[بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحيمِ]
عقدة الخواجة ( العبادات والمعاملات )
أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة قراءة سيرة الرسول الكريم ( صلى الله
عليه وسلم ) بحيث تكون تلك القراءة منا أكثرا استيعابا للسيرة من مجرد السرد
التاريخي لها، وأقصد بذلك ضرورة الوقوف على كل فعل فعله الرسول الأمين ( صلى الله
عليه وسلم ) أو قول قاله، أو تقرير قرره ،ونسأل أنفسنا لماذا ذلك ؟! سؤال فهم
وادارك يربو على مجرد السرد التاريخي للسيرة النبوية الشريفة، من ذلك المدخل
تعالوا بنا نتأمل لماذا كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) حريصا على تغيير قبلة
المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.
لقد أمر
الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) في مطلع الدعوة إلى الإسلام بأن يولي وجهه (
صلى الله عليه وسلم ) في صلاته صوب المسجد الأقصى، فأذعن ( صلى الله عليه وسلم )للأمر
إلا أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحمل هوا في نفسه بأن يكون للمسلمين الذين
ارتضى لهم الحق { تبارك وتعالى } الإسلام دينا خاتما، وأتم عليهم نعمته بهذا
الدين، بأن يكون لهم قبلتهم الخاصة بهم، التي لم يسبقهم إليها أحد، فاستجاب {
المولى جل وعلا شأنه } لما حاك في صدر المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) حيث نزل قول
الحق ـ تبارك وتعالى ـ [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ
الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ
الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا
اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] {البقرة:144
}
وهنا
نسأل سؤال لماذا كانت لدى رسولنا الكريم (صلى الله
عليه وسلم ) تلك الرغبة في تغيير القبلة من المسجد الأقصى الذي هو قبلة اليهود إلى
المسجد الحرام ؟! لماذا ؟! وهنا تأتي فلسفة سيرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
فالقبلة ما هي إلا رمز للقدوة، فعلينا نحن المسلمين أن نحسن اختيار قدوتنا بنفس
درجة حرص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يكون لنا قبلتنا الخاصة بنا دون
غيرنا من الأمم الأخرى.
فالدين
الإسلامي الذي ارتضاه لنا الحق ـ تبارك
وتعالى ـ حيث قال تعالى: [اليَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] المائدة:3
} هذا
الدين الخاتم لم يترك شئ من أمور الدنيا أو العقيدة إلا ووضحه، فما دق وما عظم من
شئون حياتنا قد أدلى فيه الإسلام بدلوه فكشفه
القرآن الكريم وأجلاه، ومازال العلم
الحديث يكتشف ما جاء بالقرآن الكريم مثل:
أكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، ومراحل نمو القمر، ومراحل نمو الطفل، واعتزال النساء
في المحيض ...الخ رغم مرور قرون عدة على ذلك قال تعالى: ما [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ
مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ]
{الأنعام:38}
وما
استغلق فهمه على المسلمين من القرآن الكريم نجده واضحا جليا في سنة الحبيب ( صلى
الله عليه وسلم ) فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يمثلان دستور الحياة، فعن
ابن عباس (رضي اله عنهما )قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب في حجة
الوداع فقال: { تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، لن تضلوا بعدي أبدا،كتاب الله وسنة
نبيه }
هذا
الدين الإسلامي الذي لم يغفل عن ذكر أي أمر مهما دق حجمه من شئون الدنيا والآخرة،
إلا وآتى بما يتعلق بذلك الشئ الدقيق حتى كيفية قضاء المرء لحاجته، وكيفية إتيانه
زوجته، لم يغفله الإسلام، فوجدنا في الشرع الإسلامي ما يسبر غورنا، ويسد حاجتنا،
بالله عليكم آلا يستحق منا ذلك الدين الحنيف كل إحلال وتقدير ؟! ألا يستحق منا أن
نولي قبلتنا شطره، نرتشف وننهل من طيب رافده ؟!، آلا يستحق منا أن نلتزم بكل ما
أمر به ، وان نتجنب كل ما نهى عنه ؟!!!!!!!!!!!!!!!!
أعتقد بكل يقين أنه يستحق منا ذلك.
ولكن
وللأسف الشديد فإن الغالبية العظمى منا، لم تأخذ من ذلك الدين إلا اسمه، ولم
يتمثلوا تعاليمه في حياتهم، وراحوا يولون وجوههم شطر الغرب، الذي أخذ يصفنا
بالتخلف، وإن تأدب في لفظه، وصفنا بالدول النامية، أو بالعالم الثالث، والأغرب بل
والأشد سخرية أننا أقنعنا أنفسنا بصدق ما
وصفنا به، فهرولنا نتعلم منه، ونقتدي به في كل شئ نظرا لتمكن عقدة الخواجة منا،
فاستقبلنا قبلتهم في الرياضة، فامتلأت أنديتنا بما أطلقنا عليه خبراء الرياضة،
واستقبلنا قبلتهم في الفن، فصار فننا مسخا لا معنى له، واستقبلنا قبلتهم في
الصناعة فلم يسمحوا لنا إلا بالتقليد لما يفعلون، واستقبلنا قبلتهم في الزراعة،
فأكلت الآفات مزروعاتنا، واستقبلنا قبلتهم في الثقافة فوصفنا أنفسنا بالتخلف،
واستقبلنا قبلتهم في الحياة، فبهرتنا سلبيات حياتهمـ ، واستقبلنا قبلتهم في كل
أمر، فضعنا بين متاهة الدربين{ درب هويتنا ودرب قبلتهم} وفقدنا هويتنا، وضللنا سبيلنا.
لقد
تركنا قبلتنا، واستقبلنا قبلتهم، ولم ندقق النظر في سبب ما جعلهم يتقدمون علينا،
لأننا لو أمعنا الطرف لوجدناهم مسلمين لا ينقصهم غير الاعتراف والصلاة والحج (
العبادات ) أما نحن فقد أقررنا بالشهادة وصلينا وحججنا، ولكنا نسينا باقي تعاليم
إسلامنا ( المعاملات ) وكأنها لا تعنينا رغم أن آيات الذكر الحكيم، وأقوال وأفعال
الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) نصرخ فينا بها ليل نهار، بينما هم قد تمسكوا
بكل ما غفلنا عنه مثل:
· الالتزام الشديد بالمواعيد والمحافظة عليها.
· التقدير الدقيق والواقعي لقيمة الوقت.
· الاعتدال في تناول الطعام والشراب.
· الاهتمام الفائق بتربية الأبناء.
· الحرص الشديد على النظافة العامة/، والنظافة الشخصية.
· الرعاية الهائلة للصحة الوقائية والعلاجية على مستوى الفرد
والجماعة.
· التطبيق الدقيق لحرفية النظام في المجالات المدنية والحربية.
· العناية بالنبوغ واحتضان المتفوقين ورعايتهم.
· تشجيع الابتكارات العلمية، وتهيئة أحسن الوسائل للبحث والدراسة.
· الحفاظ على البيئة والمحافظة على الحدائق والأشجار من خلال جمعيات
الحفاظ على البيئة.
· الرحمة والرفق بالحيوان من خلال جمعيات الرفق بالحيوان.
· الحفاظ على حقوق الإنسان من خلال جمعيات الحفاظ على حقوق الإنسان.
· تقديم العون للغير والعطف على الفقراء والمساكين.
· الصدق وعدم الكذب في كل ما يتعلق بالشئون العامة والخاصة.
· الأمانة في التعامل وعدم الغش والتدليس.
· جعل الكفاءة معيار الترقي وليس الوساطة والمحسوبية.
· المشاركة في الانتخابات وعدم السلبية.
· اختيار المرشحين على أساس من القدرة والكفاءة لا على أساس من النفع
أو العاطفة.
·
.......الخ المبادئ التي حثنا الإسلام على التمسك بها عملا قبل
قولا.
لقد تركنا كل هذه المبادئ للخواجة، بينما تمسكنا
بما يناقضها تماما، فأصبحت حياتنا تعتمد على كثرة التمني لا كثرة العمل، واكتفينا
بالتشدق بالألفاظ بأننا أصحاب فضل عليهم، وكان خليق بنا التمسك بكافة تعاليم ديننا
قولا وعملا حتى يمكننا اللحاق بمن سبقونا، وأخذوا منا، ولم يعطونا إلا الفتات، لا
أدري متى يأتي اليوم الذي نتخلص فيه من عقدة الخواجة التي تملكتنا ؟!متى يأتي
اليوم الذي ندرك فيه أن خلاصنا ونجاتنا مرهونة بالعودة إلى قبلتنا، التي ارتضاها
لنا ربنا؟! متى يأتي اليوم الذي نولي ظهرنا فيه للغرب ونتمسك بمبادئنا السامية
وأخلاقنا الكريمة، وقيمنا الفاضلة التي حثنا الحق _ تبارك
وتعالى _ على التمسك بها ؟! متى يأتي اليوم الذي يكون حرصنا فيه على جانب
المعاملات الإسلامية بنفس درجة الحرص على جانب العبادات الإسلامية ؟! متى ؟! ثم
متى ؟! ثم متى؟! إنني أتطلع إلى ذلك اليوم، وسأظل أحلم به، ولن أفقد الأمل ما حييت
؟!
علاء محمد إسماعيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق