الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

(4)تعامله – صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة – اليهود والنصارى –(م) تابع (2) ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:




(م) تابع (2) ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:
حادي عشر: سيرة الرسول -  صلى الله عليه وسلم 
(4)تعامله – صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة – اليهود والنصارى –
توطئة: منهج القرآن والسنة في التعامل مع أهل الذمة، والمخالفين في الملة


لقد أجل الإسلام بشقيه الكتاب والسنة أهل الديانات السماوية – اليهودية، والنصرانية – بل إنه حث وأمر المسلمين على الإقرار بتلك الديانات، والاعتراف بها والإيمان برسولها، وما فعل الإسلام ذلك إلا لأنه الحلقة الأخيرة ضمن الأديان السماوية قد جاء إلى الناس كافة، فهو الدين الخاتم الذي ارتضاه الحق – تبارك وتعالى – للرعية:
- قال تعالى:{   ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(1) سورة المائدة: 3
 قال تعالى{قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }(2) سورة البقرة: 136
- {ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }(3) سورة البقرة: 285
{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }(4) سورة المائدة : 44
{وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }(5) سورة المائدة: 46، 47

{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ}سورة المائدة: 68
-  { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }(6) القصص: 56
-  { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }(7) سورة الأنعام: 125
-  { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (8) سورة البقرة: 256
-  {وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(9) سورة العنكبوت: 46
-  { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}(10) سورة النحل: 125: 128
-  { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } * { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } * { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } * { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } * { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}(11) سورة الغاشية: 21: 26
-  {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}(12) سورة يونس: 99
-  {قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(13) سورة آل عمران: 64
-  { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ}(14) سورة التوبة: 6
 فمن خلال مطالعة الآيات السابقة وغيرها من آيات الذكر الحكيم نجد: أن القرآن قد خاطب أهل الأديان السماوية السابقة، وهم اليهود والنصارى بألطف العبارات وأجمل الألفاظ فكان يصفهم دائماً بلفظ (يا أهل الكتاب) حيث وردت هذه الكلمة في واحد وثلاثين موضعاً.(15) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ( ص592 وما بعدها ).
كما خاطبهم أيضاً بلفظ (الذين أوتوا الكتاب) وذلك في ثلاثين موضعاً(16) المرجِع السابق)
 وهذا الخطاب يحمل بين طياته الكثير من  الاحترام الكبير،والتقدير لهم، فهو يقول لهم: يا أصحاب العلم والمعرفة، ويا أهل المخطوطات المقدسة السماوية.
والآن حتى تبدو الصورة أمامنا جلية تعالوا نستعرض بعض الحقائق، التي تؤكد حقيقة تعامل الإسلام مع أهل الذمة – اليهود والنصارى -:
أولا: القرآن الكريم: قاعدة العلاقة مع المخالفين في الملة والاعتقاد:
لقد وضع القرآن الكريم قاعدة تعد الدستور الأساسي في تعامل  المسلمين مع غيرهم من الناس المخالفين لهم في العقيدة والاعتقاد:
- فقال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين} (17) سورة الممتحنة: 8
فالآية واضحة تماماً في تقرير العلاقة بين المسلمين وغيرهم، إنها علاقة قائمة على أمر أعظم من العدل - الذي هو إعطاء كل ذي حق حقه - وإنما ترتقي هذه العلاقة إلى مرحلة الإحسان - وهو الزيادة على الحق فضلاً - ولقد قدمت الآية لفظ البر على لفظ القسط - وهو العدل - وهي إشارة رائعة من الآية إلى كيفية معاملة غير المسلمين، إنها علاقة قائمة على البر والإحسان، والشيء الرائع أن الإسلام سمّى غير المسلمين داخل مجتمعه بأهل الذمة : أي أهل العهد والضمان والأمان، لأن لهم عهد الله، وضمان رسوله، وأمان جماعة المسلمين على أن يعيشوا في حماية الإسلام وتحت راية المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين (18) بدائع الصنائع (7/110) والمغني: 8/496
-  قال تعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (19) سورة البقرة: 256
قال الإمام ابن كثير – رحمة الله -:
يقول تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ في ٱلدِّينِ } أي؛ لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونور بصيرته، دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عاماً.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تكون مقلاة، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير، كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: { لاَ إِكْرَاهَ في ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } .
 وقد رواه أبو داود والنسائي جميعاً عن بندار به، ومن وجوه أخر عن شعبة، به، نحوه. وقد رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحة من حديث شعبة به، وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وغيرهم، أنها نزلت في ذلك.
وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن أبي محمد الحرشي مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو عن سعيد، عن ابن عباس، قوله: { لاَ إِكْرَاهَ في ٱلدِّينِ } قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له: الحصيني، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك، رواه ابن جرير. وروى السدي نحو ذلك، وزاد: وكانا قد تنصرا على يدي تجار قدموا من الشام يحملون زيتاً، فلما عزما على الذهاب معهم، أراد أبوهما أن يستكرههما، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث في آثارهما، فنزلت هذه الآية. (20) تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
فقد جاء أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصران قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَدِمَا المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتى تُسلما. فأبيا أن يسلما؛ فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟! فأنزل الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِالآية، فخلَّى سبيلهما .(21) الواحدي النيسابوري: أسباب النزول ص53، والسيوطي: لباب النزول ص37.
وهكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والد الابنين المتنصرين والمخالفَين له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة بأن يَدَعَهُما وما يعتقدان، ويخلِّي بينهما وبين ما يعبدان، حتى وإن كان له عليهما حقُّ الطاعة!
- قال تعالى: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } (22) سورة النساء : 105
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
يقول تعالى: مخاطباً لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } أي: هو حق من الله، وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه، وقوله: { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية، وبما ثبت في الصحيحين من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: " ألا إنما أنا بشر، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو ليذرها "
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست، ليس عندهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطاماً في عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان، وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما إذا قلتما، فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق بينكما، ثم استهما، ثم ليحلل كل منكما صاحبه " وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد به، وزاد: " إني إنما أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه"
 وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس: أن نفراً من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجلاً من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك، عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع، وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده، فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء، وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علماً، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس، وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبرأه وعذره على رؤوس الناس، فأنزل الله: { إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } (23)  تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
ثانيا:تعامل الرسول – صلى الله عليه وسلم –  مع اليهود والنصارى:
لقد أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية في أول دستور
للمدينة، وذلك حينما اعترف لليهود بأنهم يشكِّلون مع المسلمين أُمَّة واحدة.(24) ابن هشام: السيرة النبوية 1/501، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/260، والسهيلي: الروض الأنف 2/345، وابن كثير: السيرة النبوية 2/321.
(أ) بعض أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حق:اليهود والنصارى
بل تعد لهم بالعدل والإحسان قبل توفير الحماية،فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
- " من قتل قتيلا من أهل الذمه لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما" (25) نسائي – قسامه – 15 & أحمد- 5- 38, 52) 
قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما" (26) أخرجه البخاري في صحيحة، أبواب الجزية والموادعه، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم (2995)ومعنى «لم يرح رائحة الجنة»: لم يشمها.
-  وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة"  (27) صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات (3054)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجزية، باب لا يأخذ المسلمــون من ثمــار أهــل الذمــة (18511)، وصححــه الألبانـي في صحيــح الجامــع (2655).
-  قوله صلى الله عليه وسلم"لا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" (28) حسن: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2728)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 422) برقم (2549)، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
-  روى أبو داود في السنن عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمّتِهِمْ أدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدّ مُشِدّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرّيهمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ " (29) سُنَنُ أبي دَاوُد باب في الهجرة، هل انقطعت؟. باب في السرية تردُّ على أهل العسكر. الحديث رقم: 2751ـ ورواه النسائي في السنن عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه كتاب القسامة. 2163 ـ باب سقوط القود من المسلم للكافر. حديث رقم: 4743 ـورواه ابن ماجة في السنن عن ابن عباس كتاب / باب المسلمون تتكافأ دماؤهم. حديث رقم: 2683 (31) باب المسلمون تتكافأ دماؤهم.
- كما نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التعرض للرهبان وأصحاب الصوامع، وعن التمثيل والغلول، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا باسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» (30) حسن: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2728)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 422) برقم (2549)، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
(ب) بعض أفعال الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع اليهود والنصارى:
والآن تعالوا بنا نستعرض بعضا من مواقف الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم – مع الأقليات غير المسلمة في المدينة، فعندما هاجر المسلمون إلى يثرب – المدينة المنورة- كان يعيش فيها قبيلتين من العرب هم الأوس والخزرج وثلاثة قبائل يهودية هم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع.  أسلمت الأوس والخزرج ولم تسلم القبائل اليهودية وإن كان بعضها أسلم.
ولقد رأينا فيما مضى على الرغم من كل ما قاساه الصحابة الكرام الأوائل من مشركي مكة، إلاَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اكتوى أيضًا بنار القسوة والتعذيب - لم يَرُدَّ على الكافرين والمشركين بهذا الأسلوب، ولم يعاملهم بالمثل عندما أنعم الله عليه بالنصر والتمكين، ولم يرتضِ يومًا أن يفرض عليهم عقيدة لم يقتنعوا بها بعدُ، امتثالاً لأوامر القرآن الكريم التي يقول الله I فيها{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وهو ما طبَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل منه دستورًا للمسلمين في تقرير الحرية الدينية، فلقد احترم النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – مبدأ الحرية الدينية وحث الجيل الأول من الصحابة على احترامها، وأقام تلك الحرية الدينية على أساس من العدل والإحسان والرحمة والتسامح، وكان تعليمه – صلى الله عليه وسلم – من خلال مواقف عملية وليس من خلال إرشادات كلامية، ليحرص الصحابة على القيام بمثل ما كان يفعل – صلى الله عليه وسلم – ومن تلك المواقف:
(1) النبي – صلى الله عليه وسلم – يبحث عن التعايش السلمي:
حرص  رسول الله صلى الله عليه وسلم على التعايش السلمي بالمدينة، ولذا سارع – صلى الله عليه وسلم – بعقد معاهدة مع المهاجرين والأنصار والأقليات غير المسلمة بالمدينة ( يهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جُشم وبني ثعلبة وغيرهم.)ليضمن للدولة الإسلامية الحقوق التي لها والواجبات التي عليها ، وذلك  لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسالمة غير المسلمين،
 وقد جاء في نصوص المعاهدة ما يلي:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ
(هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم ، فلحق بهم وجاهد معهم ، أنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على رباعتهم ، يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط  بين المؤمنين . وبنو عوف على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو ساعدة على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
 وبنو الحارث على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو جشمْ على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو النجار على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو عمرو بن عوف على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو النبيت على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو الأوس على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين
وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، ولا يحالف مؤمن مولي دونه ، وأن المؤمنين المتقين على من بغي منهم ، أو ابتغى دسيعة ظلم ، أو إثم ، أو دوان ، أو فساد بين المؤمنين ، وأن أيديهم عليه جميعاً ، ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم ، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وأنه من تبعنا من يهود ، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم ، وأن سلم المؤمنين واحدة،ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم .
وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعض وأن المؤمنين يبىء بعضهم على بعض بمال نال دماءهم في سبيل الله ، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه ، وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ، ولا يحول دونه على مؤمن ، وأنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلى أن يرضى ولي المقتول ، وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه ، وأنه لا يحل لمؤمن آمن بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا،ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه ، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مرده إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى محمد
 وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، وإلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يرتع إلا نفسه وأهل بيته.
 وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف . إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوقع إلا نفسه وأهل بيته . وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وأن لبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف ، وأن البر دون الإثم وأن موالي ثعلبة كأنفسهم ، وأن بطانة يهود كأنفسهم .
وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ، وأنه لا ينحجز على ثأر جرح وأنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا .
وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم وأنه لم يأثم امرؤ بحليفة .
 وأن النصر للمظلوم ، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها .
 وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده فإن مرده إلى الله عزَّ وجلَّ ، وإلى محمد رسول الله ، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها ، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب .
وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
 وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة وأن البر دون الإثم .
ولا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره . وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وأنه من خرج آمن . ومن قعد آمن بالمدينة . إلا من ظلم أو آثم ، وأن الله جار لمن بر وأتقى ، ومحمد رسول الله ))(31) ابن هشام السيرة النبوية , تحقيق و ضبط و شرح و فهرسة : مصطفى السقا و إبراهيم الابياري و عبد الحفيظ شلبي , دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان , ج2 , ص : 148/149/ 150.
قال بن هشام : المفرح : المثقل بالدين و الكثير العيال , و استشهد ببيت للشاعر بهيس العذري و الذي جاء فيه :
  إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة …… و تحمل أخرى أفرحتك الودائع 
(2) بعض مواقف الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – مع اليهود والنصارى:
- كان من أول مظاهر الحرية الدينية قد ظهرت في تطبيقات الرسول العملية؛ إذ كان من ضمن الغنائم التي آلت إلى المسلمين بعد فتح خيبر مجموعة كبيرة من نسخ التوراة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بردها مباشرة إلى أصحابها اليهود. (32) أحكام الذميين والمستأمنين (101).
موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين مع يهودي يدعى زيد بن سعنة أراد أن يختبر حلمه صلى الله عليه وسلم :
قال زيد لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما قال فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله فذكر قصة إسلافه للنبي صلى الله عليه وسلم مالا في ثمرة، قال فلما حل الأجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه وهو في جنازة مع أصحابه، ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت: يا محمد ألا تقضيني حقي فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل. قال: فنظر إلى عمر وعيناه يدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم قال: يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتفعل ما أرى فو الذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لصربت بسيفي رأسك . ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال: "أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعا من تمر."  فأسلم زيد بن سعية رضي الله عنه وشهد بقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي عام تبوك رحمه الله . (33) البداية والنهاية لابن كثير 2 / 310 والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1 /566 والمعجم الكبير للطبراني 5 /224 وأورده الهيثمي في المجمع وقال رواه الطبراني ورجاله ثقات مجمع الزوائد. للحافظ الهيثمي 8 /240 36. كتاب علامات النبوة. 11. (بابان في بشارة الكتب السابقة). 1. باب ما كان عند أهل الكتاب من أمر نبوته صلى الله عليه وسلم. الحديث رقم: 13898-
- الغلام اليهودي: عن أنس رضي الله عنه قال  : "كان غلامٌ يهوديٌّ يخدم النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏فمرض؛ فأتاه النبي‏ ‏ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ‏يعوده؛ فقعد عند رأسه؛ فقال له"أَسْلِمْ" فنظر إلى أبيه وهو عنده؛ فقال له: أطع ‏أبا القاسم. ‏فأسلم فخرج النبي‏ صلى الله عليه وسلم ‏وهو يقول:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّار. (34) البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلَّى عليه؟ وهل يُعرَض على الصبي الإسلام؟ (1290)، والترمذي (2247)، والحاكم (1342)، والنسائي في سننه الكبرى (7500)
- جنازة اليهودي: عن ابن أبي ليلى أنَّ قيس بن سعدٍ وسهل بن حنيف كانا بالقادسيَّة، فمرَّت بهما جنازةٌ، فقاما، فقيل لهما: إنَّها من أهل الأرض(أهل الذمة )  فقالا: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّت به جنازةٌ فقام، فقيل: إنَّه يهوديٌّ. فقال"أَلَيْسَتْ نَفْسًافها هو ذا النبي صلى الله عليه وسلم يُعِّلم أُمَّته احترام غير المسلمين حتى الموتى منهم .البخاري: كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي (1250)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنائز (961(
- القتيل المسلم بأرض خيبر: روى سهل بن أبي حَثْمة رضي الله عنه أنَّ نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرَّقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلاً، وقالوا للذي وُجِدَ فِيهِمْ: قد قَتَلْتُمْ صاحبنا. قالوا: ما قتلْنَا ولا علمنا قاتلاً. فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلاً. فقال:"الْكُبْرَ الْكُبْرَ( أي قدِّموا في الكلام أكبركم. ) فقال لهم:" تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟! "قالوا: ما لنا بَيِّنَةٌ! قال: "فَيَحْلِفُونَ؟!قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبطل دمه، فوداه(أي دفع دِيَتَه)مائةً من إبل الصَّدقة(35) البخاري: كتاب الديات، باب القسامة (6502) وهذا لفظه، ومسلم في كتب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب القسامة (1669)
فالقتل تمَّ في أرض اليهود، والاحتمال الأكبر أن يكون القاتل من اليهود، ومع ذلك فليس هناك بينة على هذا الظنِّ، والأمر في مجال الشكِّ والتخمين، وهذا لا يُفلِحُ في الدعوى؛ ولذلك لم يعاقِب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اليهودَ بأي صورة من صور العقاب، بل عرض فقط أن يحلفوا على أنهم لم يفعلوا! وليس هذا فقط، بل رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم دية القتيل من بيت المسلمين؛ ليسكِّن من ثائرة الأنصار، وبذلك تهدأ الفتنة دون ضرر لليهود.
- التعامل مع أهل الكتاب بالبيع والشراء، فهذا نبينا يتعامل مع أهل الكتاب : فعَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَىَ مِنْ يَهُودِيّ طَعاماً إِلىَ أَجلٍ، وَرَهَنَهُ درْعاً لَهُ مِنْ حَدِيدٍ (36) رواه البخاري في صحيحة "الرهن" 1/ 341، وعند مسلم في "البيوع - فيه 2/31 …
معاهدة رسول الله مع نصارى نجران.
- لما جاء وفد نصارى نجران سمح النبي صلى الله عليه وسلم لهم  وكانوا ستين شخصاً أن يدخلوا مسجده وأن يجلسوا فيه بضعة أيام فإذا حضرت صلاتهم قاموا متوجهين إلى الشرق على مرأى ومسمع من رسول الله دون اعتراض منه أو منع و ( حاورهم بسعة صدر ورحابة فكر وجادلهم بالتي هي أحسن ومع أنه أقام الحجة عليهم إلا ،ه لم يكرههم على الدخول في الإسلام بل ترك لهم الحرية في الاختيار ، وقد أسلم بعضهم بعدما رجعوا إلى نجران . (37) سيرة ابن هشام 2/158 وأسباب النزول للواحدي ص 66 الرحيق المختوم 532 ، 533( انظر: السيرة النبوية (1/574)
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا لأهل نجران: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِلأسْقُف أَبِي الْحَارِثِ، وَأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ، وَكَهَنَتِهِمْ، وَرُهْبَانِهِمْ، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ، لا يُغَيَّرُ أُسقفٌ مِنْ أسقفَتِهِ، وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ، وَلا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلا سُلْطَانهُمْ، وَلا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا أَصْلَحُوا وَنَصَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْر مُبْتَلَيْنَ بِظُلْمٍ وَلا ظَالِمِينَ" (38) ابن كثير: السيرة النبوية 4/106، والبداية والنهاية 5/55، وابن القيم: زاد المعاد 3/549.
 - معاهدة رسول الله نصارى جرباء وأذرح
عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى جرباء وأَذْرُح، فقد جاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: "هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لأَهْلِ أَذْرُح؛ أَنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ وَافِيَةً طَيِّبَةً، وَاللهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالنُّصْحِ وَالإِحْسَانِ لِلْمُسْلِمِينَ"(39) ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/129، 2/118.،ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/290، وابن كثير: السيرة النبوية 4/30.
وهنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمَّل مسئوليات ضخمة في توفير الأمان لقبائل ضعيفة، قليلة العَدَد، هزيلة الغَنَاء عن المسلمين مقابل مبلغ زهيد لا يساوي شيئًا
معاهدة رسول الله نصارى آيلة
حيث قدم (يُحَنَّة بن رؤبة) ملك آيلة( آيلة: هي قرية أم الرشراش المصرية على ساحل البحر الأحمر، والتي يحتلها اليهود، وسمَّوها: إيلات.(وما حولها -وكان نصرانيًّا- على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك، وهو ما رواه جابر –رضي الله عنه - رأيت يُحَنَّة بن رؤبة يوم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلمَّا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم كفَّر، وأومأ برأسه (أي: طأطأ رأسه خضوعًا ووضع يده على صدره)، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْفَعْ رَأْسَكَ". وصالحه يومئذٍ، وكساه بُردًا يمانيًّا (40) البيهقي: السنن الكبرى 9/185. وانظر أيضًا: الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 5/460.
ولعلَّ حسن استقبال النبي صلى الله عليه وسلم ليُحَنَّة ليؤكِّد على رغبته صلى الله عليه وسلم في إبرام الصلح بالشكل الذي يحفظ كرامة الآخر؛ فقد جاء الرجل مرتديًا صليبًا، فلم يعنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولم يُنكر عليه ذلك، وليعلم -أيضًا- أن الصلح مع المسلمين الأقوياء المنتصرين على الروم ليس مذلَّةً، بل هو عهد صادق مع قوم أوفياء يحترمون الآخر.
وقد كان نصُّ الصلح: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ، ومُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ آيلة، سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ.. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ.. وَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلاَ طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ. (41) ابن هشام: السيرة النبوية 2/525، 526، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/258، وابن القيم: زاد المعاد 3/466.
(3) صبر الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – على استفزازات  اليهود له.
بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة وعقده اتفاق تعايش سلمي ما بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار وقبائل يهود، حاول اليهود استفزاز الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون جميعا رغبة منهم في إثارة الفتنة إلا أن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – كان يتحلى بسعة صدر كبيرة، وبحكمة بالغة والصبر الكامل في مقابل ما يفعله اليهود، ومن أبرز تلك المواقف التي حاول اليهود من خلالها استفزاز اليهود:
(أ) التهجم على الذات الإلهية سبحانه وتعالى:
قال تعالى: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } (42) سورة آل عمران: 181
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى:{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً }
[
البقرة: 245] قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } الآية، رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم.
 وقال محمد بن إِسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس، فوجد من يهود أناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له أشيع، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فو الله إِنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إِلى الله من حاجة من فقر، وإِنه إِلينا لفقير، ما نتضرع إِليه كما يتضرع إِلينا، وإِنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويُعْطناه، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر رضي الله عنه، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " ما حملك على ما صنعت؟ "فقال: يا رسول الله، إِن عدو الله قد قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير، وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك، غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد فنحاص ذلك، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله فيما قال فنحاص؛ رداً عليه، وتصديقاً لأبي بكر: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } الآية، رواه ابن أبي حاتم (43)  تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
(ب) الدعاء على الرسول صلى الله عليه وسلم – بالموت:
فقد كانوا يمرُّون علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويَدْعُون عليه بالموت في وجهه، وهم يحاولون أن يُظهِروا عكس ذلك، فيقول أحدهم: السام عليك. والسام هو الموت، فلا يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ردِّه عليهم على قول: "وَعَلَيْكُمْ" (44) ابن هشام: السيرة النبوية 1/558، 559، والسهيلي: الروض الأنف 4/254، 255، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/285
قالت أم المؤمنين/عائشة - رضي الله عنها - صلى الله عليه وسلم -: "دخل رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة - رضي الله عنها -: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله))، فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد قلت: وعليكم) بل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة الذين يسمعون هذا الدعاء بأن يترفَّقُوا بالردِّ ولا يتفحَّشُوا في القول(45)  رواه البخاري برقم (5678) و(5683)؛ ومسلم برقم (2165).
(ج) إثارة الشحناء والبغضاء بين المهاجرين والأنصار:
كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على تنفيذ ما جاء في المعاهدة التي عقدها مع اليهود، وفعلًا لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفًا واحدًا من نصوصها، ولكن اليهود الذين امتلأ تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود، لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة وأخذوا في طريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والفتن والاضطراب في صفوف المسلمين، فقد مر شاس بن قيس، وكان شيخًا يهوديًا عظيم الكفر شديد الحقد على المسلمين شديد الحسد لهم، على نفرٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلسٍ قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال:
 قد اجتمع ملأ بني قيلة، بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابًا من يهود كان معهم فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بُعاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل.
 فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعًا، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة، السلاح السلاح، فخرجوا إليها وكادت تنشب الحرب.
فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين، حتى جاءهم فقال:"يا معشر المسلمين، الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم؟!"
فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيدٌ من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس.
(د) إثارة الشك والريبة في عقيدة المسلمين:
وذلك كما هو واضح في المواقف التالية:
- عن ابن عبـاس: أن يهود كانوا يستفتـحون علـى الأوس والـخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلـما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فـيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بنـي سلـمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلـموا فقد كنتـم تستفتـحون علـينا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ونـحن أهل شِرْك، وتـخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته.
فقال سلام بن مشكم أخو بنـي النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بـالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله جل ثناؤه فـي ذلك من قوله: { وَلَـمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدّقٌ لِـمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِـحُونَ عَلَـى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَـمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ علـى الكافِرِينَ} (البقرة: 89) (46) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
- عن السديّ: { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ ءامِنُواْ بِٱلَّذِي أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُواْ ءاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(آل عمران: 72)  كان أحبـار قرى عَرَبِيَّة اثنـي عشر حبراً، فقالوا لبعضهم: ادخـلوا فـي دين مـحمد أول النهار، وقولوا نشهد أن مـحمداً حقّ صادق، فإذا كان آخر النهار فـاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلـى علـمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدثونا أن مـحمداً كاذب، وأنكم لستـم علـى شيء، وقد رجعنا إلـى ديننا فهو أعجب إلـينا من دينكم، لعلهم يشكون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار، فما بـالهم؟ فأخبر الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك(47) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
(5) حث الأنصار على عدم الإنفاق على المهاجرين:
عن ابن عباس، قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحيّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالاً من الأنصار، وكانوا يخالطونهم، يتنصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون! فأنزل الله فيهم: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }: أي من النبوّة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }(سورة النساء: 37) (48) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
هذه هي بعض النماذج من غدر اليهود وكيدهم ومحاولات استفزازهم للرسول – صلى الله عليه وسلم – وللمهاجرين والأنصار، و ذلك رغم العهد الذي بينهم وبين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وما كان رده – صلى الله عليه وسلم – على تلك المواقف منهم إلا بالصبر واحترام العهد والميثاق بل كان  يأمر الصحابة بأن يترفَّقُوا في الردِّ ولا يتفحَّشُوا في القول مع اليهود.
ثالثا: بعض مواقف الخلفاء الراشدون وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مع اليهود والنصارى.
 أبو بكر يوصى جيش أسامة قبل التحرك من المدينة لقتال المشركين فقال: (يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها) الخ ما ذكره رضي الله عنه  (49) رواه مالك في الموطأ - كتاب الجهاد باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو رقم (10). ورواه البيهقي في السنن الكبرى (9/89) تاريخ الرسل والملوك (2/246).).
صالح خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع أهل الحيرة جاء فيه: "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام"(50) الخراج (156)
وقد أقر الخليفة الصديق - رضي الله عنه - خالدا - رضي الله عنه - على ذلك، وقد قيل: إن مساعدة الذمي من بيت مال المسلمين - حال عجزه - أمر قد أجمعت عليه الأمة. (51)  أحكام الذميين والمستأمنين (104)

 لقد أقام الإسلام العدل بين عنصري الأمة من المسلمين وغير المسلمين، ومن رسالة سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى قاضي القضاة أبي موسى الأشعري قال له: "آس(آس: سو أو اعدل. ) بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك)الحيف: الظلم والجور.)
- وقد عنى الإسلام برعاية أهل الكتاب، فقرر سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لهم عطاء من بيت مال المسلمين، فقد روى أنه مر بباب جماعة، فوجد سائلا يسأل - وهو شيخ كبير ضرير - فسأله قائلا: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، فسأله: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده إلى منزله، وأعطاه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له: انظر هذا وأضرابه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم!! (52) أحكام أهل الذمة لابن القيم ص38 تحقيق د.صبحي الصالح جامعة دمشق
- وإذا حدث في تاريخ سلفنا إهانة لأحد من أهل الذمة، بل إن حدث أي تجاوز كان يعالجه الإسلام في الحال، فعندما شكا إلى عمر أحد أقباط مصر أن ابن والي مصر "عمرو بن العاص رضي الله عنه" لطم ابنه عندما غلبه في السباق، وقال: أنا ابن الأكرمين، أسرع عمر - رضي الله عنه - بإحضار عمرو وابنه إلى مكة في موسم الحج، وأعطى عمر الدرة لابن القبطي، وأمره أن يقتص من ابن الأكرمين، ثم قال لعمرو كلمته المأثورة: "متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟!
- اشتكت امرأة قبطية إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - من عمرو بن العاص الذي ضم بيتها إلى المسجد أرسل إليه عمرو وسأله عن ذلك فقال إن المسجد ضاق بالمسلمين ولم أجد بدا من ضم البيوت المحيطة بالمسجد وعرضت على هذه المرأة ثمنا باهظا فأبت أن تأخذه فادخرته لها في بيت المال وانتزعت ملكيتها مراعاة للمصلحة العامة لكن الفاروق عمر أمره بأن يهدم هذا الجزء الذي للمسجد ويعيد بناءه كما كان لصاحبته . (53)من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله ص 85 بتصرف
هذه الواقعة التي حدثت بين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين رجل من أهل الكتاب، وذلك عندما فقد الإمام علي - رضي الله عنه - درعه، ثم وجدها عند هذا الرجل الكتابي، فجاء به إلى القاضي شريح قائلا: (إنها درعي ولم أبع ولم أهب)
 فسأل القاضي شريح الرجل الكتابي قائلا: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟! فقال الرجل: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت القاضي شريح إلى الإمام علي - رضي الله عنه - يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟! ( الحجة الواضحة، البرهان، الدليل.) فضحك علي وقال: أصاب شريح، ما لي بينة، فقضى بالدرع للرجل، وأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه، إلا أن الرجل لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء.. أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه فيقضي عليه؟! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال الإمام علي رضي الله عنه:( أما إذ أسلمت فهي لك). (54) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما (20252).
- روى الإمام الترمذي في السنن عن مُجاهدٍ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرو ذُبحتْ لهُ شاةٌ في أهلهِ فلمَّا جاءَ قال أهديتُمْ لجارنَا اليهوديِّ؟ أهديتُمْ لجارنا اليهوديِّ؟ سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم يقول: (ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ)(55) رواه الترمذي في السنن وقال : هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن هَذا الوَجْهِ وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن مجاهدٍ عن عَائِشَةَ وأبي هُرَيرَةَ أيضاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم سنن الترمذي 28 - بَابُ مَا جَاءَ في حقِّ الجوارِ. الحديث رقم: 2007
- خالد بن الوليد رضي الله عنه يصالح أهل الحيرة ويكتب في كتاب الصالح " وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين " (56) الموسوعة في سماحة الإسلام للأستاذ الصادق عرجون 1/ 445
- ما ورد أن الصحابة ( لما دخلوا حمص وفرضوا على أهلها الجزية فجاءهم أمر من أبي عبيدة بن الجراح بمغادرة حمص للانضمام إلى جيش المسلمين حيث مواجهة الروم في اليرموك أعادوا إلى أهل حمص ما أخذوه ؛ وقالوا إنا أخذناه في مقابل الدفاع عنكم أم وقد خرجنا فقد أصبحنا غير قادرين على حمايتكم فلزم رد ما أخذناه منكم فعجب لذلك أهل حمص أشد العجب وتمنوا لهم النصر على عدوهم .
- ذكر أبو جعفر بن جرير عن رواية سيف بن عمر وملخص ما ذكره هو وغيره أن أبا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله والى الإسلام أو يبذلون الجزية أو يؤذنون بحرب فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه فركب إليهم في جنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب إليه أبو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس في ذلك فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم لأنوفهم وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم فهوى ما قال علي ولم يهو ما قال عثمان وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان فترجل أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة فكف أبو عبيدة فكف عمر.
ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ويقال أنه لبى حين دخل بيت المقدس فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه وفي الثانية بسورة بني إسرائيل ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار.
 وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهى المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة وانسحب الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك.
 وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيليا وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود قال لهم إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم أمروا بإزالتها فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها عمر بن الخطاب 
نص العهدة العمرية الموجودة في كنيسة القيامة
هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) أهل إيلياء من الأمان،
أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبناهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولاتهدم
ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم. على ما في الكتاب عهد الله وذمة الخفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم الجزية .
كتب وحضر سنة خمس عشرة هجرية، شهد على ذلك الصحابة الكرام :خالد بن الوليد , عمر بن العاص , عبد الرحمن بن عوف , معاوية بن أبى سفيان، وسلمت هذه العهدة إلى صفرونيوس بطريارك الروم.
- ومن الأمثلة أيضاً كتاب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى والي البصرة جاء فيه: (أما بعد فانظر أهل الذمة فأرفق بهم، وإذا كبر الرجل منهم وليس له مالٌ فأنفق عليه )(57) الطبقات الكبرى (5/380)
رابعا: بعض أراء العلماء المسلمين في معاملة أهل الذمة -اليهود والنصارى :
- يقول ابن حزم الأندلسى: (إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع ( الخيل) والسلاح ونموت دون ذلك؛ صونا لمن هو في ذمة الله - عز وجل - وذمة رسوله، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة. (58) الفروق، الفرق (3/114)
- موقف القائد أبي عبيدة بن الجراح من أهل حمص وغيرهم، حينما رد عليهم أموالهم التي دفعوها مقابل حمايتهم من الاعتداء الخارجي؛ بسبب عجزهم عن ذلك، فقالوا: ردكم الله إلينا، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا إلينا بل غصبونا. (59) فتوح البلدان (143)
وهذا ابن تيمية يقف بعنف في وجه التتار عندما أرادوا إطلاق سراح أسرى المسلمين فقط، وإبقاء النصارى بالأسر فقال: إنا لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من المسلمين وغيرهم، لأنهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيرا لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة(59) الرسالة القبرصية (40)
القاضي أبو يوسف يكتب إلى الرشيد قائلا: "... وقد ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك؛ حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم". (60) الخراج (136)
- وقوف الإمام الأوزاعي في وجه الوالي العباسي صالح بن على عندما أساء إلى بعض أهل الذمة. كل ذلك شاهد لحماية غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. (61)  فتوح البلدان (167)
ولقد كانت الجامعات والمعاهد الإسلامية - عبر التاريخ - مفتوحة على مصاريعها لأهل الذمة، حتى تتلمذوا على أيدي علماء المسلمين وفقهائهم، فدرس حنين بن إسحق على يد الخليل الفراهيدي وسيبويه حتى أصبح حجة في اللغة العربية، وتتلمذ يحيى بن عدي على يد الفارابي، ودرس ثابت بن قرة على يد محمد بن موسى (62) مواطنون لا ذميون، فهمي هويدي، دار الشروق، القاهرة، ط4، 1426هـ/ 2005م، ص71. مواطنون لا ذميون (71)
فلا يجوز في الإسلام إلحاق أي أذى بالمسلم أو غير المسلم من شتم أو قذف أو تجريح أو حتى غيبة، يقول فقهاء الحنفية: (ويجب كفّ الأذى عنه [أي الذميوتحرم غيبته كالمسلم)(63) الدر المختار (3/250) ويقول فقهاء المالكية: (إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم... فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيّع ذمة الله)( 64) الفروق (3/14)
خامسا:بعض شهادات المستشرقين المعتدلين في معاملة الإسلام لأهل الذمة:
- لعل في شهادة السير توماس أرنولد صاحب كتاب (تاريخ الدعوة إلى الإسلام) أبلغ دليل على ما سبق عرضه، فقد بين أنه كانت لأهل الذمة فترات طويلة تعتبر العهود الزاهرة في تاريخهم، لما لقيه هؤلاء من تسامح في ممارسة شعائرهم الدينية، وفي بناء الكنائس والأديرة، وفي مساواتهم بالمسلمين في الوظائف فكانت طوائف الموظفين الرسميين تضم مئات من المسيحيين، وقد بلغ عدد الذين رقوا منهم إلى مناصب الدولة العليا من الكثرة لدرجة أثارت شكوك المسلمين.
- غوستاف لوبون يؤكد: أن أهم ما تميز به المسلمون الفاتحون هو دماثة خلقهم وتسامحهم الذي فاق كل الحدود، وكان لذلك كبير الأثر على البلاد التي فتوحها، فيقول: "إن أظهر ما يتصف به الشرقيون - المسلمون - هو أدبهم الجم، وحلمهم الكبير وتسامحهم، ووقارهم في جميع الأحوال، وقد أورثهم إيمانهم طمأنينة روحية، في حين تورثنا أمانينا واحتياجاتنا المصنوعة قلقا دائما يبعدنا عن تلك السعادة" (65) مجلة منار الإسلام، الإمارات، جمادى الأولى 1418هـ، ص117 وما بعدها.

-  أما روبرت سون فيرى أن المسلمين تفردوا دون غيرهم؛ بحرصهم الكبير على دينهم، وتوصيله لكل من يحيا على ظهر الأرض، في إطار من السماحة والمشروعية، يقول: "إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة على دينهم، وروح التسامح نحو أتباع الديانات الأخرى، وإنهم مع امتشاق الحسام تركوا لمن لا يرغب حرية التمسك بدينه".
- كما شهد البطريق عيشوبايه بأن "العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون: "إنهم ليسوا أعداء النصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا" (66) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، 2003م، ص41 بتصرف.
- ويقرر الإنجليزي السير توماس أرنولد في كتابه القيم "الدعوة إلى الإسلام" أن النصارى الذين اعتنقوا الإسلام إنما اعتنقوه عن رغبة جامحة لا عن إرغام وإكراه فيقول: "لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين هم الشاهد على هذا التسامح" (67) سماحة الإسلام، د. أحمد الحوفي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1997م، ص83.
ثم يبرهن على ذلك بقوله: "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن اضطهاد وظلم قصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهبا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل اليهود بها مبعدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة". (المذهب البروتستانتي: مذهب ديني مسيحي، نشأ عن حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر، وتدعو إلى تحرر الفرد من سلطان الكنيسة وتجعله مسئولا أمام الله تعالى وحده، وتتبعه عدد من الكنائس؛ كالإنجيلية والمعمدانية وغيرهما، ويقابلها الكاثوليكية الرومانية والأرثوذكسية الشرقية.)
ومن وجهة نظره الخاصة يرى توماس أرنولد أن بقاء دور العبادة المسيحية دليل واضح على ما يقوله: "ولهذا فإن مجرد بقاء الكنائس - حتى الآن - ليحمل في طياته الدليل القوي على ما أقدمت عليه سياسة المسلمين في الدول الإسلامية - بوجه عام - من تسامح" (68) مجلة منار الإسلام، الإمارات، جمادى الأولى 1418هـ، شعبان 1428هـ، ص117.
- أما زيغريد هونكه فقد نقلت في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" مقولة لأحد ملوك الفرس الذين بهرتهم سماحة هذا الدين، ويسمى كيروس يقول: "إن هؤلاء المنتصرين لا يأتون مخربين يدمرون البلاد ويقتلون العباد وينشرون الفساد".
- ويرى القس ميشو أن القرآن له الأثر الكبير في أهله، فقد أمرهم بالجهاد وفي نفس الوقت أوجب عليهم التسامح في كل الأحوال، كما يرى أنه من العار على الشعوب المسيحية ألا تتعلم السماحة من المسلمين فيقول: "إن القرآن الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وقد أعفى الرهبان والبطارقة وخدمهم من دفع الجزية، وحرم قتلهم لعكوفهم على العبادة".
ثم يواصل قائلا: ".. ومن المؤسف ألا تقتبس النصرانية من المسلمين التسامح الذي هو آية الإحسان بين الأمم واحترام عقائد الآخرين، وعدم فرض أي معتقد عليهم إكراها" (69)مجلة منار الإسلام، الإمارات، جمادى الأولى 1418هـ ، ص117 وما بعدها.
وقد قارن ميشو في كتابه "سماحة دينية في الشرق" بين الفتح الإسلامي للقدس في عهد عمر، والاستيلاء المسيحي على القدس، وقد عاب على المسيحيين أنفسهم عدم تحليهم بروح التسامح فقال: "لما استولى عمر على مدينة أورشليم، لم يفعل بالمسيحيين ضررا مطلقا، ولكن لما استولى المسيحيون قتلوا المسلمين ولم يشفقوا، وأحرقوا اليهود حرقا، ولقد أيقنت من تتبعي للتاريخ أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة، وحسن مسايرة ولطف ومجاملة، وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين إذ ذاك، خصوصا أن الشفقة والرحمة والحنان كانت أمارات ضعف عند الأوربيين، وهذه حقيقة لا أرى وجها للطعن فيها".
دخول محمد الفاتح مدينة القسطنطينية للرسام زونارو.
- وكان للتسامح الإسلامي في البلدان المفتوحة أثر كبير في انطباعات الشعوب المجاورة لهذه البلاد، حتى إن أغلبها تمنت الفتح الإسلامي، ووجدت فيه الملجأ والملاذ، يقول ترومان بينزا: "لما فتح العثمانيون القسطنطينية كان أكثر الشعب المسيحي في عشية الكارثة ينفرون من أي اتفاق مع كنيسة روما الكاثوليكية أشد من نفورهم من الاتفاق مع المسلمين، وما زال الناس يرددون الكلمة المشهورة التي نطق بها رئيس ديني في بيزنطية في ذلك الحين، وهى: "إنه لخير لنا أن نرى العمامة التركية في مدينتنا من أن نرى فيها تاج البابوية".
وقد شهدت أوربا نفسها صورا مشرقة من تسامح المسلمين فتعامل المسلمون - كدأبهم - مع أهل الأندلس معاملة طيبة وكفلوا لهم حرية العقيدة، بل قلدوهم الوظائف الرفيعة والمناصب العليا.
-  يقول الكونت هنري دي كاستري: في كتابه "الإسلام خواطر وسوانح": "وإذا انتقلنا من الفتح الأول للإسلام إلى استقرار حكومته استقرارا منظما رأيناه أكثر حسنا، وأنعم ملمسا، فما عارض العرب قط شعائر الدين المسيحي".
ثم ينقل عن دوزي قوله: "لقد أبقى المسلمون سكان الأندلس على دينهم وشرعهم وقضائهم وقلدوهم بعض الوظائف، حتى كان منهم موظفون في خدمة الخلفاء وكثير منهم تولى قيادة الجيوش، وتولد عن هذه السياسة الرحيمة انحياز عقلاء الأمة الأندلسية إلى المسلمين، وحصل بينهم زواج كثير، وكم من أندلسي بقي على دينه، ولكن أعجبته حلاوة التمدن العربي، فتعلم اللغة وآدابها، وصار القسس يلومونهم على ترك ألحان الكنيسة والتعلق بأشعار الظافرين، وكانت حرية الأديان بالغة منتهاها؛ لذلك لما اضطهدت أوربا اليهود، لجئوا إلى خلفاء الأندلس في قرطبة؛ لكن لما دخل الملك كارلوس سرقسطة أمر جنوده بهدم جميع معابد اليهود ومساجد المسلمين، ونحن نعلم أن المسيحيين أيام الحروب الصليبية ما دخلوا بلادا إلا أعملوا السيف في يهودها ومسلميها، وذلك يؤيد أن اليهود إنما وجدوا مجبرا وملجأ في الإسلام، فإن كانت لهم باقية حتى الآن فالفضل فيها راجع لسماحة المسلمين"(70) سماحة الإسلام، د. أحمد الحوفي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1997م، ص83 وما بعدها.
شعار بطريركية أنطاكية وسائرالمشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك.
- يقول ميخائيل الأكبر بطريرك إنطاكية بعد أن استعرض سلسلة الاضطهادات التي وقعت على أيدي هرقل ورجاله: "وهذا هو السبب في أن إله الانتقام الذي تفرد بالقوة والجبروت، والذي يديل دوله البشر كما يشاء - فيؤتيها من يشاء، ويرفع الوضيع - لما رأى شرور الروم الذين لجئوا إلى القوة فنهبوا كنائسنا وسلبوا أديارنا في كافة ممتلكاتهم، وأنزلوا بنا العقاب في غير رحمة ولا شفقة، أرسل أبناء إسماعيل (المسلمين) من بلاد الجنوب؛ ليخلصنا على أيديهم من قبضة الروم، ولما أسلمت المدن للعرب خصص هؤلاء لكل طائفة الكنائس التي وجدت في حوزتها، ومع ذلك لم يكن كسبا هينا أن نتخلص من قسوة الروم، وأن نجد أنفسنا في أمن وسلام".
لويس السابع.
- يقول أدوالدويلي أحد رهبان القديس دييس و القسيس الخاص بلويس السابع في الحرب الصليبية الثانية 1148م - يقول عن إسلام ثلاثة آلاف صليبي وانضمامهم إلى جيوش المسلمين: "لقد جفوا إخوانهم في الدين، كانوا قساة عليهم، ووجدوا الأمان بين الكفار (يعني المسلمين) الذين كانوا رحماء عليهم، ولقد بلغنا أن ما يربو على ثلاثة آلاف قد انضموا - بعد أن تقهقروا - إلى صفوف الأتراك.. آه.. إنها لرحمة أقسى من الغدر، لقد منحوهم الخبز، ولكنهم سلبوهم عقيدتهم، ولو أن من المؤكد أنهم لم يكرهوا أحدا من بينهم على نبذ دينه، وإنما اكتفوا بما قدموه لهم من خدمات".
- أما شهادة د. فيليب فهي شهادة من نوع خاص لسببين أولهما: أنه مسيحي، وثانيهما: أنه عربي تجري في عروقه دماء العروبة، فهو يمتدح الإسلام، ويرى جدارته باستيعاب كل من يعيش تحت سمائه، في إطار من العدل والتسامح، فيعرف الإسلام بأنه "حضارة عامة شاملة تنظم كل من يعيش تحت سمائها في حرية وصفاء، ويعيش غير المسلمين والمسلمون على قدم المساواة تربطهم روابط المحبة والأخوة".
- يقول ول ديورانت: "لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم".  (71) قصة الحضارة (12/131).
ويقول: "وكان اليهود في بلاد الشرق الأدنى قد رحبوا بالعرب الذين حرروهم من ظلم حكامهم السابقين .. وأصبحوا يتمتعون بكامل الحرية في حياتهم وممارسة شعائر دينهم .. وكان المسيحيون أحراراً في الاحتفال بأعيادهم علناً، والحجاج المسيحيون يأتون أفواجاً آمنين لزيارة الأضرحة المسيحية في فلسطين .. وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية، الذين كانوا يلقون صوراً من الاضطهاد على يد بطاركة القسطنطينية وأورشليم والإسكندرية وإنطاكيا، أصبح هؤلاء الآن أحراراً آمنين تحت حكم المسلمين". (72)قصة الحضارة (12/132).
- يقول توماس أرنولد : "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي". (73)الدعوة إلى الإسلام (99).
-  وينقل معرب "حضارة العرب" قول روبرت سن في كتابه "تاريخ شارلكن": "إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وإنهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم، تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحراراً في التمسك بتعاليمهم الدينية".
وينقل أيضاً عن الراهب ميشود في كتابه "رحلة دينية في الشرق" (ص 29) قوله: "ومن المؤسف أن تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين التسامح ، الذي هو آية الإحسان بين الأمم واحترام عقائد الآخرين وعدم فرض أي معتقد عليهم بالقوة".  (74) حاشية الصفحة 128 من كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون.
- وينقل ترتون في كتابه "أهل الذمة في الإسلام" شهادة البطريك " عيشو يابه " الذي تولى منصب البابوية حتى عام 657م:" إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون. إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية ، بل يمتدحون ملتنا ، ويوقرون قديسينا وقسسنا، ويمدون يد العون إلى كنائسنا وأديرتنا ". (75) أهل الذمة في الإسلام (159).
- ويقول المفكر الأسباني بلاسكوا أبانيز في كتابه "ظلال الكنيسة" (ص 64) متحدثاً عن الفتح الإسلامي للأندلس: "لقد أحسنت أسبانيا استقبال أولئك الرجال الذين قدموا إليها من القارة الإفريقية، وأسلمتهم القرى أزمتها بغير مقاومة ولا عداء، فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى؛ حتى تفتح لها الأبواب وتتلقاها بالترحاب .. كانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وقهر .. ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمناً عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب، فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع اليهود، ولم يخشَ المسجد معابد الأديان التي سبقته، فعرف لها حقها، واستقر إلى جانبها، غير حاسد لها، ولا راغب في السيادة عليها". (76) فن الحكم في الإسلام، مصطفى أبو زيد فهمي (387).
- وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : " العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سمح لهم جميعاً دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟". (77)شمس العرب تسطع على الغرب (364) .
محضر محكمة التفتيش الإسبانية ضد المورسكي دييغو دياث
- يقول المـؤرخ الأسباني أولاغي: "فخلال النصف الأول من القرن التـاسع كـانت أقـلية مسيحية مهمة تعيش في قرطبة وتمارس عبادتها بحرية كاملة".
- يقـول القس إيِلُوج : "نعيش بينهم دون أنْ نتعرض إلى أيّ مضايقات، في ما يتعلق بمعتقدنا".  (78) حوار الثقافات في الغرب الإسلامي، سعد بوفلاقة (14).
- بل ينقل المؤرخون الغربيون باستغراب بعض الحوادث الغريبة المشينة في تاريخنا، وهي على كل حال تنقض ما يزعمه الزاعمون المفترون على الإسلام، تقول المؤرخة زيغرد: "لقد عسّر المنتصرون على الشعوب المغلوبة دخول الإسلام حتى لا يقللوا من دخلهم من الضرائب التي كان يدفعها منْ لم يدخل في الإسلام". (79) شمس العرب تسطع على الغرب (365) .
ويقول ول ديورانت في سياق حديثه عن الخليفة عمر بن عبد العزيز: " وبينما كان أسلافه من خلفاء الأمويين لا يشجعون غير المسلمين في بلاد الدولة على اعتناق الإسلام، حتى لا تقل الضرائب المفروضة عليهم، فإن عمر قد شجع المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين على اعتناقه، ولما شكا إليه عماله القائمون على شؤون المال من هذه السياسة ستفقر بيت المال أجابهم بقولهِ: (والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا، حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا)". (80) قصة الحضارة .
- ويبين لنا توماس أرنولد أن خراج مصر كان على عهد عثمان اثنا عشر مليون دينار، فنقص على عهد معاوية حتى بلغ خمسة ملايين، ومثله كان في خراسان، فلم يسقط بعض الأمراء الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، ولهذا السبب عزل عمر بن عبد العزيز واليه على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي ، وكتب: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً". (81) طبقات ابن سعد (5/283)، والدعوة إلى الإسلام لأرنولد (93).
- وينقل الخربوطلي عن المستشرق دوزي في كتابه "نظرات في تاريخ الإسلام" قوله: "إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة ". (82) الإسلام وأهل الذمة (111).
- ويقول غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" : " إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ، فقد ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم .. فإذا حدث أن انتحل بعض الشعوب النصرانية الإسلام واتخذ العربية لغة له؛ فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس عهد بمثله، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى". (83) حضارة العرب (127).
ويقول: "وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحاتهم وفي سهولة اقتناع كثير من الأمم بدينهم ولغتهم .. والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب ، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم ". (84) حضارة العرب (605).
- ويوافقه المؤرخ ول ديورانت فيقول: "وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة اعتنق الدين الجديدَ معظمُ المسيحيين وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا عدداً قليلاً منهم .. واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلدان الممتدة من الصين وأندونسيا إلى مراكش والأندلس، وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها". (85) قصة الحضارة (13/133).
- ويقول روبرت سون في كتابه "تاريخ شارلكن": "لكنا لا نعلم للإسلام مجمعاً دينياً، ولا رسلاً وراء الجيوش، ولا رهبنة بعد الفتح، فلم يُكره أحد عليه بالسيف ولا باللسان، بل دخل القلوب عن شوق واختيار، وكان نتيجة ما أودع في القرآن من مواهب التأثير والأخذ بالأسباب ". (86)روح الدين، عفيف طبارة  (412).
- ويقول آدم متز: "ولما كان الشرع الإسلامي خاصاً بالمسلمين، فقد خلَّت الدولة الإسلامية بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة بهم، والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت محاكم كنسية، وكان رؤساء المحاكم الروحيون يقومون فيها مقام كبار القضاة أيضاً، وقد كتبوا كثيراً من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به". (87) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (2/93).
ويقول أيضاً: "أما في الأندلس، فعندنا من مصدر جدير بالثقة أن النصارى كانوا يفصلون في خصوماتهم بأنفسهم، وأنهم لم يكونوا يلجئون للقاضي إلا في مسائل القتل". (88) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (2/95).
- وينقل الخربوطلي عن الدكتور فيليب في كتابه "تاريخ العرب" حديثه عن رغبة أهل الذمة في التحاكم إلى التشريع الإسلامي، واستئذانهم للسلطات الدينية في أن تكون مواريثهم حسب ما قرره الإسلام. (89) الإسلام وأهل الذمة، الخربوطلي (119).
الأمير تشارلز
 - يقول الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا: "إن الإسلام يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم ، الأمر الذي فقدته المسيحية ، فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة ، والدين والعلم ، والعقل والمادة"   (90) الإسلام والغرب محاضرة الأمير تشارلز في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993 
- وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : "لا إكراه في الدين ، هذا ما أمر به القرآن الكريم ، فلم يفرض العرب على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام ، فبدون أي إجبار على انتحال الدين الجديد اختفى معتنقو المسيحية اختفاء الجليد، إذ تشرق الشمس عليه بدفئها ! وكما تميل الزهرة إلى النور ابتغاء المزيد من الحياة ، هكذا انعطف الناس حتى من بقي على دينه ، إلى السادة الفاتحين" (91) شمس الله تسطع على الغرب:زيغريد هونكه (364-368 ط/ دار الآفاق الجديدة بيروت 
- ويقول غوستاف لوبون في " مجلة التمدن الإسلامي" : : " إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم *كل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين" .
- ويقول المستشرق بول دي ركلا : "يكفي الإسلام فخراً أنه لا يقر مطلقاً قاعدة (لا سلام خارج الكنيسة) التي يتبجح بها كثير من الناس ، والإسلام هو الدين الوحيد الذي أوجد بتعاليمه السامية عقبات كثيرة تجاه ميل الشعوب إلى الفسق والفجور" .
- يقول المستشرق بارتلمي سانت هيلر: إن دعوة التوحيد التي حمل لواءها الإسلام ، خلصت البشرية من وثنية القرون الأولى"
- ويقول العلامة الكونت هنري دي كاستري : "درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام ، فخرجت بحقيقة مشرقة هي أن معاملة المسلمين للنصارى تدل على لطف في المعاشرة ، وهذا إحساس لم يُؤثر عن غير المسلمين .. فلا نعرف في الإسلام مجامع دينية ، ولا أحباراً يحترفون السير وراء الجيوش الغازية لإكراه الشعوب على الإيمان".
الأديب الألماني جوته.
- ويبين الشاعر غوته ملامح هذا التسامح في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: "للحق أقول : إن تسامح المسلم ليس من ضعف ، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه ، وتمسكه بعقيدته" .
 ويقول المستشرق لين بول : "في الوقت الذي كان التعصب الديني قد بلغ مداه جاء الإسلام ليهتف (لكم دينكم ولي دين) ، وكانت هذه المفاجأة للمجتمع البشري الذي لم يكن يعرف حرية التدين ، وربما لم يعرفها حتى الآن .
الأديب الإنجليزي جورج برنارد شو.
 ويقول الفيلسوف جورج برناردشو : "الإسلام هو الدين الذي نجد فيه حسنات الأديان كلها ، ولا نجد في الأديان حسناته ! ولقد كان الإسلام موضع تقديري السامي دائماً ، لأنه الدين الوحيد الذي له ملكة هضم أطوار الحياة المختلفة ، والذي يملك القدرة على جذب القلوب عبر العصور ، وقد برهن الإسلام من ساعاته الأولى على أنه دين الأجناس جميعاً ، إذ ضم سلمان الفارسي وبلالاً الحبشي وصُهيباً الرومي فانصهر الجميع في بوتقة واحدة.
- ويقول توماس أرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية : لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح " . (92)الدعوة الإسلامية لتوماس أرنولد نقلا عن كتاب رد افتراءات المبشرين محمد جمعة عبد الله ص242
الشاعر الفرنسي لامارتين.
- ويقول شاعر فرنسا (لامارتين) : "الإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يفي بمطالب البدن والروح معاً ، دون أن يُعرِّض المسلم لأن يعيش في تأنيب الضمير ... وهو الدين الوحيد الذي تخلو عباداته من الصور ، وهو أعلى ما وهبه الخالق لبني البشر "  (93)  كتاب من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله ص 91-94
وبعد، فهذا نزر يسير من شهادات غير المسلمين من الذين وقفوا على حقيقة هذا الدين السمح بعظمته التي لا تضاهيها عظمة، وبإنسانيته التي ليس لها حدود، فلم يستطع هؤلاء أن يكتموا شهادتهم، أو أن يسلبوه حقه، فأنطقهم الله الذي أنطق كل شيء.
من ذلك العرض ندرك مدى تقدير واحترام وإجلال الإسلام ليس لأصحاب وأتباع الديانات السماوية فقط، وإنما للمشركين والمجوس أيضا، فلم يثبُت على الدين الإسلامي، أنه أجبر أي امرئ على ترك دينة لا بالترغيب ولا بالترهيب، وبذلك تكون مقولة أن الإسلام قد انتشر بحد السيف تنطوي على الكثير من المغالطات القائمة على الحقد والكيد الذي يتصف به أصحاب تلك المقولة.
 إخواني وبني جلدتي:
هل رأيتم كيف كان عامل الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – والسلف الصالح من صحابته وأتباعه – رضوان الله عليهم – أهل الذمة من اليهود والنصارى؟! أرأيتم كما كانت تلك المعاملة تنطوي على الكثير من السماحة وحسن الخلق؟! أرأيتم شهادات المؤرخين الغربيين في حق الرعيل الأول من المسلمين؟! واللذين أثروا في أهل البلاد التي فتحوها بفض حسن الخلق؟! وبفضل الإسلام القائم على المعاملات لا العبادات فقط؟! بالله عليكم هل نستحق شرف الانتساب لهؤلاء الأبطال في تعاملنا ونظرتنا لإخواننا من النصارى الذين يشاركوننا في الوطن؟! هل تعاملنا معهم يجعلهم ينظرون إلينا في شيء من الاطمئنان؟! أم بكثير من الشك والريبة؟! وأترك لكم الإجابة؟!

http://alfahd999.blogspot.com/