الأربعاء، 2 مايو 2012

الموقف الغربي الصليبي الديني و السياسي من الإسلام.

الموقف الغربي الصليبي  الديني و السياسي من الإسلام.

  

إن عداء الغرب الصليبي للإسلام والقرآن الكريم  لم يتغيّر على مر الزمان، وإنما الذي يتغير هو الطريقة أو الأسلوب الذي يتعامل به أهل الصليب الغربي مع الإسلام، وهذا ما يبرز جليا من خلال تعامل الغرب ونظرتهم  للقرآن الكريم، سواء من خلال الرؤية التاريخية أو الرؤية الواقعية، حيث نجدهم يتّبعون منهجية عدائية الموقف  تتنوع فيها  الأساليب وفقا للعصور.

و الحديث عن تعامل الغرب مع القرآن يحتّم علينا تحديد أي فئة نقصد، فالغرب يضم ملايين المسلمين من جهة ، ومن جهة أخرى ليس كل المسيحيين معادون للقرآن أو للإسلام و المسلمين. لذلك سنحدد دائما قائلين : الغرب الصليبي أو المسيحية السياسية التي تتخذ الدين ستارا لأطماع سياسية، ولسوف نتناول ذلك العداء من خلال عدة محاور هي:

أولا :  المحورالديني :
      أ  –     نظرة تمهيدية :
  لقد بدأ سيدنا محمد - عليه الصلاة و السلام  - دعوته في القرن السابع الميلادي ، كانت المسيحية الكنسية تتخبط في حروبها الداخلية و الخارجية الناجمة عن أكبر عملية تحريف تمت في التاريخ، وهى :
·      تأليه السيد المسيح في مجمع نيقية الأول سنة 325 م .
·   ثم اختلاق بدعة الثالوث بتأليه الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 و مساواة الله بالابن بالروح القدس.
·      ثم جعل السيدة مريم " أم الله " في مجمع إفسوس عام 431 .
 
 التثليث المريمى (بدعة المريميون - القرن السادس)
الأمر الذى أدى إلى خلافات عقائدية جذرية لا تزال قائمة فيما بينهم، وذلك إلى جانب العديد من الخلافات التى لا شأن لنا بها هنا،و في نفس ذلك الوقت ، كانت هناك مناطق بأسرها لم تُفرض عليها المسيحية بعد  كإنجلترا وبلاد ساكس و جرمانيا و بافريا و شمال أسبانيا وغيرها.
 و أقول " أكبر عملية تحريف تمت التاريخ " لأننا جميعا دفعنا ولا زلنا ندفع ثمن هذا التحريف ، سواء في ذلك نحن المسلمين أو منْ اعترضوا عليه من المسيحيين ، أو من رفضوه بناء على تعاليم دينهم الذى أتى كاشفا و مصوبا لهذا  التحريف أو حتى أتباع الديانات الأخرى بمحاولة تنصيرهم.
فبينما كانت المسيحية في القرن الثامن تتصارع لكبح جماح الانشقاقات التى تعانى منها نتيجة لتحريف رسالة التوحيد وغيرها،  كانت راية الإسلام ترفرف على مساحات شاسعة تربط آسيا بالمحيط الأطلنطي.
 و يقول فيليب سيناك (Ph. Sénac) في كتابه المعنون : صورة الآخر   أنه : " حتى القرن الثالث عشر كانت معظم الوثائق المكتوبة عن الإسلام والمسلمين و التى حددت صورته في نظر الغرب، بأقلام رجال كنسيين – وهى كتابات مغرضة يدفعهم وضعهم اللاهوتي إلى نقد و تحريف ديانة ليست ديانتهم " ، ( صفحة 10 ) . ثم يوضح المؤلف كيف كانت الكتابة آنذاك حكراً على هؤلاء الكنسيين ، وكيف تصدت الكنيسة في بادىء الأمر للإسلام على أنه انشقاق من الانشقاقات أو هرطقة من الهرطقات التى عليها القيام بقمعها أو اقتلاعها  لأنها تخالف ما فرضته من تعاليم.

لقد امتدت يد  التشويه المتعمد لصورة الإسلام  من خلال على العديد من علماء ذلك الغرب الصليبي  في مختلف المجالات الدينية و الثقافية والأدبية والعلمية، بدءاً من تشويه معاني القرآن الكريم في الترجمات التى قاموا  بها منذ القرن الثاني عشر، أيام حرب الاسترداد. 
 
و يكفى أن نطالع ما كتبه المستشرق الفرنسي رجيس بلاشير R. Blachère   في كتابه المعنون : القرآن الصادر سنة 1969 حين قال : " لقد طلب بطرس المبجل ، رئيس دير كلوني     ( Cluny ) من المترجم أن تتم ترجمته بحيث من يقرأها من المسلمين ، الذين تم تنصيرهم حديثا ، أن تمحو أي أثر للإسلام من ذهنهم " ( صفحة 9 ) . الأمر الذى نجم عنه سلاح ذي حدّين : فهو من جهة يمثل تشويها متعمدا للقرآن وللإسلام ، و من جهة أخرى فإن هذه الكتابات المغرضة و المعادية  تمثل أساس المراجع التى تتم دراستها في المدارس و الجامعات الغربية.. مما أدى إلى تكوين نوع من الطبيعة التلقائية المعادية  للقرآن و للإسلام و المسلمين.
ب –    سبب هذا العداء :
 يرجع هذا العداء المتواصل ضد الإسلام بصفة عامة،   والقرآن الكريم بصفة خاصة نظرا لأنه يمثل الدليل الإلهي الثابت تاريخيا ضد التحريف الذى قامت به الأيادي العابثة في رسالة التوحيد ، فما أكثر الآيات التى تدين هذه الأفعال ، ومنها:
·      " لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة " (37 / المائدة) .
·       " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح بن مريم "  (17 / المائدة)
·        " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ..الآية (13 / المائدة)
·      " يسمعون كلام الله ثم يحرفونه " الآية .. (41 / المائدة)
و المعروف علميا عن كل صاحب جريمة، إن أول ما يهتم به هو طمس معالم الأدلة التى تكشف عن فعلته أو تُثبت إدانته .. وهذا هو السبب الحقيقي  لذلك العداء المستحكم ، الذى لم يترك مجالا إلا واستغله لتشويه القرآن ومقاصده ، أو لتشويه صورة الإسلام و المسلمين .
 
لقد كان يوحنا الدمشقي ، المتوفى سنة 749 م ، أول من تولّى هذه المهمة بشراسة ، ففى كتابه المعنون : نبع المعرفة  ضمّنه فصلا عن القرآن و الإسلام والمسلمين تحت باب الهرطقة.
وتبعه ني سفور، (758 – 829 ) بطريارك القسطنطينية ، في نفس خط  الذم الجارح و التسفيه.  و تواصلت المسيرة التى لم تتوقف حتى يومنا هذا.. ففى القرون الوسطي أنشأوا المعاهد لدراسة اللغات الشرقية ودراسة القرآن الكريم ، لا لفهمه وإنما لدراسة كيفية الهجوم عليه أو استخدام بعض آياته لتمرير عمليات التنصير وتسهيلها.

وهاهم حديثا يُنشئون المعاهد لتخريج الأئمة بغية تكوين جيل يفرض ما أطلقوا عليه "الإسلام الغربي" و "الإسلام الفرنسي"  وغيرها من المسميات والمجالات التى تهدف إلى تفريغ القرآن من مضمونه العقائدي و الجهادي والاجتماعي وقصره، إن أمكن، على مجرد الحركات الشعائرية !
 ولا ننسى الحروب الصليبية التى أعلنها البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت سنة 1095 ، و إن كان قد سبق الإعداد لها وممارستها على نطاق أضيق  قبل ذلك بكثير. ولقد أعلنها باسم الرب ، و طالب "جنود المسيح " – كما أطلق عليهم ، بحياكة علامة الصليب على صدور ثيابهم و على ظهورهم وعتادهم.. وفى واقع الأمر لم تندلع هذه الحروب ضد المسلمين والمد الإسلامي فحسب ، و إنما امتدت أيضا ضد الشعوب التى لم يتم تنصيرها بعد و ضد الشعوب المنشقة كالأريوسيين و الكاتار، لإبادتها .. و امتدت هذه الحروب شرقا وغربا لنشر مسيحيتها بالسيف و المذابح و بمحاكم التفتيش – وما أكثر المراجع التى تتناول هذا التاريخ الدامي الذى وصم الحضارة الغربية المتعصبة.

ومما لا شك فيه أن المجامع و رجال الإكليروس هم الذين كانوا يغذّون مثل هذا التعصب ، ولا يسع المجال هنا لنقل كل قراراتهم و يكفى أن نطالع ، على سبيل المثال ، القرار رقم 25  من مجمع فيينا المسكونى ، المنعقد فيما بين 1311 و 1312م ، برئاسة البابا كليمانت الخامس ، الذى أمر بقيام حملة صليبية جديدة . و يقول القرار :
     " من المهين للاسم الإلهي ومن العار للعقيدة المسيحية ، أن يحدث في بعض مناطق العالم الخاضعة لأمراء مسيحيين ، و يسكن فيها مسلمين مع المسيحيين ، أحيانا منفصلين وأحيانا أخرى مختلطين معهم ، أن يقوم شيوخهم بالدعاء و الإعلان عن اسم محمد في مساجدهم (ويكتبونه "ما أوميه" تحريفا) ، حيث يجتمع المسلمون ليعبدوا محمد الغدّار         ( le perfide)  ، وذلك كل يوم وفى ساعات محددة، في مكان مرتفع ، و يرتلون علانية بعض العبارات تكريما له. وهو ما يسمعه كل المسيحيين و المسلمين ، والأدهى من ذلك أن يتم هذا أيضا في مكان آخر قد دُفن فيه أحد المسلمين الذى يبجله المسلمون كقديس و يعبدونه. وهناك عدد كبير من القادمين من نفس هذه المناطق و غيرها يجتمعون علانية، وهو ما يحط من شأن عقيدتنا و يولد فضيحة كبرى في قلوب الأتباع. وبما أن هذه الأشياء التى لا تروق للجلالة الإلهية لا يمكن أن نتحملها ، فإننا نمنع بصرامة وبموافقة هذا المجمع المقدس ، أن تتم مثل هذه الأشياء داخل الأراضي المسيحية ، وبما أن الكاثوليك الحقيقيين هم المدافعون الأمناء عن العقيدة المسيحية ، فإننا نفرض بكل إلحاح ، مستشهدين بالحكم الإلهي، على جميع الأمراء و على كل واحد منهم ، الذين يقيم تحت سلطتهم هؤلاء المسلمين و يمارسون هذه الأشياء ، أن يقتلعوها تماما من أراضيهم و أن يحرصوا على استبعاد العار الذى يجلبه لهم و لباقي أتباع المسيح ما ذكرناه بعالية، و أن يتمعنوا في المكافأة التى سيحصلون عليها في نعيم الآخرة. إننا نمنع بصرامة أي أحد تابع لسلطتهم أن يغامر بعد ذلك أو أن يجرؤ على ذكر أو الإعلان عما قلناه سابقا : أي ذكر الاسم الدنس لمحمد (le nom sacrilège) ، أو أن يذهبوا إلى الحج المذكور.
 
إن الذين سيجرؤون على التصرف بعكس هذا سيتم تأديبهم ، باسم التحية الواجبة لله ، بطريقة بحيث أن الآخرين سيبتعدون عن القيام بنفس الخطأ من هول الرعب المنعكس عليهم" (المجامع المسكونية، ج/ 2 ، صفحة 787 ) . 
نماذج من عمليات التعذيب التي تعرض لها كل: المسلمين والمسيحيين من خلال محاكم التفيش على يد الغرب الصليبي








    
 ومن الواضح أن النيّة معلنة منذ  ما قبل مطلع القرن الرابع عشر بكثير على منع الآذان ومنع أداء فريضة الحج لمنع انتشار الإسلام أو اقتلاعه. ويا له من تسامح غفلنا عنه طويلا حتى استشرى بجنون لا حد له!!
و يوجد في هامش ذلك القرار اسم المرجع  المتضمن لوسائل التعذيب التى ستؤدى إلى الرعب المهول  الكفيل بمنع المسلمين من الصلاة ، أو من أداء فريضة الحج. وتلك هي "السماحة" التى شبّ عليها الكنسيون  تجاه القرآن و الإسلام.. 
 المجمع الفاتيكاني الثاني.
ج –  المجمع الفاتيكانى المسكونى الثاني (1965 ) :
 يمثل هذا المجمع نقطة فارقة في تاريخ المسيحية ، فهو أول مجمع هجومي في التاريخ بالمعنى الواضح  للكلمة ، وأول مجمع يخرج خروجا سافرا عن تعاليمه و نصوصه الدينية من أجل الأغراض السياسية أو  بسبب ضغوطها.. وقد أصدر هذا المجمع ثلاثة أنواع من الوثائق التنظيمية الدينية ، والاجتماعية ، و السياسية التاريخية. ومن أهم هذه القرارات الخاصة  بهذا البحث : 
مراحل القبض على يسوع حتى محاكمته على يد كهنة يهود ثم صلبه حسب معتقد إخواننا النصارى





 1-  تبرأة اليهود من دم المسيح ، رغم مخالفة ذلك للعقيدة  والنصوص الشديدة الوضوح.
2 -  اقتلاع اليسار في عقد الثمانينيات (من القرن العشرين). حتى لا   تبقى أية أنظمة  بديلة  للرأسمالية الاستعمارية ، وذلك بالتواطؤ بين الفاتيكان  والمخابرات المركزية الأمريكية وجورباتشوف... وما أكثر ما  كتب عن  تفاصيل اختلاق حزب " تضامن"  في  بولندا،  واختلاق "العام المريمى"  لتأجيج مناخ  ديني  مفتعل ، أوعن المبالغ التى أُهدرت لتنفيذ   هذه المخططات .
3-  اقتلاع الإسلام  حتى تبدأ الألفية الثالثة وقد تم تنصير العالم.
4 -  توصيل الإنجيل لكافة البشر.. وهى الصيغة المضغمة التى  تم إعلانها آنذاك ، ثم  قام  البابا  يوحنا  بولس  الثاني  عام 1982 بتوضيحها  في خطاب رسمي معلنا  ضرورة  تنصير العالم ، موضحا أن   ذلك لا   رجعة  فيه ..(لأنه قرار مجمع مسكوني) !
5 -  توحيد كافة الكنائس  تحت  لواء   كاثوليكية روما ، وإنشاء لجنة خاصة بذلك ،  رغم  الخلافات  العقائدية الجذرية بينها. وعندما  لم  يتم المطلوب، راح يوحنا  بولس الثاني    يحثهم قائلا : " إن هذه هي الوسيلة الوحيدة للتصدي للمد  الإسلامي " (وارد في كتاب :   الجغرافيا السياسية للفاتيكان )
6 -  فرض عملية التبشير على كافة المسيحيين ، الكنسيين منهم و المدنيين ، وهى أول مرة   في التاريخ تقوم فيها الكنيسة بإصدار قرارات مكتوبة ومعلنة خاصة بالمدنيين الذين لا  يندرجون رسميا في الهيكل الكنسي.
7 -  استخدام الكنائس المحلية في عمليات التبشير ، الأمر الذى يضع الأقليات المسيحية ، في البلدان التى يعيشون فيها،  في موقف عدم الأمانة أو الخيانة..
8 -  فرض بدعة " الحوار" كوسيلة للتبشير و كسب الوقت حتى يتم التنصير بلا مقاومة ..
9 -  إنشاء لجنة للحوار  برئاسة الكاردينال آرنزى
10 - إنشاء لجنة خاصة بتنصير العالم برئاسة الكاردينال يوسف  طومكو. وقد  قام  أعضاء   اللجنتين بإصدار وثيقة مشتركة في 20/6/1991  بعنوان : "حوار و بشارة "  تتضمن أن التوجيهات اللازمة  لعملية التنصير الدائرة منذ ذلك الوقت في تصعيد متواصل.
 وإضافة إلى إعلان البابا ، في سنة 1982 م ، عن  ضرورة تنصير العالم ، فقد أصدر خطابا رسوليا بعنوان : عشية الألف الثالثة ، في عام 1995 ، يعد بمثابة خطة خمسية لتنصير العالم قبل حلول مطلع الألفية الثالثة. وقد وصفته آنذاك صحيفة  لو موند ديبلوماتيك الفرنسية قائلة : أنه يسير على الإسلام بوابور زلط  لدكه تماما ! وذلك إضافة إلى إقامة المؤتمرات العالمية الكبرى للتنصير..
 خريطة تقسيم الاستعمار فى الوطن العربى.
ثانيا: الجانب  السياسي :
تمهيد:
إن الربط بين المجالين ، الديني و السياسي ،أمر  مفروغ منه وذلك لتضافرهما الشديد  في سياق الأحداث الماضية و الراهنة . وقد رأينا هذا الهدف الديني ثابت وواضح عند الغرب النصراني في الماضي من خلال شعار الصليب كرمز للحروب الصليبية، وفي الحاضر من خلال الحرص على :  تنصير العالم، وإن كان الترتيب قد أُعد ليتم ذلك عشية الألفية الثالثة، وأنه قرار لا رجعة فيه. وهو ما يمثل جزء لا يتجزأ من نظام العولمة ، الرامي إلى جعل العالم خاضع لنظام ديني و سياسي وإقتصادى و فكرى و إجتماعى واحد ، أو ما يطلقون عليه  "  قرية واحدة " ، حتى تسهل قيادته بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية و الكنيسة الفاتيكانية. و بالتالي ، العمل على اقتلاع الحضارات الأخرى بعقائدها – بخاصة الإسلام ، الذى أتى شاهداً  على عمليات التحريف التى تمت في رسالة التوحيد ، ومصوباً لها. و من أهم هذه الوسائل المستخدمة حاليا، المجالات التالية : 
صور للهجوم الأمريكي على العراق تحمل نصوص توراتية





أ  –   مجلس الكنائس العالمي :
عندما فشل الغرب المتعصب في تنصير العالم عشية الألف الثالثة ، قام مجلس الكنائس العالمي ، في يناير 2001 ، بإسناد مهمة اقتلاع الإسلام إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، مع تسمية هذا العقد  (2001 – 2010 )  "عقد اقتلاع الشر" . وما هي إلا  بضعة  أشهر حتى اختلقت الإدارة الأمريكية مسرحية "الحادي عشر من سبتمبر"  لتتلفع بشرعية دولية قبل تنفيذ مشاريعها الاستعمارية التنصيرية.
 مجلس الكنائس العالمي.
ومجلس الكنائس العالمي منظمة تضم 347 كنيسة مختلفة ، منتشرة في 120 بلد و تمثل كافة الاتجاهات المسيحية باختلافاتها العقائدية. إلا أن الكنيسة الكاثوليكية الفاتيكانية ليست عضوا  بالمجلس (لأغراض تنظيمية سياسية ...) ، لكنها تتعاون معه بفاعلية مكثفة...
     وقد قام مجلس الكنائس العالمي ، الذى يعمل بجهود مشتركة مع  لجنة تنصير العالم ولجان أخرى، بعقد أكبر مؤتمر عالمي للتبشير، من 9 إلى 16 مايو 2005 باليونان ، لتوحيد عمليات تنصير العالم  بين مختلف الكنائس ، و خاصة الكنيسة الإنجيلية و العَنْصَرية و الكاثوليكية الرومية. وعلى الرغم من توجيه عمليات التبشير في ثلاثة محاور أساسية :
·      بلدان الكتلة الشرقية السابقة.
·      الدول المسيحية التى تفشى فيها الإلحاد .
·       الدول الإسلامية وباقي الديانات الأخرى .
فإن التركيز على القرآن و الإسلام يحتل الصدارة في جدول الأعمال. و تتوالى مؤتمرات التبشير المحلية و العالمية  بإصرار ودأب، مثلما تتوالى المغالطات والأكاذيب  و التعامل بوجهين ..
 ومن أهم القرارات التى أسفر عنها ذلك المؤتمر الذى يتوسط "عقد اقتلاع الشر"، البنود التالية :
* –  تفادى أية صراعات أو منافسة بين الكنائس المختلفة أثناء عمليات التبشير.
* –  الإصرار على أن " رسالة الله" التى تفرضها الكنائس موجهة لكافة البشر.
* –  أنه يقع على الكنيسة توجيه الناس إلى التوبة ليدخلوا حياة جديدة بيسوع المسيح .
* –  إن الكنيسة بأسرها مطالبة بتوصيل الإنجيل للعالم أجمع .
* –  أنه لابد من غرس كنائس المسيح في الثقافات المحلية لتسهيل تنمية الإيمان المسيحي .
* –  دراسة كيفية التغلب على الوجود المتزايد للديانات الأخرى ، و خاصة الإسلام، في كل  من أوروبا وأمريكا الشمالية فهو يمثل تحديا حقيقيا لنشاطات المبشرين.. 
 وقد يفسر هذا القرار الأخير الجوانب الخلفية  لأحداث الشغب في فرنسا (أكتوبر/نوفمبر 2005)  وردود  فعل الحكومة الفرنسية القمعية بحيث أعلن مسؤلون في منظمات  اجتماعية وعدد من المحامين والقضاة  : أنها تتبع " سياسة المذابح العاجلة" بالضغط على الاستجوابات الجماعية وأحكامها غير المنطقية بالسجن أو بالطرد (جريدة     لو موند  في 24 / 11 / 2005 )
ب –  التحالف الأمريكي :
  لم يعد خافيا على أحد أن التحالف العسكري ، الذى قادته الإدارة الأمريكية مع المحافظين الجدد ، ينطلق بجنون لاستغلال منابع الطاقة و المواد الأولية ، مستخدمين كافة وسائل التدخل في الشئون الداخلية  للعالم الإسلامي و العربي ، لتغيير أنظمتها بالتوسع الإستعمارى و العسكري ، ضاربين عرض الحائط  بالقانون الدولي.
 ويُخفى أو يُغطى هذا التحالف طموحاته الاستعمارية-الاقتصادية-الدينية  بتسميم وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية بأكاذيب مفتعلة ليس بقادر على إثباتها. ونكتفي هنا بذكر تصريح لورنس ويلكرسن، نائب وزير الخارجية الأسبق ، كولن باول ، من أن : " كلا من ديك تشينى و و زير الدفاع رامسفيلد قد تمكنا باستعمال سلسلة من الأكاذيب و التلفيق أن يجرّا البلاد كلها نحو أتون الحرب " .
  كما يقوم هذا التحالف بخلق جماعات إرهابية، واختلاق الحجج ، ونشر نظرية "المؤامرة الإسلامية "  للسيطرة على العالم ، اعتمادا على تأجيج نار صراع الحضارات للاستحواذ  زورا  و عدوانا على سلطاتٍ  تؤدى إلى تنفيذ قرارات المجمع المسكونى الفاتيكانى الثاني (1965) وتدمير العالم الإسلامي و العربي. فمن المعروف عن الغرب المسيحي المتعصب أو المسيحية السياسية، أن قرارات المجامع المسكونية مُلزمة لكافة الملوك والرؤساء المسيحيين.. لذلك نرى هذا التضافر الرهيب بين الموقف السياسي والموقف الديني في الغرب المسيحي بهذه الصورة الهستيرية.




  وما يدور في أفغانستان و العراق على مرأى و مسمع من الجميع لم يعد بحاجةٍ إلى شرحٍ أو توضيح. فقد تحولت أفغانستان منذ احتلالها إلى أكبر مستودع لمزارع  نبات الأفيون فى العالم بينما تقوم بتحليله وتسويقه كبرى الشركات الأمريكية وعصابات غسيل الأموال.. 
ضريبة الحرية الأمريكية التي يدفعها أهل العراق حتى اليوم




























أما حُجة احتلال العراق فهي من السذاجة التافهة بحيث لا تحتاج إلى مزيد من الكلمات لتوضيح تلفيقها . وقد تابع العالم أول بأول تقريبا كيفية تسلل المبشرين مع جنود المارينز ، و كيفية حشر الأناجيل مع العتاد الحربي والمؤن الغذائية، وكيفية وقف الدراسة إلى أن يتم تغيير المناهج. بل لقد تابعت الصحافة العالمية و المحلية تعليقات كل من بيلى وفرانكلين جراهام اللذان أعلنا : " إن الإسلام دين شيطاني ولا بد من تنصير كافة المسلمين" (لوس أنجلوس بوست  في  4/4/2003).
كما أعلنت وكالة الأسوشييتد برس في 25/4/2003 : " أن الولايات المتحدة لن تسمح بقيام نظام يوجهه رجال الدين في العراق على غرار ما يحدث في إيران " . وهو ما يوضح ترابط السياسي والديني في هذه الحرب السافرة التى يقودونها ضد الإسلام.
 وقد تم في نفس ذلك الوقت تقريبا فرض عملية  تجفيف الإسلام من المنبع (كما يقولون) فى العالم ، وتحجيم المعاهد الدينية، وإغلاق كتاتيب تحفيظ القرآن ، وتحديد إنشاء المساجد، والأمر بتقليل طباعة القرآن الكريم تقليلا تدريجيا، بحيث تتوقف طباعته تماما بعد فترة معينة، وتغيير نصه  بحذف بعض الآيات أو بإصدار نص  جديد مثال "الفرقان الحق"  الذى اختلقوه  وأغرقوا به العديد من المناطق.. ولا نقول شيئا عن تدنى أخلاقيات المحطات التليفزيونية والإذاعية المعادية للقرآن و للإسلام.. وغنىّ عن القول أن "المنبع" الذى يقصدونه فى الإسلام هو القرآن الكريم ومختلف وسائل حفظه، بعد أن فشلوا فى الوصول إلى مآربهم عن طريق تحريف ترجماته أو عن طريق بتر معطياته لمحاربته بها كزعم اضطهاده للمرأة ، وما إلى ذلك. وها هى أحداث الشغب التى اندلعت فى ضواحى باريس فى أكتوبر/ نوفمبر 2005 تتحول إلى مناسبة لسب أحد نصوص القرآن الخاص بتعد الزوجات : 
 فقد أعلنت هيلين كارير دانكوس ، الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسية "أن تعدد الزوجات هو أحد أسباب أعمال الشغب في ضواحي باريس والأمر شديد الوضوح : كثير من الأفارقة مزواجون ، وفى المسكن الواحد توجد ثلاث أو أربع زوجات و 25 طفلا. أنهم مكدسون بحيث لم تعد هذه المساكن المكتظة تسمّى مساكن وإنما شيء آخر".
  وفى يوم 15/11/ 2005 ، صرح وزير العمل الفرنسي لجريدة الفايننشيال تايمز البريطانية قائلا : "أن تعدد الزوجات هو أحد الأسباب المحتملة لأحداث الشغب التى اندلعت طوال ثلاثة أسابيع في ضواح باريس" وقد علقت الجريدة في موقعها الإلكتروتى بأن هذا التصريح الذى يمكنه أن يشعل المناقشات حول أزمة الضواحي قد يهين المسلمين والمنظمات المعادية للعنصرية..  وكان قد سبق لوزير الداخلية الفرنسي ، نيكولا ساركوزى ، استغلال قضية الحجاب في فرنسا وتوظيفها لإدخال منظومة صراع الحضارات في الصراعات السياسية الفرنسية ثم راح يلوح بقدوم الإرهاب ..
ومن الملاحظ من متابعة الصحافة الفرنسية في الفترة التى سبقت أحداث الشغب تلك ، أنها ظلت تردد وتحذر شبه يوميا  عن قرب وقوع هجمات إرهابية – وكأنها بذلك تعد الرأي العام الفرنسي والعالمي لربط هذه الإحداث بالقرآن الذى يسمح بتعدد الزوجات ، و بالتالي ربطها بالإسلام و المسلمين الذين تسعى للتخلص من وجودهم.
 و هو  مثال آخر على التحالف الديني والسياسي في هذه الحرب الصليبية التى يقودها الغرب المتعصب. كما أن ما فعلوه  بأرض العراق وحضارته دليل آخر لا نزال نعيش أحداثه المريرة. ففى     15/1/2005 نشرت صحيفة  الجارديان البريطانية مقالا افتتاحيا يتناول التدمير المتعمد لتراث الحضارة البابلية على أيدي قوات الاحتلال، نورد منه ما يلي :
     "إن الدمار الذى سببه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على حطام مدينة بابل التاريخية، أحد أهم واشهر المناطق الأثرية في العالم، يعتبر أحد الأعمال البربرية الثقافية الأكثر دناوة في ذاكرة التاريخ الحديث، إذ أنه عمل لا تبرره أية ضرورة عسكرية  وكان من الممكن تجنبه تماما ، فلم تكن هناك حاجة لبناء المعسكر في المدينة حيث كانت توجد حدائق بابل المعلقة، وهى إحدى عجائب الدنيا السبع ففى العالم القديم.
 ويقول د. جون كورتيز، كاتب المقال ،أن السلطات الأمريكية كانت على علم تام بتحذيرات علماء الآثار بالأهمية الأثرية العالمية لهذه المنطقة، ورغمها فقد تجاهلت القوات الأمريكية هذه التحذيرات تماما" ولم يقتصر الدمار الذى لحق بالموقع على هدم بعض الصروح الأثرية النادرة مثل بوابة الإله عشتروت ، بل امتد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة الأثرية، تم تسويتها بالأرض و دفنها في الردم المأخوذ من مناطق أخرى لإنشاء مهبط لطائرات الهيلوكبتر ومواقف لسيارات النقل الثقيل ، لم تكن هناك أية  ضرورة لوضعها فوق ذلك الكنز الأثري. إن هذا العمل الإجرامي أثريا وحضاريا و دينيا يعنى أن مواقع أثرية لم يسبق التنقيب فيها قد تم تدميرها إلى الأبد.. أو،كما يقولون  بلغتهم الشهيرة التى سبق وأعلنوها : قد " دكوها إلى ما قبل العصر الحجري" ..
  وتدمير التراث الإنساني والحضاري للعراق لم يكن عفوياً أو عن غير قصد ، بل لقد تم الترتيب له قبل العدوان  بأسابيع معدودة  عندما قاموا بتغيير قانون الآثار  لتسهيل خروجها. فما أعلنه الأستاذ سعد إسكندر ، مدير المحفوظات الوطنية ، يؤكد أن هناك ما يزيد على واحد وخمسين ألف قطعة أثرية عراقية مفقودة ، إضافة إلى سرقة و نهب أكثر من  60 % من تاريخ العراق المكتوب ، وهذه النسبة تمثل ملايين المخطوطات والسجلات والوثائق الملكية منذ العهد العثماني. وهو ما يعنى : اقتلاع متعمّد للتراث. فهؤلاء الطغاة قد نشأوا  ودأبوا على اقتلاع الآخر سواء جغرافيا أو حضاريا أو دينيا. فما فعلوه بالسكان الأصليين للأمريكتين واستراليا وزنوج إفريقيا ، وتعذيبهم و إبادتهم لملايين البشر، لا يمكن محوه من ذاكرة التاريخ .. وهو نفس ما قامت به الأيادي العابثة  التى كونت الكنيسة الأولى ، وقيامها باقتلاع كل من يخالفها من أفراد أو شعوب ، وإبادة كل ما يكشف عمّا نقلته من العبادات القديمة وأدخلته في مسيحيتها. وهو ما يفسّر ذلك الانتقام الأصمّ الذى يفرضونه على أرض بابل القديمة ، على واحدة من أقدم حضارات العالم التى نهلوا منها ما نهلوه.. وهو ما يحاولون فرضه على القرآن الكريم  وعلى الإسلام و المسلمين. ويكفى أن نطالع الإصدارات الغربية الحديثة بأقلام بعض الأمناء  لنرى أهوال ما قام  و يقوم به هؤلاء "المتحضرون" ..



 ج –  الكنائس الإنجيلية ولعبة الإدارة الأمريكية  فى العالم العربى :
ينتمي العديد من القادة العسكريين و السياسيين فى الولايات المتحدة ، وخاصة آل بوش ، إلى جماعة إنجيلية سرية  تدعى "الأسرة" . وهذه المنظمة تقود اليوم هدفا مزدوجا ضد المسلمين و ضد الكاثوليك – وذلك ما لم يكن يوحنا بولس الثاني يتوقعه حينما تحالف معهم لاقتلاع اليسار، و من قبل اليسار كان قد تحالف  لمحو لاهوت التحرر في أمريكا اللاتينية      ( لكن أحداً لا يتعظ من التاريخ أو يَذكر أن أمريكا دائبة التخلص من عملائها بنفس الجبروت الذى تتخلص به ممن تجعلهم أعدائها ) .
وتمثل هذه المنظمة الإطار الأساس للسياسة الأمريكية و تدفع بنفوذها في العالم من خلال جيش من المبشرين ، بحيث أصبح التطرف الديني يمثل أحد أهم العناصر في الجغرافيا-السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط . وبينما لا تكف بعض الأوساط ووسائل الإعلام عن اتهام الإسلام بكل أنواع الاتهامات والتلافيق، فإن المعلقين يتلفعون بالصمت حول مسؤولية الكنائس البروتستانتية التى تساهم في احتدام الموقف ضد الإسلام ، مثلما يتلفعون بصمت القبور حول كل أفعال الصهاينة في أرض فلسطين . فمن المعروف أن أعضاء هذه الكنيسة هم أكثر المساندين لإسرائيل حماسا، ويرفضون أية تنازلات في الأرض للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين.
 و الإنجيليون الذين يسيرون في خطى المسيحية الصهيونية ، هم جماعة من الأصوليين البروتستانت ، كانت قد تكونت في أواخر القرن التاسع عشر، أي في نفس الوقت الذى تم فيه الإعداد لإقامة دولة لليهود. وهم جماعة تزعم أن إقامة دولة إسرائيلية يعد تحقيقا للنبوءة الإنجيلية و لعودة المسيح ليحكم العالم ألف عام في سلام ! وهم لا يساندون اليهود معنويا فحسب وإنما بأموالهم التى تساعد على هجرة اليهود من مختلف البلاد إلى "إسرائيل".
 وهذا التيار الإنجيلي الذى يضم أكثر من سبعين مليونا من الأتباع في الولايات المتحدة ، يعتمد على مئات الآلاف من المبشرين الذين تم تعيينهم لتصديرهم إلى البلدان الإسلامية والعربية وغيرها ، و يؤثر بشدة على السياسة الأمريكية في العالم العربي.
يقول شارل سان برو (Ch.St. Prot ) مدير مرصد الدراسات الجغرافية-السياسية في فرنسا ، في مقال له عن هذه الكنائس : " ان الكراهية التى تكنها هذه الجماعات للإسلام واحتقارهم حتى للعرب المسيحيين ، يجعل منهم  أداة مميّزة للسياسة الأمريكية الرامية إلى تحطيم العالم العربي لإعادة تنظيم الشرق الأوسط الكبير بحيث يكون خاضعا لواشنطن وحلفائها الصهاينة " . ويتم تدخل الكنائس الإنجيلية في العالم الإسلامي و العربي حاليا على ثلاثة مستويات :
1 -  الدعاية المعادية للإسلام ، والتي تملك  كل الإمكانيات  لاتهامه  بكل مصائب الدنيا ،   و ربط  الإسلام   بالإرهاب و " محور الشر" و الشيطنة.
2 -  استخدام الأقليات المسيحية العربية لخلق الفرقة  وتعبأتهم  ضد المسلمين  اعتمادا  على  وعود و مكافآت مالية و مناصب و عقود عمل ، ومنح  تأشيرات الشنجن لكل من يزعم أنه "مسيحي مضطهد" !  وهى  محاولة مقنّعة لإحلال عمالة مسيحية  بدلا من المسلمة  التى يسعون إلى إعادة تهجيرها لبلدانها..
3 -  عمليات تنصير المسلمين  التى  تمثل أوضح  نشاطات الإنجيليين اعتمادا على جماعات منظمة  في  شبكاتٍ ، وعلى توصيل رسالة إنجيلية  تعتمد على نصوص القرآن. وهو ما تقوم به  جمعية  "إدارات  العالم العربي"   التبشيرية الإنجيلية  العالمية التى   تتلخص  مهمتها  في : " الإعلان عن النبأ السعيد  لمنقذٍ  من أجل مسلمي العالم العربي " .  و هم  يعتمدون زوراً على أن القرآن  يفرض علينا الإيمان  بالتوراة   و بالإنجيل ، متناسين أو متجاهلين أن النص القرآني  يقصد ما  أنزله الله من توراة  و إنجيل ، وليس التوراة التى انتهوا من  صياغتها في القرن  الثامن  الميلادي، أو الإنجيل  (العهد الجديد) الذى   ثبت  بالقطع أنه  تم  تكوين  مجمل  كتبه  في  أواخر القرن الثاني الميلادي ، ثم  قام   القديس   جيروم  بتكوين  وصياغة نصه فى القرن الرابع ، وفرضوه في  مجمع  ترانت ، المنعقد فيما بين 1545 و 1563،  على " إن الله هو المؤلف" ، ثم عدّلوا  القرار قائلين: ان الله استعان بالروح القدس ليلهم الحواريين !
 والعملية التبشيرية التى تقودها الولايات المتحدة تساندها العديد من المحطات الإذاعية والتليفزيونية وخاصة أعضاء الكونجرس و المخابرات المركزية الأمريكية. كما يتم إدراج الدعاية التبشيرية في مشاريع برامج التنمية الإلكترونية GIPI   ( برنامج : سياسة المبادرة الشاملة للإنترنت ) وبرنامج MEPI  (مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط ) ، وقد تم إقامتهما في معظم بلدان العالم العربي والإسلامي، بعد أن أقر البابا يوحنا بولس الثاني مبدأ إسنخدام المجال الإلكتروني في التبشير.
وهذا التبشير الذى تموله و تحميه الإدارة الأمريكية كل مرماه سياسي و يهدف إلى خلق بؤَرْ خلاف في قلب البلدان العربية لإضعافها وتسهيل السيطرة عليها. كما تهدف إلى إشعال صراع الحضارات المزعوم بصورة مفتعلة لتندرج في المشروع الذى تمت صياغته منذ 11 سبتمبر 2001 لاتهام الإسلام بالشيطنة . أي أنها تندرج باختصار في إطار سياسة الإدارة الأمريكية الهادفة إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير وفرض هيمنتها عليه لصالح الكيان الصهيوني.
 يقول الكاتب جان بودريار) (J. Baudrillard في كتابه المعنون " قوى الجحيم " الصادر في أواخر أكتوبر 2002 ، : " إن ما يدور حاليا هو أكثر من عنف ، أنه احتدام العنف ، أنه عنف يتزايد كالعدوى في سلسلة من ردود الأفعال التى تهزم كل الحصانات وكل إمكانيات المقاومة (...) لأن الإسلام هو النقيض الحيوي للقيم الغربية ، و لذلك فهو يمثل العدو رقم واحد (...) ، وفيما يتعلق بالتعصّب الديني المسيحي فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة ،  وبذلك فيتعيّن عليها إما أن تدخل النظام العالمي الجديد ، طواعية أو قهراً ، أو عليها أن تختفي. إن مهمة الغرب الآن هي أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى  الوسائل إلى القانون الوحشي المسمى التساوي (...) فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة واستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات في المجال العقائدي ".
 و يؤكد سيرج لاتوش (Serge Latouche) في كتابه حول " تغريب العالم" قائلا : "إن سيطرة الغرب لم تتمثل فقط في فرض الاستعمار، و إنما في التبشير و السيطرة على السوق و الاستيلاء على المواد الخام و البحث عن أراض جديدة و الحصول على أيادي عاملة رخيصة ، و اقتلاع الهوية التراثية الدينية، والقيام بالغرس الثقافي الخاص بالغزاة ، مستعينين بشتى وسائل الإعلام وغيره (...).
إن عملية تغريب العالم هي أولا وأخيرا عبارة عن حرب صليبية جديدة .. والحروب الصليبية هي أكثر العمليات جنوناً في كل ما قام به البشر .. أن عملية تغريب العالم كانت ولا تزال عملية تنصير ، ومعظم عمليات التنمية في العالم الثالث تتم  مباشرة أو بصورة  غير مباشرة  تحت علامة الصليب ".
ثالثا:محور السلام :

  انعقد في بروكسيل ،العاصمة البلجيكية، طوال يومي 17 و 18 نوفمبر 2005، مؤتمر بعنوان : "محور السلام "  ( Axix for peace ) أعد  له الإعلامي الفرنسى  تييرى ميسان (Thierry Meyssan)  ، الذى كان أول من فضح الإدارة الأمريكية في افتعال و إشعال حرب العراق، بنشر كتابين ، الأول عن "الخديعة الكبرى" و الآخر بعنوان "البنتاجيت" على غرار فضيحة الو وترجيت الشهيرة ، حيث راح يثبت تورطها بالوثائق الرسمية المنشورة ، والتي تم سحب العديد منها من التداول بعد ذلك . وهو أيضا رئيس شبكة فولتير، الجريدة الإلكترونية اليومية التى تصدر بعدة لغات منها العربية.

 وقد حضر هذا المؤتمر ، وهو الأول من نوعه ، مائة وخمسون شخصية عالمية من المعارضين للنظام العالمي الجديد الراهن ، قادمين من مائة سبع وثلاثين دولة ، وهم سياسيون و دبلوماسيون وعسكريون وقادة للرأي في بلدانهم ، لمناقشة كيفية التصدي لهذا العدوان الصارخ  بعمل محاولات فعّالة للدفاع عن السلام .
 وفى نهاية اليوم الثاني تمت صياغة البيان الختامي الذى أدانوا فيه التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة والخطر الذى تمثله ضد السلام العالمي. كما ناشدوا أعضاء مجلس الأمن الذين يشاركونهم الرأي في تفعيل احترام سيادة الدول وهو ما يمثل أساس القانون الدولي.
وقد تناول المؤتمر من ضمن ما تناول، موضوع الإرهاب الإسلامي في إحدى حلقاته النقاشية .
 وقام الوزير الألماني السابق أندرياس فون بولو (A. von Bülow)  بتشريح أحداث 11 سبتمبر 2001 موضحا كيف تم تنفيذها من داخل الولايات المتحدة بهدف إضفاء شرعية دولية على العمليات العسكرية التى تقودها في العالم الإسلامي والعربي.
     وتحدث وبستر تاربلى (W. Tarpley)  الصحفي بالولايات المتحدة ،عن أشكال التدخل العنصري وخاصة استغلال التهديد بعبارة " الإرهاب" قائلا : " لا يمكن فهم السياسة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية إذا قللنا من المدى الحقيقي لأحداث 11 سبتمبر. إن اعتداءات 11 سبتمبر كانت أحداثاً مدبرة داخليا. و الحرب على الإرهاب قائمة على أسطورة تحولت إلى ديانة رسمية للدولة منذ تلك الأحداث. والوسيلة الوحيدة للصراع ضد المحافظين الجدد هى هدم هذه الأسطورة".  وقد صدر مؤخرا  لتاربلى تحليلا للأساليب المستخدمة لاستمرار توابع أحداث 11/9 ..


 كما قام  فيليب بيرج (Ph. Berg )   ، المدعى العام السابق لمقاطعة بنسيلفانيا ، بشرح كيف يرفض عدد كبير من المواطنين تصديق الصيغة الرسمية لهذه الأحداث ، ويمثل بيرج عائلات الضحايا التى رفضت قبض تعويضات  عن موت أبنائها مقابل الصمت، وتقدموا بشكوى ضد أعضاء مجلس أركان الحرب و البيت الأبيض لمسؤوليتهما المباشرة  في هذه الأحداث الإرهابية التى تقودها.
وتحدث دافيد شايلر (D. Shayler ) ، العميل السابق بالمخابرات البريطانية ، موضحا كيفية تدخل هذا الجهاز في توظيف مصطلح " ألإرهاب الإسلامي " . وعندما حاول الاعتراض على ذلك زجّوا  به في السجن !. غير أنه يؤكد تواطؤ المخابرات المركزية الأمريكية و جهاز المخابرات البريطانية فى تنظيم هذا الإرهاب بصورة مختلقة.
وقد تناولت المداخلات الأخرى توضيح كيف يعتمد ذلك الإرهاب "الأصيل " على مختلف أشكال التدخل العسكري والديني والسياسي والثقافي على الأكاذيب والترويع ، وعلى كيفية شراء الأصوات والضمائر والحكومات وقادة الرأي، وخاصة كيف يسيطر على وسائل الإعلام التى يقوم بمنعها من الكشف عن الحقائق أو التحدث عنها ، وعدم المساس بالسياسة الإسرائيلية ، التى لا حدود لها إلا أطماعها !

                                            *               *                *

     لقد جاهر الغرب الصليبي بالعداوة لدين الإسلام  في الحاضر كما فعل في الماضي، وجاهرت الحكومة الصهيونية-الصليبية في أمريكا على لسان مبشريها وأتباعها وإعلامها ، للمطالبة بتغيير العقيدة الإسلامية وإبطال الجهاد بعد بتره من كافة معانيه الإنسانية وقصره ظلما على الجزئية الحربية، على الرغم من أن الجهاد الحربي في الإسلام مقنن شرعا ويمنع المسلم من بدء العدوان. كما طالب التعصب الغربي بالتدخل في مناهج التعليم ومناهج العلوم الشرعية ، بناء على توصية مجلس الأمن القومي الأمريكي ، ومنع وصول المتدينين إلى المناصب العليا في التربية والتعليم وغيرها من المجالات ، وعزل بعض الدعاة والخطباء ، والتضييق على الحلقات الدراسية القرآنية ، و وقف العمل الخيري الإسلامي ومصادرة أموال هذه الجمعيات، وكل ذلك اعتمادا على التبليس والمغالطة لترويج وتبرير هذا الاقتلاع على أنه جزء من الإصلاح الشامل المطلوب من أجل الديمقراطية! والواقع المعاش يؤكد للجميع أن معنى الديمقراطية في السياسة الأمريكية بات يعنى : الاستعمار و التنصير.
وهذا الموقف الغربي المعتدى يُعد تدخلا فجاً في الشؤون الداخلية والدينية  وقلباً للمفاهيم واعتداء صارخاً على ثوابت الأمة ، وخاصة على القرآن الكريم الذى يعد  دعامتها الأساسية، إن قبول القيام بهذا التغيير هو بمثابة اعتراف ضمني باتهامات الغرب المتعصب ، وإقرار بأن ديننا ومناهجنا يولدون الإرهاب ! والاستجابة لهذه المطالب هو استسلام وتواطؤ لتمكين المتعصبين من مآربهم ، وقد شجعهم على ذلك ما لمسوه من المسؤلين من تهاون في الدفاع عن ديننا. وهذا التنازل لا حدود له إلا الاقتلاع التام للإسلام و المسلمين كما يبغون..
 إن الغرب الصليبي ليس بكله معاد للإسلام ، وإن هناك بؤَرٌ من نورٍ في غياهب ذلك الغرب . و قد آن لنا أن نوجد جسور ترابط وأن نمد أيدينا لنتعاون مع هذه النقاط المضيئة الرافضة للإرهاب الأمريكي وتدخلاته،لقول الحق بلا هجوم أو تجريح. وأهم ما يجب التركيز عليه ، بخلاف التعريف بمعطيات القرآن الكريم الحقيقية –  وليس ما يقدمه لهم المستشرقون ، هو :
*   أنه لا انفصال في القرآن أو في الإسلام بين الدين  والدنيا ، وأن هدفه  عمارة الأرض وليس  دكها  أو إبادة بعض شعوبها كما يفعلون.
*   عدم قبول  مقولتهم المزعومة من أنه "لا نقاش في العقيدة " ، فالخلاف الأساس  بيننا هو ما قاموا  به من تحريف ، أي أنه خلاف في العقيدة . فلا حصر ولا عدد  للدراسات الجادة الأمينة التى تثبت حاليا أن المسيح ، كما تقدمه  الكنيسة ، لا سند تاريخي له، إضافة إلى كشفهم ما تم أخذه من الديانات الوثنية قبل بترها من الوجود. كما قاموا  بإثبات أن الأناجيل المعتمدة  قد  تم  تجميعها  إجمالا  في  النصف الثاني من  القرن الثاني الميلادي ، وأنها ليست منزّلة كما يزعمون. وقد رأينا كيف قام القديس جيروم بتوليفها في القرن الرابع. وهو ما أثبته القرآن الكريم بالإشارة إلى شتى التفاصيل من تغييرٍ وتبديلٍ و تحريف.
*   عدم قبول أن هذه  النصوص تتساوى  مع القرآن الكريم ، خاصة بعد ما أعلنه البابا  يوحنا بولس الثاني من أن بها  " البالي و الخطأ " ، وقد وعد  بتغيير سبعين  آية مراضاة  لليهود بعد تبرأتهم من "مقتل الرب"! وذلك في أحد  النصوص  الرسمية الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثاني والتي احتفلوا الشهر الماضي بمرور أربعين   عاما على إصدارها.
*    العمل على كشف وَهْم أسطورة سفر الرؤيا التى يتذرعون بها لتنصير العالم ليأتي المسيح عليه السلام ، فما عسى الفاتيكان والكنائس الإنجيلية وغيرها فاعلين " بدولة إسرائيل" التى أنشأوها ظلما وعدواناً ، هل سيقومون بتنصير اليهود؟! أم أنها حجج تسرى على البعض ويُعفى منها البعض الآخر ؟! 
*     بما أن الأناجيل المعتمدة غير منزّلة ولم  تكتبها الأسماء التى هى  معروفة بها ، أي أنها نصوص غير  أصلية ومحرّفة ، بدليل ما قاله القديس جيروم الذى أعاد صياغتها وعدّل وبدّل وغيّر فيها وفقا  لطلب البابا داماز( المتوفى سنة 384 م) ، وذلك في المقدمة التى كتبها لها وأهداها لنفس ذلك البابا. فلا يحق  للغرب الصليبي المتعصب الاعتماد على أسطورة من  أساطيرها  لتبرير إقامة دولة للكيان الصهيوني   المحتل لأرض فلسطين ، كما لا يحق له التذرع  بها لتنصير العالم ، خاصة  وأن المسيح عليه الصلاة  والسلام قد قال :
 " لم   أُرسل إلا  إلى خراف بيت إسرائيل الضالة "  (متى 15 : 24 ).  و  كان  قد  قال  لحوارييه :    "إلى  طريق  أمم لا تمضوا  و إلى مدينة   للسامريين لا تدخلوا .  بل اذهبوا  بالحرىّ إلى  خراف  بيت  إسرائيل  الضالة "  ( متى 10 : 5 و6 )  وذلك  يعنى  قطعا  أن    عمليات التنصير التى تقودها الكنيسة ضد المسلمين تنافى  تعاليم السيد المسيح وتناقضها تماما ، وأنه كان يتعيّن عليها أن تهدى اليهود الذين حادوا عن رسالة التوحد ، لا أن تخرج عن تعاليم دينها وتبرأتهم لأغراض سياسية ، و أولها الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين..
*  إن استنادهم إلى نهاية إنجيل متى و الآية المكتوب فيها : " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم ألآب والابن والروح القدس " (28 : 19 ) هو استناد باطل لأن عقيدة الثالوث  قد تمت  صياغتها في  القرن الرابع وتسببت فيما تسببت فيه من انقسامات ومجازر، فكيف يمكن أن توجد في إنجيل  من المفترض أنه  مكتوب  فيما بين سنة 70  و90م – كما  يقولون، إن لم تكن قد كُتبت بأثر رجعى ؟!
 إن الإسلام لا يفرض نفسه على أحد ، والقرآن الكريم ينص بوضوح قائلا :
·      " فمن شاء فليؤمن و من شاء  فليكفر "  (29 / الكهف )
·      " لا إكراه في الدين" /البقرة).
ليكفّ  الغرب  الصليبي إذن عن أطماعٍ وأنانيةٍ عمياء في محاولاتٍ دائبة لاقتلاع القرآن الكريم  لفرض دينٍ هو أول من يعلم كيف تم توليفه عبر المجامع على مر الصور ، وليكفّ الغرب المتعصب عن فرض نظام هو أول من يعلم كيف تم  نسجه بالأكاذيب والعنصرية، وليكرس كل تلك الجهود الكاسحة إلى ما تحتاجه البشرية من تضافر كل الإمكانيات والطاقات الإنسانية من أجل الحد من مآسي الجوع والفقر والجهل ومشاكل البيئة ، وهى مشاكل قد تسبب هو في الكثير منها – إن لم  يكن فيها  كلها ! 

 د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر
أما نحن العرب سواء المسلمين أو المسيحيين فهل نحن للدرس فاهمون؟! ولعدونا محددون؟! ولعزمنا جامعون؟! أم ما زلنا في بحار الغربة تائهون؟! ووسط الأخطار نائمون؟!
--------------------------------------------
كشف المراجع
 الدكتورة  زينب عبد العزيز: أستاذة الحضارة الفرنسية - مصر
Alberigo, Giuseppe  (sous la direction de )   : Les Conciles œcuméniques,     
                    éd.   du Cerf, 3 vol., 1994    
Baudrillard, Jean :  Power Inferno, éd.Galilée, Paris, 2002
Blachère, Régis :    Le Coran, P.U.F., Paris, 1969
Colonna-Cesari, Constance : Urbi et Orbi, Enquête sur la géopolitique    
                                vaticane, éd. La Découverte, Paris, 1992
Damascène, Jean :  Source de la connaissance,
« Dialogue et Annonce », Document du Conseil Pontifical pour le Dialogue
                    interreligieux et de la Congrégation pour l’Evangélisation des 
                    peuples. éd. Mission de l’Eglise, Paris, 1992
Jean-Paul II : Vers l’An 2000 ( Tersio Millenio Adviente), éd. de l’Emmanuel,
                     Paris, 1994
Latouche, Serge : L’Occidentalisation du monde,éd. la Découverte, Paris 1989
Sénac, Philippe :  L’Image de l’autre, &d. Flammarion, Paris, 1983   

www.axixforpeace.net

هناك تعليق واحد:

  1. إن عداء الغرب الصليبي للإسلام والقرآن الكريم لم يتغيّر على مر الزمان، وإنما الذي يتغير هو الطريقة أو الأسلوب الذي يتعامل به أهل الصليب الغربي مع الإسلام، وهذا ما يبرز جليا من خلال تعامل الغرب ونظرتهم للقرآن الكريم، سواء من خلال الرؤية التاريخية أو الرؤية الواقعية، حيث نجدهم يتّبعون منهجية عدائية الموقف تتنوع فيها الأساليب وفقا للعصور.
    و الحديث عن تعامل الغرب مع القرآن يحتّم علينا تحديد أي فئة نقصد، فالغرب يضم ملايين المسلمين من جهة ، ومن جهة أخرى ليس كل المسيحيين معادون للقرآن أو للإسلام و المسلمين. لذلك سنحدد دائما قائلين : الغرب الصليبي أو المسيحية السياسية التي تتخذ الدين ستارا لأطماع سياسية، ولسوف نتناول ذلك العداء من خلال عدة محاور هي:
    أولا : المحورالديني :



    أ – نظرة تمهيدية :
    لقد بدأ سيدنا محمد - عليه الصلاة و السلام - دعوته في القرن السابع الميلادي ، كانت المسيحية الكنسية تتخبط في حروبها الداخلية و الخارجية الناجمة عن أكبر عملية تحريف تمت في التاريخ، وهى :
    · تأليه السيد المسيح في مجمع نيقية الأول سنة 325 م .
    · ثم اختلاق بدعة الثالوث بتأليه الروح القدس في مجمع القسطنطينية عام 381 و مساواة الله بالابن بالروح القدس.
    · ثم جعل السيدة مريم " أم الله " في مجمع إفسوس عام 431 .

    التثليث المريمى (بدعة المريميون - القرن السادس)
    الأمر الذى أدى إلى خلافات عقائدية جذرية لا تزال قائمة فيما بينهم، وذلك إلى جانب العديد من الخلافات التى لا شأن لنا بها هنا،و في نفس ذلك الوقت ، كانت هناك مناطق بأسرها لم تُفرض عليها المسيحية بعد كإنجلترا وبلاد ساكس و جرمانيا و بافريا و شمال أسبانيا وغيرها.
    و أقول " أكبر عملية تحريف تمت التاريخ " لأننا جميعا دفعنا ولا زلنا ندفع ثمن هذا التحريف ، سواء في ذلك نحن المسلمين أو منْ اعترضوا عليه من المسيحيين ، أو من رفضوه بناء على تعاليم دينهم الذى أتى كاشفا و مصوبا لهذا التحريف أو حتى أتباع الديانات الأخرى بمحاولة تنصيرهم.
    فبينما كانت المسيحية في القرن الثامن تتصارع لكبح جماح الانشقاقات التى تعانى منها نتيجة لتحريف رسالة التوحيد وغيرها، كانت راية الإسلام ترفرف على مساحات شاسعة تربط آسيا بالمحيط الأطلنطي.
    و يقول فيليب سيناك (Ph. Sénac) في كتابه المعنون : صورة الآخر أنه : " حتى القرن الثالث عشر كانت معظم الوثائق المكتوبة عن الإسلام والمسلمين و التى حددت صورته في نظر الغرب، بأقلام رجال كنسيين – وهى كتابات مغرضة يدفعهم وضعهم اللاهوتي إلى نقد و تحريف ديانة ليست ديانتهم " ، ( صفحة 10 ) . ثم يوضح المؤلف كيف كانت الكتابة آنذاك حكراً على هؤلاء الكنسيين ، وكيف تصدت الكنيسة في بادىء الأمر للإسلام على أنه انشقاق من الانشقاقات أو هرطقة من الهرطقات التى عليها القيام بقمعها أو اقتلاعها لأنها تخالف ما فرضته من تعاليم.

    لقد امتدت يد التشويه المتعمد لصورة الإسلام من خلال على العديد من علماء ذلك الغرب الصليبي في مختلف المجالات الدينية و الثقافية والأدبية والعلمية، بدءاً من تشويه معاني القرآن الكريم في الترجمات التى قاموا بها منذ القرن الثاني عشر، أيام حرب الاسترداد.

    و يكفى أن نطالع ما كتبه المستشرق الفرنسي رجيس بلاشير R. Blachère في كتابه المعنون : القرآن الصادر سنة 1969 حين قال : " لقد طلب بطرس المبجل ، رئيس دير كلوني ( Cluny ) من المترجم أن تتم ترجمته بحيث من يقرأها من المسلمين ، الذين تم تنصيرهم حديثا ، أن تمحو أي أثر للإسلام من ذهنهم " ( صفحة 9 ) . الأمر الذى نجم عنه سلاح ذي حدّين : فهو من جهة يمثل تشويها متعمدا للقرآن وللإسلام ، و من جهة أخرى فإن هذه الكتابات المغرضة و المعادية تمثل أساس المراجع التى تتم دراستها في المدارس و الجامعات الغربية.. مما أدى إلى تكوين نوع من الطبيعة التلقائية المعادية للقرآن و للإسلام و المسلمين.

    ردحذف

http://alfahd999.blogspot.com/