرن الرابع عارض أريوس (336م) القول بألوهية المسيح ( عليه السلام ) مما دعا إلى عقد مجمع نيقية
الذي قرر إدانته وإحراق كتبه وتحريم اقتنائها وخلع أنصاره من وظائفهم ونفيهم والحكم بإعدام كل من أخفى
شيئا من كتابات أريوس أو أتباعه.
·      وفي عهد تيودوسوس (395م) ظهرت لأول مرة محكمة التفتيش وكانت مركزا بشعا للاضطهاد
والتعذيب، وكان أعضائها من الرهبان، وكانت وظيفتهم اكتشاف المخالفين في العقيدة، وفي القرون التالية كثر صرعى هذا النظام وتعرض للشنق والإعدام جماعات كثيرة لأنهم في نظر الكنيسة هراطقة، وكثيرا ما كانت تلجأ الكنيسة إلى الإعدام البطيء مبالغة في التنكيل، فتسلط الشموع على جسم الضحية وتخلع أسنانه مثلما حدث مع بنيامين كبير أساقفة مصر، لأنه رفض الخضوع لقرار مجمع خلقدونية الذي يرى أن للسيد المسيح ( عليه السلام ) طبيعتين إلهيه وإنسانية.
·      وكانت القوانين تقضي بأن يحمل الأبناء والأحفاد تبعة الجرم الذي يتهم به الآباء، فيسلبون حقهم في
مباشرة الكثير من الوظائف ومزاولة العديد من المهن.
·      وفي أسبانيا قدمت محكمة التفتيش للنار أكثر من واحد وثلاثين ألف نسمة وحكمت على مائتين وتسعين
ألفا بعقوبات أخرى تلي الإعدام.
·  وفي عام ( 1568م ) أصدر الديوان حكمه بإدانة جميع سكان الأرض الواطئة والحكم عليهم بالإعدام و
استثنى القرار بعض الأفراد نص على أسمائهم وبعد عشرة أيام من صدور الحكم دفع للمقصلة ملايين الرجال والنساء والأطفال.
·  وفي 24 أغسطس سنة (1572م ) قام الكاثوليك بالسطو على ضيوفهم البروتستانت ليلا بباريس، وكانوا
قد دعوهم للنقاش في أمور الاختلاف بينهم، إلا أن الكاثوليك ذبحوهم ليلا، لنهض باريس في الصباح لتجد شوارعها تجري بها بحور من الدم، لتنهال التهاني بعد ذلك على البابا الكاثوليكي تشارلس التاسع من ملوك وعظماء الكاثوليك على هذا العمل الدنئ.
·  المذابح التي قام بها البروتستانت للكاثوليك بعد أن قوية شوكتهم وضعفت شوكت الكاثوليك.
تلك هي بعض المذابح والمجازر التي قامت بها المسيحية السياسية لمن خالفها في الرأي من المسيحيين، فإذا أضفنا إلى ذلك المذابح والمجازر التي قام بها هؤلاء الرواد للمسيحية السياسية بالمسلمين في الحروب الصليبية وما فعلوه في بلاد الأندلس بعد أن سقطت في أيديهم وما فعله استعمارهم المسيحي بأقطار المسلمين لتبين لنا مدى بعد هؤلاء عن ما دعا إليه السيد المسيح ( عليه السلام ) كما تبين لنا بحور الدم التي كتب بها هؤلاء وجودهم
وتاريخهم في الماضي والحاضر.
ALFAHD99999@YAHOO.COM


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

http://alfahd999.blogspot.com/