بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يجري على أرض مصر ؟!
سؤال سألته لنفسي كثيرا بحثا عن فهم حقيقة ما يجري على أرض هذا الوطن، فبين عشية وضحاها استدرت عقارب الساعة لتعمل عكس الاتجاه في كل شئ، فخرجت مصر من النظام إلى الفوضى، ومن الأمن والأمان إلي الفزع والترقب، ومن الهدوء والاستقرار إلى الطيش والعجلة، ومن مكارم الأخلاق وعفة اللسان إلى ضياع الأخلاق، وانتشار الفاحش من القول، اشتعلت النار في كل شئ بدءا من الصدور، وإنتهاءا بأقسام الشرطة، فأحرقت كل شئ منْ أشعل النار، ومنْ اكتوى بحرها، وضاعت الأمانة، فكثر السلب والنهب، فتحت السجون، ونهبت المستشفيات، وتبخر رجال الشرطة، ليحل محلهم اللصوص وقطاع الطرق.
زلزال بل بركان وقفت مصر جميعها (المؤيد والمعارض) على فوهته لتتجرع نار حممه، وتبارزنا جميعا مصر ضد مصر بألسنة حداد، فلما لم تجدي نفعا، إلتقفنا الحجارة نضرب بها بعضنا البعض، فلما عجزت، جاء دور الساطور والسنجة والسيف نمزق بها أجسادنا، فلما غمرتها دمائنا، جاء دور الرصاص والبارود ليقول كلمته بين المصريين، مائدة مليئة بأجسادنا أبرزناها للغربان والبوم، لتأكل منها وتنعق فيها، ووسط هذا الزخم ارتفعت الحناجر، وتبارى الخطباء من بيننا يحفزونا على قتال أنفسنا، وتمزيق أجسادنا،أسرع وبادر أيها المواطن المصري هنا يوجد لحم مصري طازج، وهناك دماء مصرية زكية، والبيع بأرخص الأثمان، بل بأبخس الأثمان.
هلمي يا قناة الجزيرة أو إن صح التعبير يا قناة الحقيرة، وأنت يا قناة العربية، وإن صح التعبير العربجية، وتعالي يا قناة الحرة، وكيف تكون حرة وترعاها دولة محتلة وأخرى مختلة هيا انشروا للعالم اللحم المصري الذي هان على صاحبه، وأقيموا الحفلات الصاخبة على روح الكرامة المصرية، ودماء أبناءها الذكية، وتهلل بالبشر يا حمد بن جاسم، يا هامان ذلك العصر وسوست لأميرك فانقلب على أبيه، فكيف بمنْ هان عليه أباه أن يعز عليه أخاه.
ليس معنى كلامي أنني ضد التظاهر، ولكني ضد سوء الأدب، واضمحلال الخلق، والجنوح عن العقل، ارتفعت الحناجر تطالب بإسقاط النظام، ثم ارتفعت العديد من الأصوات تطالب برحيل مبارك، وساء البعض الأدب في الطلب، بل تمادى الجميع في إساءة الطلب بالرحيل، أليس هذا الرجل مصريا من حقه أن يكمل بقية حياته على أرض وطنه، بل الأكثر من ذلك بلغ بنا التناقض في الطلب مداه فطالبناه بعدم الترشيح، بل أكثر من ذلك طالبنا نجله هو الآخر بعدم الترشيح لا أدري كيف نطالب بتعديل الدستور وبخاصة المواد 76 ، و77 لكي نجعل الترشيح للرئاسة حقا مكفولا للجميع، فكيف نطلب جعل الترشيح حقا مكفولا للجميع و في ذات الوقت نسلب جمال مبارك ذلك الحق، أليس مصريا مثلنا له ما لكل المصريين وعليه ما عليهم؟! أما أن ترشحه يضعف من فرص فوز أصحاب أحزاب الدكاكين؟! وغيرهم من الطامعين في السلطة؟!
ثم كيف بنا نصر على رحيل مبارك ولا ننتظر انتهاء مدته؟! وبعيدا عن كون الرجل أخطأ أو أصاب في سنوات حكمه، ألم يفعل ذلك الرجل شيئا يجعلنا نوقره أكثر من ذلك ونصون عرضه وكرامته؟!
الإجابة على هذا التساؤل ليست بالصعبة ولا المستحيلة وبخاصة إذا ما أدرك المرء بنظرة فاحصة الفرق الشاسع ما بين الماضي والحاضر، ما بين مصر قبل ثلاثين عاما مضت كيف كان حالها ووضعها عالميا وعربيا ومحليا ؟! انظروا إلى العزب والنجوع كيف كانت ؟! والآن كيف صارت ؟! وبعيدا عن دور مبارك في حرب العزة والكرامة حرب أكتوبر تعالوا بنا نسأل؟!
ألم يرث الرئيس مبارك مصر مثقلة بالعديد من الهموم، والتي منها:
· مقاطعة الدول العربية لها بعد معاهدة كامب ديفيد، وما تبعه من نقل مقر جامعة الدول العربية
· اهتزاز النظرة لها عالميا بعد المقاطعة العربية، والدعاية الصهيونية.
· وجود أجزاء من أرضها ما زالت تحت سيطرة الصهاينة.
· ضعف البنية النحتية نظرا لكثرة الحروب التي خاضتها مصر من: حرب 1948 ، 1956، 1967 ، وحروب الاستنزاف ، 1973 .
· مقدار الديون التي تحملتها خزانة الدولة جراء تلك الحروب.
أين كل هذه الأشياء الآن أيوجد مقر جامعة الدول العربية بمصر؟! أم لا زال خارجها ؟! وكيف وضع مصر عالميا وإقليميا الآن ؟! كما كان قبل ثلاثين عاما ؟! أم ماذا ؟! أين طابا الآن ؟! أما زالت تحت سيطرة الصهاينة ؟! أم تحت السيطرة المصرية ؟! وما رأيكم في البنية التحتية في ربوع مصر من إسكندرية حتى أسوان ؟! كم حجم المدن الجديدة التي أنشئت ؟! وكم حجم المصانع التي أيقمت ؟! وكم استوعبت من عمالة وخريجي الجامعات ؟! وما هي مساحة الرقعة الزراعية الآن ؟! كما كانت في الماضي ؟! أم زادت ؟! ألم تعمر مساحات شاسعة من صحاري مصر التي كانت في الماضي لا حياة فيها ؟! كم عدد الجامعات التي أنشئت ؟! وكم عدد المدارس التي أقيمت ؟! وكم عدد المستشفيات والوحدات الصحية الريفية التي بنيت ؟!
إنني أطلب من كل ذي لب أن يختار قرية من قرى مصر العديدة وينقب عن حالها كيف كانت قبل ثلاثين عاما ؟! وكيف صارت بعدها ؟! ألم يدخل الصرف الصحي الذي لم نكن نعلم عنه شئ إلى القرية المصرية ؟! كم حجم الفري والعزب والنجوع التي أضأت الكهرباء ظلامها ؟! ألم تتحول مصر من مجرد بلد زراعي إلى بلد صناعي تصدر العديد من مصانعه إلى مختلف دول العالم ؟! هل حرية الصحافة الآن كما كانت قبل ثلاثين عاما ؟! ألا يكتب الكتاب كل ما يحلو لهم من نقد في حرية تامة ؟! هل الإعلام كما كان في الماضي ألا تنقد القنوات الفضائية كل شئ ؟! هل تستر الرئيس مبارك على أي مسئول أخطئ مهما بلغ حجمه ؟! أو قربت صلته ؟!
وألم وألم وألم ...الخ فالإنجازات كثيرة ولكن العقول ضيقة، وهنا علينا أن نتسأل كيف تحقق كل هذا ؟! أليس بفضل الاستقرار والأمن الذي نحيا فيه ؟! أيها السادة لا أبالغ إذا قلت أن الرئيس مبارك هو الشخص الوحيد الذي يعمل في تلك البلاد عملا عماده الصدق والإخلاص، فالحكومة لا تفعل شئ إلا من خلال توجيهاته، وإذا لم توجد توجيهات فلا عمل وفي النهاية أقولها بملئ فمي ليس نفاقا ولا خوفا نعم للرئيس مبارك رئيسا للحزب الوطني، نعم للرئيس مبارك، رئيسا لمصر نعم للرئيس مبارك رئيسا لكل المصريين على الأقل حتى نهاية ولايته، نحترمه ونجله ونوقره،لا نهينه أو ننقص من قدره.
لا أنكر أن هناك العديد من الأخطاء أو السلبيات داخل حياتنا اليومية، ولكن على عاتق منْ تقع تلك الأخطاء ألا يتحمل الشعب العبء الأكبر من تلك الأخطاء والسلبيات ألم توفر الدولة على سبيل المثال العديد من المرافق العامة ولكن من الذي يدمرها الدولة أم أفراد الشعب ؟!
العجيب في القضية أننا نطلب من ولاة أمرنا أن يكونوا كالأنبياء أو الخلفاء الراشدين مع بقائنا نحن الشعب على حالنا فكثيرا ما أسمع العديد من الأفراد وهم يرون حديث الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو يقول : ( لو تعثرت
بغلة في العراق لسأل الله عمر لما لم تعبد لها الطريق ) يردد البعض هذا القول مطالبينا مسئولينا أن يكونوا كعمر بن الخطاب بينما يبقى الشعب على حاله كما هو ومن باب أولى انه إذا أردنا من مسئولينا أن يكونوا كعمر بن الخطاب فعلينا نحن الشعب أن نكون على نفس درجة المسلمين الذين كان يحكمهم عمر بن الخطاب حتى يكتمل الطلب والقياس.
يا ساده صلاح الحاكم من صلاح المحكومين وكذلك فساده من فسادهم ، فالقاعدة الإسلامية في ذلك أنه إذا كان الشعب صالح بعث الله عليهم حاكم صالح، ولو كان الشعب فاسد بعث الله عليهم حاكم فاسد.فإذا كنا نرى الفساد في نظامنا فعلينا أن نصلح من أنفسنا حتى يستقيم هذا النظام، فالإصلاح يا ساده لا يبدأ من قمة الهرم ولكن من القاعدة، وأكبر دليل على ذلك أن كل الدعوات والحركات الإصلاحية التي بدأت من الشعب من القاعدة كتب لها النجاح أما الحركات التي بدأت من القمة فكان مصيرها الفشل. ولنا في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القدوة والأسوة الحسنة فعندما بشر بالنبوة بدأ دعوته بأهل بيته ثم عشيرته ثم قبيلته ثم بلده ثم البلاد عامة ولذا انتشرت رسالته ( صلى الله عليه وسلم ) وعمت الأرض حتى يومنا هذا لماذا لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) بدأ من القاعدة لا من القمة.
وعلى الجانب الآخر ما بدأ من القمة بالفرض كان مصيره الانهيار مثل حركة طالبان الأفغانية وصلت لقمة الهرم ثم فرضت الشريعة دون تجهيز الشعب (القاعدة) لذلك فكان
مصيرها الفشل والتناحر والتباغض.
أعتقد أنه على كل منا أن يبدأ بإصلاح نفسه قبل المطالبة بإصلاح غيره، فلو بدأ كل منا بإصلاح نفسه لصلح المجتمع واستقام النظام. علينا أن نستعمل العقل لا العاطفة، يا أهل مصر يا رواد ميدان التحرير أين الأمان؟! يا رواد ميدان التحرير لقد اغتصبت النساء عنوة أمام أزواجهن؟! يا رواد ميدان التحرير هل أنتم تمثلون جميع أفراد الشعب المصري؟!
يا شباب مصر ألم تسألوا أنفسكم لماذا رحب الغرب بهذا الخروج منكم؟! ألم تسألوا عندما انقطع النت ولم يعد هناك فس بوك ولا تويتر وفر موقع تويتر الخدمة عن طريق الهاتف دون الحاجة للنت لماذا ؟! أيحملون همنا؟! أم يتألمون لألأمنا؟! ولماذا وقف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية يخطب باللغة العربية التي يمقتها ليبث الحماس فينا لماذا يا شبابنا؟! رحمة بنا ؟! أم لشر يضمره لنا ؟!
لقد صنعتم معجزة بكل المقاييس في يوم 25 يناير فبخروجكم رفعتم الغمامة عن أخطاء موجودة، وسرعان ما استجاب الرئيس فأقال الحكومة، وعين نائبا، و أحال المتلاعبين بأقدار الشعب إلى النائب العام، بل وطلبكم للتفاوض فإذا بكم تتحدثون عن ضمانات تطلبون ضمانات والضمانة بيدكم فخروجكم حال عدم تنفيذ الاصطلاحات أكبر ضمانة لاستجابة النظام أم تريدون أن يوقع الرئيس أو نائبه أو رئيس الحكومة على إيصالات أمانة ؟! ولو فعلوها لتشاجرت كل الأطياف في ميدان التحرير مختلفة على الشخص الأمين الذي يحمل تلك الأمانات أو الضمانات، فلا تشوهوا تلك المعجزة بالبقاء في ميدان التحرير متأثرين بالأجندات الخاصة لطوائفنا المختلفة.
دعوا الحياة ترجع إلى سابق عهدها ومنْ صبر ثلاثين عاما لن يضيره أن يصبر مائتي يوما، وبعدها نحكم أنخرج للشارع في حال عدم تحقق مطالبنا؟! أم نبقى في بيوتنا نمارس حياتنا حال تحقق مطالبنا؟! كفانا ما خسرناه من أمن وأمان واستقرار، كفانا ما خسرناه من تخريب اقتصادنا الذي تجاوزت خسارته ما يربو على ألمائتي مليار جنيه، كفانا ما خسرناه من عرضنا وعزتنا وكرامتنا التي لاكتها الألسنة الحداد، كفانا ما انتشر بيننا من سموم، كفانا الشهداء الذين سقطوا بيننا، كفنا الهم الذي أظلنا، كفانا الظلام الذي طمس شمسنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق