(7) - (12) - (ن) تابع (2) ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:
ثاني عشر: مخططات اليهود ومصالح الغرب الصليبي:
الخطة الشيطانية:
(7) تقسيم الدول العربية باتفاقية سايكس – بيكو الثانية
ثالثا: تواريخ وعبر لمنْ أراد أن يعتبر
العبرة والعظة من تواريخ وعبر لمنْ
أراد أن يعتبر:
تبلغ الفترة من 1897 تاريخ انعقاد مؤتمر اليهود الأول في مدينة بازل
بسويسرا بقيادة تيودور هرتزل، وحتى سنة 1948 تاريخ إعلان بن جوريون لقيام دولة
إسرائيل على أرض فلسطين تبلغ نحو خمسين عاما تقريبا، وقعت خلالها العديد من
الأحداث، التي تٌمثل بدايات الصراع العربي الصهيوني، تحول اليهود فيها من الشتات
إلى التجمع في أرض الميعاد كما يزعمون، بينما تحول الفلسطينيين من الاستقرار في
أرضهم إلى الشتات في أرض الجوار، وغير أرض الجوار.
وبين هذين التاريخين 1897 : 1948وقعت العديد من الأحداث الجسام، وقامت
الكثير من الثورات، وانعقدت الكثير من المؤتمرات، ووقعت الحربين العالميتين الأولى
والثانية، ووقعت اتفاقات ... الخ أثرت جميعها في تطورات الأحداث داخل الوطن العربي
بصفة عامة، وفي شبة الجزيرة العربية بصفة خاصة، وداخل الأراضي الفلسطينية بصفة
أخص.
فعندما احتل البريطانيون فلسطين عام 1917 م، كان عدد اليهود 50 ألفا
تقريبا،وعندما غادروها عند نهاية الانتداب في سنة 1948، كان هذا العدد قد تضاعف نحو عشر مرات فبلغ نصف
مليون تقريبا.
لقد أُعلن أول تقدير لعدد سكان فلسطين في القرن العشرين في فترة الحكم
العثماني في عام 1914 و هي ذات السنة التي نشبت فيها الحرب العالمية الأولى. حيث
قُدر عدد سكان فلسطين بـ 689.275 نسمة منهم 8% من اليهود. وبعد خضوع فلسطين
للانتداب البريطاني أصبح عدد سكان فلسطين حسب التقدير الرسمي 673.000 منهم 521.000
من المسلمين و 67.000 من اليهود و 78.000 من المسيحيين و 7000 من المذاهب الأخرى.
وفي نهاية الصراع تغلب الـــ 67 ألف يهودي على الـــ 606 ألف مسلم
ومسيحي ومذاهب أخرى تغلب اليهود عليهم وأسسوا دولتهم إسرائيل في خلال ما يقرب من
خمسين عاما من العمل الدءوب،والسعي الذي لا يفتر، والهمة التي لا تعرف الكسل.
فإذا أدركنا أن تيودور هرتزل المؤسس الحقيقي لدولة اليهود في فلسطين
لم يتعلم العبرية في حياته ولم يزر فلسطين،ولكنه مع ذلك فهو الذي نظم المؤتمر
الصهيوني الشهير في بازل بسويسرا عام 1897، ورأس المنظمة الصهيونية العالمية التي
انبثقت عن المؤتمر حتى وفاته عام 1904. هذا المؤتمر الصهيوني الذي سعي إلى الحصول
على موافقة دولية و تأييدا لهجرة اليهود إلى فلسطين تمهيداً لإقامة دولة يهودية
هناك.
لقد رأى تيودور هرتزل أن الحل
الأمثل للمشكلة اليهودية التي كان يتعرض أصحابها في أوروبا للاضطهاد وللكراهية هو:
إقامة دولة لهم في أي مكان وليكن في فلسطين، على أن تحظى هذه الدولة الوليدة
بموافقة الدول الكبرى،وقد أخلص لتحقيق هذه الفكرة سواء بالكتابة أو بتنظيم
المؤتمرات أو بالاتصال بالسياسيين وأصحاب القرار، ولذا نجح في تحقيق هدفه.
وفي النهاية تمكن اليهود خلال خمسون عاما تقريبا من مؤتمرهم الأول في
بازل بسويسرا سنة 1897 من إنشاء دولتهم إسرائيل عام 1948 على الأرض العربية في
فلسطين فقد تمكنوا حيث كان عددهم لا يُمثل نسبة تُذكر من عدد العرب والمسلمين
لأنهم ركزوا على الإخلاص في العمل، بينما نحن ركزنا على الإخلاص في القول.
لقد انعقدت جلسات المؤتمر الصهيوني الأول بين التاسع والعشرين والحادي
والثلاثين من شهر آب 1897 في المدينة السويسرية بتنظيم وإشراف ورئاسة المفكر
والكاتب اليهودي المجري تيودور هرتزل الذي يُعدُ أبو الصهيونية العالمية، وحمل
المؤتمر شعار "العودة إلى صهيون". وصهيون هو جبل في مدينة القدس
الفلسطينية المحتلة.
حضر هذا المؤتمر 204 مندوبا
من اليهود، منهم 117 مندوبا مثلوا جمعيات صهيونية مختلفة، وسبعون جاءوا من روسيا
وحدها. كما حضره مندوبون من القارتين الأمريكيتين والدول الاسكندنافية وبعض
الأقطار العربية وبالأخص الجزائر. وكان مقرراً للمؤتمر أن ينعقد في مدينة ميونخ
الألمانية، إلا أن الجالية اليهودية هناك عارضت ذلك لأسباب خاصة بها مما استوجب
نقله إلى مدينة بازل السويسرية. وافتتح الإرهابي تيودور هرتزل المؤتمر بخطابٍ
"ناري وعاطفي" كشف فيه عن الهدف الحقيقي من وراء عقده لهذا المؤتمر، حيث
قال في خطابه:
"زملائي أعضاء الوفود: إنني كواحد من الذين دعوا إلى عقد هذا
المؤتمر أرحب بكم ، وهذا ما سأفعله باقتضاب ، ذلك لأننا إذا كنا نريد أن نخدم
القضية وجب علينا أن نقتصد فى اللحظات القيمة للمؤتمر. فهناك الكثير من الأمور
التي ينبغي تحقيقها خلال الثلاثة الأيام التي سيستمرها المؤتمر. إننا نريد أن نرسم
أسس البناء الذي سيأوي يوما ما الشعب اليهودي. إن الواجب كبير جدا بحيث إننا سوف
نتعرض له بأبسط الأساليب. وسنعرض ملخصا لوضع المشكلة اليهودية فى خلال الأيام
الثلاثة القادمة ولقد تم تصنيف المادة الضخمة الموجودة تحت أيدينا عن طريق رؤساء
اللجان.
وسنستمع إلى تقارير عن وضع اليهود فى مختلف الأقطار. وتعلمون جميعا
ولو حتى بطريقة مشوشة أن الوضع باستثناء حالات نادرة، لا يدعو للارتياح ولو كان
الوضع على غير هذا لما انعقد هذا الاجتماع. ولقد عانت وحدة مصيرنا التوقف
والانقطاع الطويل بالرغم من أن الشتات المبعثر للشعب اليهودي قد تحمل فى كل مكان
اضطهادا مماثلا. وقد أدت عجائب الاتصال فى وقتنا هذا قد أدت إلى التفاهم المتبادل
والوحدة بين الجماعات المنعزلة. وفى هذه الأيام، حيث التقدم فى كل مظهر فإننا نعرف
أننا محوطون بكراهية قديمة. إن العداء للسامية والذي تعرفونه جيدا ويا للأسف هو
اسم هذه الحركة.
إن أول تأثير تركه على يهود اليوم هو الاندهاش الذي ترك مكانه للألم
والاستياء. وربما لا يدرك أعداؤنا عمق الجرح الذي أصاب أحاسيس هؤلاء اليهود الذين
لم يكونوا هدفا أساسيا لهجومهم. إن هذا الجزء من اليهود العصريين والمثقفين والذين
خرجوا من نطاق " الجيتو " وفقدوا عادة الاتجار فى السلع الحقيرة قد
أصابهم السهم فى القلب.
ومنذ التاريخ السحيق والعالم يسيء فهمنا. فعاطفة التضامن التي كثيرا
ما نالنا التأنيب بسببها كانت آخذة فى التحلل فى نفس الوقت الذي تعرضنا فيه للعداء
للسامية. ولقد ساعد العداء للسامية على تقويتها من جديد، وعدنا إلى بيتنا (يقصد
الجيتو) ذلك لأن الصهيونية هي العودة إلى الحياة اليهودية قبل أن تكون عودة إلى
الأرض اليهودية.
إننا نحن الأبناء الذين عُدنا ، نجد الكثير الذي ينبغي تقويمه تحت سقف
أجدادنا ، لأن كثيرا من أخوتنا قد انحدروا إلى قاع البؤس والشقاء.
لقد حققت الصهيونية شيئا رائعا كان حتى هذه اللحظة يعتبر مستحيلا: ألا
وهو الاتحاد القومي بين العناصر اليهودية الممعنة فى العصرية والممعنة فى المحافظة
وكون هذا الأمر قد تحقق دون تنازلات مشينة من أي من الجانبين، ودون تضحيات ثقافية
لهو دليل آخر- أن كانت هناك حاجة إلى دليل على الوحدة القومية لليهود - إن وحدة من
هذا النوع لا يمكن أن تقوم إلا على أساس قومي.
ومما لا شك فيه انه سيكون هناك مناقشات حول موضوع إقامة منظمة نشعر
جميعا بالحاجة إليها.
فالمنظمة هي الشاهد على معقولية " الحركة الصهيونية " ولكن
هناك نقطة واحدة ينبغي أن تُؤكد بوضوح وقوة حتى نصل إلى حل للمشكلة اليهودية .
إننا نحن الصهيونيين لا نريد عصبة دولية بل نريد مناقشة دولية. ولسنا بحاجة إلى
القول أن التمييز بينها له الأهمية الأولى فى نظرنا.
إن مثل هذا التمييز هو الذي يبرر عقد مؤتمرنا. ولن يكون هناك مكان
للمؤامرات والتدخل السري والأساليب الملتوية بين صفوفنا، بل سنفصح عن آرائنا لتكون
تحت حكم الرأي العام، وسيكون من أول نتائج حركتنا تحويل المسألة اليهودية إلى
مسألة خاصة بصهيون.
إن حركة شعبية لها مثل هذه الأبعاد الواسعة سوف تتعرض للهجوم من جهات
عديدة ولذالك فان المؤتمر سوف يشغل نفسه بالوسائل الروحية التي ينبغي استخدامها
لإحياء وتدعيم الشعور القومي لليهود. وهنا كذلك ينبغي علينا أن نناضل ضد عدم
الفهم. فليست لدينا أقل نية للتزحزح قيد أنملة عن ثقافتنا التي اكتسبناها. وعلى
العكس فإننا نهدف إلى ثقافة أوسع مثل تلك التي تجلبها زيادة المعرفة. وفي الحقيقة
فان اليهود كانوا دائما أكثر. نشاطا من الناحية العقلية أكثر من الناحية الجسمانية
.
ولما كان الرواد العمليون الأوائل للصهيونية قد أدركوا هذا فإنهم قد
بدأوا العمل الزراعي لليهود. إننا لن نكون قادرين ولن نكون راغبين في التحدث عن
محاولات استعمار فلسطين والأرجنتين بدون شعور العرفان بالجميل. لكنهم وضعوا
اللبنات الأول للحركة الصهيونية ، ذلك لأن الحركة الصهيونية ينبغي أن تكون أوسع فى
مداها إذا ما أريد لها أن تقوم بالفعل .
إن الشعب لا يُجزى إلا على جهوده هو وإذا لم يكن في استطاعته أن ينهض
بنفسه ، فإنه لن ينال العون ، وإننا نحن الصهيونيين نريد أن نرتفع بالشعب إلى درجة
مساعدة نفسه بنفسه. ولن نوقظ الآمال الفجة أو الغير ناضجة.
إن هؤلاء الذين يولون الأمر اهتمامهم سوف يعترفون بأن الصهيونية لن
تحقق أهدافها دون التفاهم القاطع مع الوحدات السياسية المشتركة. ومن المعروف بصفة
عامة أن مشاكل الحصول على حقوق الاستعمار لم تخلقها الصهيونية في وضعها الراهن.
وان الإنسان ليعجب عن الدوافع المحركة لمروجي هذه القصص . إذ يمكن الاستحواذ على
ثقة الحكومة التي نريد التفاوض معها بخصوص توطين جماهير اليهود على نطاق واسع وذلك
عن طريق اللغة البسيطة والتعامل القويم" انتهى خطاب هرتزل
إخواني
وبني جلدتي:
لقد حدد أعدائنا من اليهود والغرب الصليبي ( أوربا وأمريكا) هدفهم في الوقت الحاضر مثلما حددوا أهدافهم في
الماضي، فهل سنأخذ دروس من الماضي؟! وما جرى لنا فيه؟! أم سنستمر في غفلتنا؟!
إذا ما تأملنا الأحداث سالفة الذكر والتي وقعت خلال الخمسين عاما التي
سبقت إعلان دولة إسرائيل لخرجنا بعدد من الدروس والعبر منها ما يخص الجانب
الصهيوني، ومنها ما يخص الجانب العربي وذلك النحو التالي:
أولا: ما يخص الجانب اليهودي الصهيوني:
الدرس الأول: تحديد الهدف:
منذ البدء حدد اليهود هدفهم وهو العودة إلى فلسطين، التي خروجوا منها
بعد التدمير الثاني للهيكل على يد الرومان ، ولذا فقد رفضوا الاندماج في المجتمعات
التي هاجروا إليها، وعاشوا في عُزلة خاصة بهم، حتى لا يذوبوا في تلك المجتمعات،
وذلك لما لديهم من موروث عقائدي بأنهم شعب الله المختار، وأن ما عداه من الشعوب أو
الجوييم ما هم إلا أملاك لليهودي.
فهرتزل المؤسس الحقيقي لدولة اليهود يرى أن العنصر اليهودي في أي
مجتمع من المجتمعات عنصر مثير للاضطراب والتمرد داخل المجتمع الأوروبي، وهذا أمر
يتعلق بطبيعة اليهودي، فهو بطبيعته لا يستطيع الحياة مع الشعوب الأخرى، وإن عاش
فلكي يكون عنصرا مدمرا لقوة هذه الشعوب ومحرضا على الثورة وقلب الأوضاع.
وقد استند هرتزل إلى هذا الرأي في مراسلاته مع ملوك وحكام أوروبا، فقد
صور لهم أن بقاء اليهود داخل المجتمعات التي يحكمونها ليس في صالح هذه المجتمعات
ولا في صالح حكوماتها، ولهذا يجب على هذه الحكومات تشجيع فكرة الصهيونية وإنشاء
الوطن اليهودي حتى تتخلص هذه الحكومات من العناصر المناهضة لها.
من رأي هرتزل السابق نفهم كيف عاش اليهود فى أوروبا فى أحياء وحارات
وأزقة يهودية،مركزين أهدافهم فى الحصول على المال والذهب بكل الطرق الشريفة أو غير
الشريفة فبالمال والذهب يمكن تسخير كل الشعوب وإخضاعها لإرادة الشعب اليهودي،
وبدأت عمليات السيطرة على مصادر المال كاحتكار التجارة والصناعة والمراقص وبيوت
الدعارة والسيطرة على وسائل الإعلام لنشر الأفكار المسمومة.
لم تكن لقرارات الكنيسة المسيحية أي أثر ملموس فى تغيير سياسة اليهود
، ففي إنجلترا اكتشفت محاكم التفتيش أن المرابين اليهود يقرضون طلبة جامعة أكسفورد
بالربا الفاحش .
ومن الغريب أن اليهود لجأوا إلى برادة أطراف العملات الذهبية للحصول
على كميات كبيرة من تراب الذهب تمكنهم من إعادة سبكها مرة أخرى ، كما شوهوا الجنيه
الإنجليزي الذهب،وساد ارتباك فى الاقتصاد الإنجليزي وكادت الأحوال المالية أن
تنهار أمام مؤامرات اليهود
وانتشر الفساد فى البلاد وظهرت لأول مرة بيوت الدعارة والملاهي
والخمارات وهو ما يتنافى مع أخلاق الشعب الإنجليزي فى ذلك الوقت مما اضطر الملك
إدوارد الأول الذي ضاق بوجود اليهود فى مملكته لأن يصدر قراراً فى عام 1290م يقضى
بطرد اليهود من إنجلترا وأعطى لهم مهلة ثلاثة شهور لمغادرة البلاد وهكذا كانت
بريطانيا أول دولة أوربية تطرد اليهود من أراضيها
ما حدث فى إنجلترا قد تكرر فى فرنسا وكادت تنهار فرنسا كما انهارت
الدولة الرومانية من قبل وكثرت حوادث المصادمات بين أفراد الشعب الفرنسي واليهود ،
وهاجم الفرنسيون الأحياء اليهودية وهدموا المعابد والمدارس اليهودية لولا تدخل
الحكومة الفرنسية، وتم طرد اليهود من فرنسا ومن أغلب دول أوربا كما تقدم قبل ذلك.
تلك الأخلاق اليهودية دفعت الأوربيون إلى السعي في إيجاد خل للمشكلة
اليهودية خارج الحدود الجغرافيا للقارة الأوربية، ومن ثمة فشل موضوع توطين اليهود
في بولندا رغم أنها فتحت أبوابها لاستقبال اليهود المطرودين من دول أوروبا، كما
رفض اليهود التوطين في الأرجنتين أو في أوغندا، وذلك لأنهم حددوا هدفهم من البداية
في العودة إلى فلسطين، رغم أن علاقتهم بها، لا تزيد شيئا يُذكر عن علاقاتهم بكل
الدول التي أقاموا فيها.
قال المؤرخ البريطاني ج.ه ويلز "موجز التاريخ"
"كانت حياة العبر انيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة
وسط طريق مزدحم فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن البدء حتى النهاية لم تكن
ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وأشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو
أكبر وأعظم من تاريخهم".
وقال: المفكر اليهودي: "شلومو ساند" في مقدمة كتابه
"اختراع الشعب اليهودي"الطبعة العربية -2010
"على ا لرغم من أن مصطلح " شعب" فضفاض، وغير واضح جدًا
، إلا أني لا أعتقد بأنه كان في أي زمن مضى شعب يهودي واحد . إن الرواية التاريخية
القائلة إن "الشعب اليهودي" قائم منذ نزول التوراة في سيناء، وإن
الإسرائيليات والإسرائيليين من ذوي الأصل اليهودي هم ذراري ذلك الشعب، الذي
"خرج" من مصر واحتل "أرض إسرائيل" واستوطن فيها لكونها
"الأرض الموعود ة" من طرف الرب، وأقام من ثم "مملكتي داوود
وسليمان" ، وإن هذا الشعب تشرد نحو ألفي عام في الدياسبورا بعد دمار الهيكل
الثاني. هي رواية غير موثوق فيها على الإطلاق ، بل إنها انتفت تمامًا ولم يكن لها
أي أنصار أو أي مريدين حتى نهاية القرن التاسع عشر".
ثم قال:
"شرعت بالتفتيش عن كتب تبحث في طرد اليهود من البلاد، وعن سبب أو
عن حدث مؤسس في التاريخ اليهودي، كالمحرقة النازية تقريبًا ، لكنني فوجئت حين تبين
لي أنه لا وجود لكتب أو أدبيات توثق مثل هذا الحد ث. والسبب بسيط وهو أنه لم يقم
أحد على الإطلاق بطرد شعب البلاد، فالرومانيون لم يطردوا شعوبًا (عقب احتلالاتهم)،
وما كان في إمكانهم القيام بذلك حتى لو رغبوا فيه، إذ لم تتوفر لديهم قطارات أو
شاحنات من أجل ترحيل أو نفي شعوب أو مجموعات سكانية بأكملها".
الدرس الثاني: التخطيط الجيد
ولقد تمثل هذا التخطيط الجيد في محاضر اجتماعات القيادات اليهودية،
والتي اُشتهرت ببروتوكولات حكماء صهيون، ونقتبس جزء من البروتوكول التاسع يوضح لنا
مدى ما وصل إليه اليهود من التخطيط المحكم والتغلغل داخل المؤسسات الحاكمة في
الدول الكبرى في ذلك الوقت وعلى رأسها
بريطانيا العظمى، ولقد استغلوا في سبيل ذلك كل شيء من: عقيدة ومال وجنس وإعلام
- يقول البروتوكول:
وأنني أستطيع في ثقة أن أصرح اليوم بأننا أصحاب التشريع، وأننا المتسلطون في الحكم، والمقررون للعقوبات،
وأننا نقضي بإعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن ـ كما هو واقع ـ أولو الأمر
الأعلون في كل الجيوش، الراكبون رؤوسها، ونحن نحكم بالقوة القاهرة، لأنه لا تزال
في أيدينا الفلول التي كانت الحزب القوي من قبل، وهي الآن خاضعة لسلطاننا، إن لنا
طموحاً لا يحد، وشرهاً لا يشبع، ونقمة لا ترحم، وبغضاء لا تحس. إننا مصدر إرهاب
بعيد المدى. وإننا نسخر في خدمتنا أناساً من جميع المذاهب والأحزاب، من رجال
يرغبون في إعادة الملكيات، واشتراكيين ، وشيوعيين، وحالمين بكل أنواع الطوبيات(1)، ولقد وضعناهم جميعاً تحت السرج، وكل واحد منهم على طريقته
الخاصة ينسف ما بقي من السلطة، ويحاول أن يحطم كل القوانين القائمة. وبهذا التدبير
تتعذب الحكومات، وتصرخ طلباً للراحة، وتستعد ـ من أجل السلام ـ لتقديم أي تضحية،
ولكننا لن نمنحهم أي سلام حتى يعترفوا في ضراعة بحكومتنا الدولية العليا.
الدرس الثالث: التنفيذ السريع المحكم
إخلاصا للهدف:
بعد القرارات الهامة التي خرج بها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا
عام 1897م، والتي من أهمها إنشاء وطن قومي
يهودي في فلسطين يضمنه القانون العام، حدد المؤتمر الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا
الغرض وهي:
1- تشجيع الاستعمار
الاستيطاني في فلسطين علي أسس مناسبة من قبل العمال الزراعيين وإنشاء مستعمرات
زراعية وعمرانية في فلسطين.
2- إنشاء منظمة تربط يهود
العالم، وذلك عن طريق منظمات محلية تابعة لها في كل بلد يتواجد فيه اليهود.
3- تقوية الشعور القومي
وتعزيزه لدي اليهود.
4- اتخاذ خطوات تمهيدية من
اجل الحصول علي موافقة حكومة دولية لتحقيق أهداف الصهيونية
هرتزل والسعي لقيام دولة بني صهيون:
بعد أن تم انتخاب هرتزل رئيسا المنظمة الصهيونية العالمية وبدأ علي
الفور بإجراء اتصالات دولية فأجري هرتزل اتصالات مع الدولة العثمانية بهدف السماح
لليهود بالهجرة إلي فلسطين غير إن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني رفض ذلك،
بعد أن تأكد هرتزل انه من المستحيل إقناع السلطان أو شراؤه بالمال
لذلك دبر الصهاينة مؤامرة لخلعه، و زج تركيا في حرب عالمية، والتقت مصلحة اليهود
مع مصلحة جماعة يهود الدونمة في مجلس تركيا الفتاة للإطاحة بالسلطان، وفعلا ابلغ
السلطان بخلعه في 24/4/1909م.
فقد استطاعت (جمعية تركيا الفتاة) من خلال البرلمان التركي أن تجمع
حولها مجموعة من زعماء العثمانيين، وعزلت السلطان عبد الحميد الثاني قضاءً، وعينت
هذه اللجنة سلطاناً آخر بحيث يكون الحكم الفعلي للجمعية، وقد تركز النفوذ في
الحكومة التركية بأيدي ثلاثة وزراء يهود. وبعد ذلك بستة أشهر قامت ثورات شعبية
تعترض على هذا التشكيل اليهودي الواضح، فقتلت بعض زعماء الحرب، وأعادت السلطان،
غير أن اليهود أوعزوا لـ (مصطفى كمال) الذي كان يدير الجيش للتحرك لقمع الثورة،
وفعلاً احتل الجيش عاصمة الخلافة، وأسقط السلطان مرة ثانية، وتم نفيه للخارج، وتم
بذلك تثبيت حكم اليهود في تركيا، وتم إصدار مجموعة قوانين منها السماح بالهجرة
اليهودية والسماح لليهود بشراء الأراضي.
فاتجه هرتزل بعد ذلك إلي كل من فرنسا وروسيا القيصرية وألمانيا، ولكنه
فشل في محادثاته معها، ثم اتجه إلي انجلترا، ولكن الحكومة البريطانية رفضت تعضيد
أطماع الصهيونية في فلسطين، خشية إغضاب الدولة العثمانية؛ مما جعل هرتزل يعرض
مشروعات بديلة فاقترح علي الحكومة البريطانية باستيطان جزيرة قبرص فرفضت بريطانيا
طلبه كما رفضت طلبا أخر باستيطان اليهود في العريش وعرضت بريطانيا علي هرتزل
أوغندا كمكان لاستيطان اليهود فيها، وقد وافق هرتزل علي ذلك بينما عارضه كثير من
زعماء الصهيونية.
حاييم وايزمان والسعي لقيام دولة بني صهيون
توفي هرتزل في عام 1904م، وخلفه حاييم وايزمان في زعامة المنظمة
الصهيونية العالمية والذي كان له (حاييم وايزمان) نفوذ واسع في انجلترا وتربطه
بساستها صداقة حميمة، ونتيجة لتلاقي أهداف الاستعمار التي حددها مؤتمر كامبل
بانرمان في لندن عام 1907م والتي تقضي بتمزيق البلاد العربية وتفتيتها عن طريق
إنشاء حاجز بشري يفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، فاغتنم وايزمان الفرصة وقدم
مذكرة إلي الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
أيد الوزير البريطاني هربرت صموئيل اليهودي تأسيس دولة يهودية في
فلسطين تحت إشراف بريطانيا فقدم مذكرة إلي حكومته يقترح فيها ذلك، وقد حظيت مذكرة
هربرت صموئيل بموافقة عدد من السياسيين البريطانيين أمثال: بلفور، ولويد جورج،
ومثلت نموذجا للتخطيط الاستعماري البريطاني الذي تمخض عنه صدور تصريح بلفور.
لقد تطورت السياسة البريطانية تجاه الصهيونية من العطف كما جاء في
تصريح بلفور عام 1917م، إلي الالتزام بتنفيذ ما جاء في التصريح، وذلك في أعقاب
الاحتلال البريطاني لفلسطين بقيادة الجنرال اللبني الذي دخلت جيوشه القدس في 11
ديسمبر 1917م، أي بعد فترة من إعلان ذلك التصريح.
وأعلن اللنبي الأحكام العسكرية، وشكل إدارة عسكرية تتولي شؤون البلاد،
وقد اتصفت فترة الحكم العسكري في فلسطين بثلاث مظاهر رئيسية هي: الحكم المطلق،
وسيطرة العناصر اليهودية علي الإدارة العسكرية، والمحافظة علي بعض الأنظمة
العثمانية في إدارة البلاد والتي كانت تخدم أهداف ومصالح الاحتلال العسكري ومصالحه
في فلسطين.
ومهما كان الأمر، فان الصهاينة لم يكتفوا باستصدار تصريح بلفور بل
عملوا جاهدين من خلال توافق سياستهم مع السياسة الاستعمارية البريطانية علي كسب
تأييد الدول الكبرى الأخرى لذلك التصريح لكي يكسب شرعية دولية، وقد أثمرت جهودهم
تلك قبل صدور التصريح نفسه حينما جاء أول تأييد دولي من رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية ولسون وفي 14 فبراير عام 1918م
وافقت عليه فرنسا كما أيدته، واعترفت به ايطاليا في 9 مايو من العام نفسه.
ولم يمض وقت طويل علي انتهاء الحرب العالمية الأولي واستسلام تركيا في
تاريخ 30 أكتوبر 1918م حتى قرر المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح في باريس في عام 1919م
عدم إمكانية إعادة المقاطعات العربية المحتلة ومنها فلسطين إلي الحكم العثماني.
وفي تاريخ 25 ابريل 1920م قرر مجلس الحلفاء المنعقد في سان ريمو وضع
فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وقبل أن تصادق عصبة الأمم علي هذا القرار كانت
بريطانيا قد سارعت في عام 1920م إلي إقامة إدارة مدنية لتحكم بواسطتها فلسطين،
وعينت أول مندوب سام لها هناك وهو احد كبار الصهاينة البريطانيين هو السير هربرت
صموئيل والذي كان له اليد العليا في إصدار وعد بلفور، وهكذا تشكلت الإدارة المدنية
الجديدة التي أخذت علي عاتقها تنفيذ الساسة البريطانية بجعل فلسطين وطنا قوميا
لليهود، وذلك أثناء فترة الانتداب البريطاني علي فلسطين.
فبمجرد صدور قرار مؤتمر سان ريمو لدول الحلفاء عام 1920م بالموافقة
علي تصريح بلفور وانتداب بريطانيا علي فلسطين، حتى سارعت الدبلوماسية البريطانية
والصهيونية إلي العمل في عصبة الأمم للحصول علي صك الانتداب البريطاني يكون بمثابة
تصديق دولي رسمي لذلك القرار ويتضمن الخطوات الكفيلة بتنفيذ تصريح بلفور، أي بناء
الوطن القومي اليهودي بإشراف الانتداب البريطاني.
حافلة بريطانية مُجهزة لحماية اليهود من الحجار والقنابل اليدوية
هذا وقد وضعت مسودات صك الانتداب كتصريح بلفور بالتشاور السري بين
الحكومة البريطانية حيث أن مؤتمر الصلح في باريس قد طلب من المنظمة الصهيونية
العالمية أن تصوغ مقترحاتها بشأن الانتداب علي فلسطين في مشروع متكامل فوضعته
وقدمته إلي الحكومة البريطانية ب تاريخ 15 يوليو 1919م، فأدخلت فيه بعض التعديلات
وقدمته إلي عصبة الأمم بتاريخ 6 ديسمبر 1920م، وفي النهاية صودق عليه في مجلس
العموم بتاريخ 29 سبتمبر 1923م
في أثناء الحرب العالمية الثانية حدث تطور مهم في علاقات الحركة
الصهيونية مع الولايات المتحدة الأمريكية،
ففي عام 1942م عقدت الحركة الصهيونية مؤتمرها في فندق بلتيمور في نيويورك
وطالبت علنا وبصراحة بإقامة دولة يهودية في فلسطين وإنشاء جيش يهودي، وفتح باب
الهجرة إلي فلسطين بدون قيود.
وقد تنافس الحزبان الأمريكان: الديمقراطي والجمهوري علي تأييد مطالب
الحركة الصهيونية، وبذلك يمكن القول أن الحركة الصهيونية منذ هذا التاريخ أصبحت
مرتبطة بصورة علنية بالولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تضغط علي بريطانيا
لتحقيق مطالب اليهود في فلسطين.
وبعد هذا التأييد العلني من أمريكا للصهيونية أخذت الوكالة اليهودية
تدرب جيش الهاغاناه علي أيدي الضباط الإنجليز، وشكلت بريطانيا فليقا يهوديا بضباطه
وجنوده وضمته إلي جيوش الحلفاء ليكون نواة جيش الدولة اليهودية بعد انتهاء الحرب.
بوش وكيري أعضاء في منظمة الجمجمة والعظام
وبالرغم من كل المساعدات المالية والعسكرية والسياسية التي قدمتها
بريطانيا لليهود في فلسطين، قام اليهود بثورة ضد بريطانيا لإجبارها علي فتح باب
الهجرة والسيطرة علي الأرضي الفلسطينية، واخذوا يأسرون الضباط البريطانيين ويقتلون
الجنود ويصلبونهم علي الشجر وأعمدة الكهرباء بعد تعذيبهم وقتلهم، ثم أطلقوا النار
علي المندوب السامي وزوجته، ولم تكن بريطانيا تتخذ ضدهم إلا ابسط الإجراءات مثل
تغريم المستعمرة التي التجأ إليها الإرهابيون خمسمائة جنيه فقط ولم تحصلها، في
الوقت الذي كانت فيه تتخذ ضد العرب اقسي العقوبات من إعدام وسجن وتدمير للبيوت
وحرق للمزروعات.
ولم يكتف اليهود بقتال الإنجليز داخل فلسطين بل قاموا باغتيال وزير
الدولة البريطاني في القاهرة اللورد موين، معتمدين في أعمالهم الإرهابية هذه علي
التأييد الأمريكي الكامل الذي أعلنته الحكومة الأمريكية، مستغلين في الوقت نفسه
انشغال بريطانيا في حربها ضد ألمانيا.
وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية زاد ضغط الولايات المتحدة
الأمريكية علي بريطانيا من اجل أن تسمح بهجرة اليهود إلي فلسطين بدون قيد أو شرط،
ورضخت الحكومة البريطانية للضغوط الأمريكية، وأصبح الفلسطينيون يواجهون بريطانيا
العظمي والولايات المتحدة الأمريكية وهما من اكبر الدول في العالم في ذلك الوقت،
بالإضافة إلي الحركة الصهيونية والدول الأخرى المؤيدة لها.
الدرس الرابع: تحديد الوسائل:
من أبرز الوسائل التي استعان بها اليهود لتحقيق أهدافهم:
(1) العقيدة:
أفكار ثابتة لا تُشكل الفكر اليهودي فحسب بل تُشكل العقيدة اليهودية،
ومن تلك الأفكار:
(أ) أن اليهود شعب الله المختار المفضل على غيره من
الشعوب، والتي قد لا ترقى من وجهة نظر اليهودي لمستوى الحيوان، يُطلق
عليها الجوييم، ومن ثمة تكون تلك الشعوب بمثابة العبيد، وهو سيدها المطلق.
مصطلح «الشعب المختار» ترجمة للعبارة العبرية «هاعم هنفحار»، ويوجد
معنى الاختيار في عبارة مثل «عم سيجولاه»، أو «عم نيحلاه» أي «الشعب الكنز».
وإيمان بعض اليهود بأنهم شعب مختار مقولة أساسية في النسق الديني اليهودي، وتعبير
آخر عن الطبقة الحلولية التي تشكلت داخل التركيب اليهودي وتراكمت فيه(2)
الحلولية هي الاعتقاد بأن الإله يحل في بعض بني الإنسان، وقد عرفت هذه
الفكرة في المسيحية حيث يعتقدون أن الله حل في المسيح (3)
والثالوث الحلولي مُكوَّن من الإله والأرض والشعب، فيحل الإله في
الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً،
ومقدَّساً وأزلياً (وهذه بعض سمات الإله). ولهذا السبب، يُشار إلى الشعب اليهودي
بأنه «عم قادوش»، أي «الشعب المقدَّس» و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، و«عم
نيتسح»، أي «الشعب الأبدي».
وقد جاء في سفر التثنية (14/2) "لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد
اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض".
في سفر التثنية 7:7-9 تخبرنا، "ليس من كونكم أكثر من سائر
الشعوب، التصق الرب بكم واختاركم، لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة الرب
إياكم، وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم، أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت
العبودية من يد فرعون ملك مصر، فأعلم أن الرب إلهك هو الله، الإله الأمين، الحافظ
العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلي ألف جيل".
والفكرة نفسها تتواتر في سفر
اللاويين (20/24، 26): "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب... وتكونون لي
قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي". ويشـكر
اليهــودي إلهه في كل الصلــوات لاختيــاره الشعب اليهودي. وحينما يقع الاختيار
على أحد المصلين لقــراءة التــوراة عليه أن يحمد الإله لاختياره هذا الشعـب دون
الشعـوب الأخــرى، ولمنحه التوراة عـلامة على التميز.
هذه هي الصورة المكذوبة و المقدسة التي تقدمها كتب اليهود الدينية
لشخصية اليهودي، والتي منها تتشكل عقيدة اليهود. وهي قداسة الشخصية اليهودية
الناجمة عن الحلول الإلهي في الشعب اليهودي.
ولاشك أن هذه الصورة المقدسة لليهودي كذبة كبرى من اختراع اليهود
أنفسهم، فقد يكون الحق تبارك وتعالى قد فضل اليهود في العهد القديم على منْ
عاصروهم من الوثنيين أيام الوثنية وأيام أن كان اليهود هم المؤمنين بالله وسط هذا
العالم الوثني، أما أن يظل ذلك التفضيل لليهود مع نزول رسالتين سماويتين بعد
اليهودية وهما المسيحية والإسلام، وعدم إيمان اليهود بهما، هذا بخلاف عدم التزام
الشعب اليهودي بالعهد مع الله أو مع رسله – عليهم السلام – يُضاف إلى ذلك عدم
التزام اليهود بأدنى مبادئ الأخلاق التي هي أساس الرسالات السماوية ومع كل هذا
يستمر وصف اليهود بأنهم شعب الله المختار، فهذا ما لا يقبله عقل ولا نقل والدليل
على ذلك من:
التوراة:
ها هي التوراة تُحدثنا عن فساد ذلك الشعب وعدم التزامه فتقول:
" الأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع، غيروا الفريضة،
نكثوا العهد الأبدي، لذلك لعنة أكلت الأرض وعوقب الساكنون فيها. لذلك احترق سكان
الأرض وبقي أناس، قلائل" أ ش
54:5"
و " قد رجعوا إلي آثام آبائهم الأولين الذين أبوا أن يسمعوا
كلامي وقد ذهبوا وراء آلهة أخري ليعبدوها وها قد نقض بيت إسرائيل عهدي الذي قطعته
مع آبائهم" آر 11: 10. "هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا".
القرآن الكريم:
قال تعالى:{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ
وَأَحِبَّٰؤُهُ
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ
يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }سورة المائدة – 18 -
قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَوَّفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنْ الْيَهُود الْعِقَاب فَقَالُوا : لَا نَخَاف فَإِنَّا
أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ ; فَنَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ اِبْن إِسْحَاق :
أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَان بْن أَضَا
وَبَحْرِيّ بْن عَمْرو وَشَأْس بْن عَدِيّ فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ ,
وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته فَقَالُوا : مَا
تُخَوِّفنَا يَا مُحَمَّد ؟ ; نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , كَقَوْلِ
النَّصَارَى ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ " وَقَالَتْ
الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ
يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة .
قَالَ لَهُمْ مُعَاذ بْن جَبَل وَسَعْد بْن عُبَادَة وَعُقْبَة بْن
وَهْب : يَا مَعْشَر يَهُود اِتَّقُوا اللَّه , فَو َاَللَّهِ إِنَّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه , وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا
قَبْل مَبْعَثه , وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ ; فَقَالَ رَافِع بْن
حُرَيْمِلَة وَوَهْب بْن يَهُوذَا : مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ , وَلَا أَنْزَلَ
اللَّه مِنْ كِتَاب بَعْد مُوسَى , وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا مِنْ
بَعْده ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل " إِلَى
قَوْله : " وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير " . السُّدِّيّ :
زَعَمَتْ الْيَهُود أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيل
عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ وَلَدك بِكْرِي مِنْ الْوَلَد . قَالَ غَيْره :
وَالنَّصَارَى قَالَتْ نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه ; لِأَنَّ فِي الْإِنْجِيل حِكَايَة
عَنْ عِيسَى " أَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ " , وَقِيلَ :
الْمَعْنَى : نَحْنُ أَبْنَاء رُسُل اللَّه , فَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف .
وَبِالْجُمْلَةِ .
فَإِنَّهُمْ رَأَوْا لِأَنْفُسِهِمْ فَضْلًا ; فَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ
فَقَالَ{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ
مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(4)
(ب) أن أرض فلسطين حق مكتسب
كمنحة لا ترد ولا تُستبدل منحها لهم إلههم الذي يعبدون، وأنه لا حق
يٌقابل تلك المنحة وذلك الوعد الممنوح لهم من إلههم، ويستدلون على ذلك بما:
- جاء في سفر
التكوين, الإصحاح 17, العدد 18, يقول الرب مخاطباً إبراهيم: "وأعطي لك ولنسلك
من بعدك أرض غربتك, كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون ألههم".
- وفي سفر التكوين 15:18-21 : حدود أرض الميعاد هو توضيح لأراضي الشعوب
القديمة المختلفة، على النحو التالي :
"وفي ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام عهدا، وقال :" لنسلك أعطي
هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات—أرض القينيين، القنزيين،
القدمونيين والحثيين والفرزيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين
".
- سفر الخروج : 33: 1 و قال الرب لموسى اذهب اصعد من هنا أنت و الشعب
الذي أصعدته من ارض مصر إلى الأرض التي حلفت لإبراهيم و اسحق و يعقوب قائلا لنسلك أعطيها
.
- تثنية : 34: 4 "و قال له الرب هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم
و اسحق و يعقوب قائلا لنسلك أعطيها [موسى] قد أريتك إياها بعينيك و لكنك إلى هناك
لا تعبر .
يدور الفكر اليهودي الحلولى دوماً حول ثلاثية الإله والأرض والشعب،
فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح
شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً.
فاليهود يعتقدون أن الوعد في البدء كان لإبراهيم ولكنه انتقل إلى ابنه
إسحاق ثم إلى يعقوب ومن ثم أبناء وأحفاده، إلى أن وصل إلى موسى ثم إلى اليهود
الحاليون.
وهنا نقول إذا كان الحق – تبارك وتعالى – قد منح اليهود أرض فلسطين
كما يزعمون، فإن ذلك المنح من الله مشروط
بطاعة وتنفيذ أمره، وأن الوصية بالوعد بتوريث الأرض مشمولة بالوعيد بالعذاب
والشتات إذا ما انقلبوا عن طاعة الله ومصداق ذلك ما جاء في:
الكتاب المقدس:
- جاء في الإصحاح 4 من العدد 25-27من سفر التثنية "إذا ولدتم
أولاداً، وأولاد أولاد، وأطلتم الزمان في الأرض وفسدتم وصنعتم تمثالاً منحوتاً
صورة شيء ما، وفعلتم الشر في عيني الرب إلهكم لإغاظته. أشهد عليكم اليوم السماء
والأرض أنكم تبيدون سريعا عن الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها. لا
تطيلون الأيام عليها بل تهلكون لا محالة. ويبددكم الرب في الشعوب فتبقون عدداً
قليلاً بين الأمم التي يسوقكم الرب إليها"
- جاء في الإصحاح8 العدد17- 20من نفس السفر: "لئلا تقول في قلبك:
قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة. بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يعطيك قوة
لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي أقسم لآبائك كما في هذا اليوم. وإن نسيت الرب
إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا
محالة. كالشعوب الذين يبيدهم الرب من أمامكم كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول
الرب إلهكم".
- ومثل ذلك جاء في التوراة السامرية ، وفيها على غرار ما جاء في نص
العبرانية الأخير: "ولئلا تقول في سرك حيلي وعظم يدي اصطنعت لي الأيسار هذا.
بل تذكر الله إلهك أنه المعطي لك القدرة على اكتساب الغنى حتى يثبت عهده الذي أقسم
لآبائك، لإبراهيم ولإسحاق وليعقوب كاليوم هذا. وتكون إن نسيان تنسي الله إلهك فتضل
في إتباع آلهة آخر وتعبدها وتسجد لها، أشهدت عليكم اليوم، أن هلاكا تهلكون.
كالشعوب الذين الله مهلك من قدامكم كذلك تهلكون جزاء أن لم تسمعوا من أمر الله
إلهكم.
- جاء فى الإصحاح التاسع منها 4-6 "لا تقل في سرك إذ يدفع الله
إلهك إياهم من بين يديك قولاً: لزكاتي أدخلني الله لوراثة الأرض هذه، ولفجور
الشعوب هؤلاء الله قارضهم من بين يديك. ليس بزكاتك ولا بسلامة قلبك أنت داخل
لوراثة أرضهم، بل لفجور الشعوب هؤلاء الله قارضهم من بين يديك وحتى يثبت الأمر
الذي أقسم لآبائك لإبراهيم ولإسحاق وليعقوب. فاعلم أن ليس لزكاتك الله إلهك معطيك
الأرض الحسنة هذه وراثة إذ شعب قاسى العرف أنت".
- جاء في العدد الأول من نفس النسخة والسفر والإصحاح: "كل
الوصايا التي أنا موصيك اليوم تحفظون للامتثال حتى تبقوا وتكثروا وتدخلوا وترثوا
الأرض التي أقسم الله لآبائكم".
وفي مثيلها من التوراة العبرانية: "جميع الوصايا التي أنا أوصيكم
بها اليوم تحفظون لتعملوها لكي تحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أقسم
الرب لآبائكم"، وفي الإصحاح 11عدد8، 9تثنية: "احفظوا كل الوصايا التي
أنا أوصيكم بها اليوم لكي تتشددوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي انتم عابرون إليها
لتمتلكوها. ولكي تطيلوا الأيام على الأرض التي أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم
ولنسلهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً".
- جاء فى سفر اللاويين 20: 22-24 "تحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي
وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها. ولا تسلكون في
رسوم الشعوب التي أنا طاردهم من أمامكم، لأنهم قد فعلوا كل هذا فكرهتهم. وقلت لكم
ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها أرضا تفيض لبناً وعسلاً، أنا الرب
إلهكم الذي ميزكم من الشعوب".
وليس هناك أكثر صراحة من ارتباط وتوقف التمكين لليهود والاستخلاف في
الأرض المقدسة - سواء الذي حدث لهم أيام موسى أو ما أعقبها في عهد سليمان- على أمر
الطاعة لله وحفظ الوصايا، مما جاء في سفر
الملوك الأول9: 3-9 في مخاطبة الله لسليمان بن داود عليهما وعلى نبينا الصلاة
والسلام وفيه: "قال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعتَ به أمامي،
قدستُ هذا البيت الذي بنيتَه لأجل وضع اسمي فيه إلي الأبد وتكون عيناي وقلبي هناك
كل الأيام. وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامةٍ وعملت حسب
كل ما أوصيتك وحفظت فرائضي وأحكامي. فإني أقيم كرسيَّ ملكك على إسرائيل إلى الأبد
كما كلمت داود أباك قائلأً: لا يعدم لك رجل عن كرسيّ إسرائيل. إن كنتم تنقلبون
أنتم أو أبناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي – فرائضي- التي جعلتها أمامكم بل
تذهبون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها. فإني أقطع إسرائيل عن وجه الأرض التي
أعطيتهم إياها والبيت الذي قدسته لاسمي أنفيه من أمامي ويكون إسرائيل مثلا وهزأة
في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة، كل من يمر عليه يتعجب ويصْفُرُ ويقولون
لماذا عمل الرب هكذا لهذه الأرض ولهذا البيت. فيقولون من أجل أنهم تركوا الرب
إلههم الذي أخرج آباءهم من أرض مصر وتمسكوا بآلهة أخرى وسجدوا لها وعبدوها، لذلك
جلب الرب عليهم كل هذا الشر".
- وجاء في سفر التثنية 30: 15-20على لسان موسى عليه السلام:
"أنظر، قد جعلتُ اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر. بما أنى أوصيتك
اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك في طرقه وتحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه لكي تحيا
وتنمو ويباركك الرب إلهك في الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها. فإن انصرف
قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها. فإني أنبئكم اليوم أنكم لا محالة
تهلكون، لا تطيل الأيام على الأرض التي أنت عابر الأردن لكي تدخلها وتمتلكها. أشهد
عليكم اليوم السماء والأرض، قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر
الحياة لكي تحيا أنت ونسلك. إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به لأنه هو حياتك
والذي يُطيل أيامك لكي تسكن على الأرض التي حلف الرب لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب
أن يعطيهم إياها".
والسؤال: هل وفي بنو إسرائيل بعهودهم ومواثيقهم؟! وهل نفذوا تعاليم
دينهم؟! وهل التزموا بأوامر أنبيائهم؟! وهل تغير حال أشياعهم .. في واقعنا المعاصر
عن حال أسلافهم في الأزمان الغابرة؟!. بالطبع لا.
فقد جاءت تصريحات التوراة والإنجيل والقرآن لتؤكد: عبادة القوم ومن
تلاهم من الأبناء والأحفاد لغير الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقضهم المواثيق
التي أخذها الله عليهم في معظم فترات حياتهم، مما يعنى أن ما حُكى عنهم في هذا
الصدد مما لا يستطيعون إنكاره أو تكذيبه هو الذي أدي بهم إلى إيقاع وعيد الله بهم
من تشتيت ومحق كانوا هم السبب فيه.
- ففي سفر الملوك الثاني 17: 11- 20 "عملوا أموراً قبيحة لإغاظة
الرب. وعبدوا الأصنام التي قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الأمر. وأشهد الرب على
إسرائيل وعلى يهوذا ـ أي بنيهما ـ عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلا: ارجعوا عن
طرقكم الردية واحفظوا وصاياي- فرائضي- حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم والتي
أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيهم كأفقية آبائهم
الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته
التي شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً وراء الأمم الذين حولهم
الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم. وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا
لأنفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواريَ وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل.
وعبّروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في
عيني الرب لأغاظته. فغضب الرب جداً علي إسرائيل ونحاهم من إمامه ولم يبق إلا سبط
يهوذا وحده. ويهوذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل
التي عملوها. فرذل الرب كل نسل بني إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من
أمامه"، فهل بعد تحدي الرب وإغاظته وإعلان الكفر به وعبادة العجل والأصنام
وجند السماء وغير ذلك من دونه، من ذنب؟.
البحر ينشق لموسى - عليه السلام - فيعبر بنو إسرائيل هربا من فرعون
- وعلى لسان موسى كليم الله ورد في سفر التثنية 9: 23، 24 "عصيتم
قول الرب إلهكم ولم تصدقوه ولم تسمعوا لقوله. قد كنتم تعصون الرب منذ يوم
عرفتكم"، وفيه31: 27-30 يقول: "إني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو
ذا وأنا بعد حيّ معكم، اليوم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحريّ بعد موتي. اجمعوا
إلىّ كل شيوخ أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليكم السماء
والأرض .لأني عارف أنكم بعد موتى تفسدون وتزيغون عن الطريق ألذي أوصيتكم به
ويصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال
أيديكم. فنطق موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل بكلمات هذا النشيد إلى تمامه"،
وأقام عليهم بذلك حجة الله.
قال عيسى - لبني إسرائيل - أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء
الإنجيل:
- وفي الإنجيل على لسان عيسى روح الله جاء في إنجيل متى 23: 31-33
"أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مكيال
آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم". (5)
موسى يعظ بني إسرائيل.
القرآن الكريم:
- وفي القرآن الكريم نفس المعنى في سورة النساء قال تعالى:
{153} يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ
كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا
أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ
ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا{154} وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ
الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا
لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا{155}
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ
اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا{156}
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا{157}
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا
اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
- وفي سورة طه قال تعالى:
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ
لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى {78} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ
الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {79} وَأَضَلَّ
فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى {80}
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ
جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى {81} كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ
فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى {82} وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
ثُمَّ اهْتَدَى {83} وَمَا
أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى {84}
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى {85} قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ
وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ {86} فَرَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ
رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ
يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي {87} قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا
حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى
السَّامِرِيُّ {88} فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا
جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ {89} أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا
يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا {90}
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ
وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي {91} قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ
إِلَيْنَا مُوسَى}
(ج) أن لليهود الحق المطلق
والكامل في حكم وتسيد العالم، فهم السادة فكيف بهم
يرضوا أن يعبث بمقدرات العالم بعض العبيد، الذين هم في الحقيقة عبيد لليهود، كما
يزعمون.
وبناء على تلك الأفكار التي تتشكل منها عقيدة اليهود، والتي اعتمدوا في
تكوينها على توراتهم المزيفة، وتلمودهم المسموم، وأقوال حاخاماتهم الفاسدون فقد
عمدوا من خلال بروتوكولات حكمائهم الهدامة في وضع خطة محكمة التنفيذ( تعتمد على كل
ما هو غير أخلاقي حسب مبدأ الغاية تُبرر الوسيلة)
تصل بهم في نهاية المطاف إلى حكم وتسيد العالم، على أن يمر ذلك بعدة مراحل
هي:
المرحلة الأولى: وفيها يتم قيام وتجميع أكبر قدر من اليهود على أرض
الشتات أو الميعاد وإقامة دولة إسرائيل الصغرى على تلك الأرض، وهذا ما تحقق لهم
عام 1948 وأقاموا دولتهم على أرض فلسطين.
خريطة اسرائيل الكبرى كما تدرس في مدارسهم
المرحلة الثانية: وفيها يتم إقامة دولة إسرائيل الكبرى والتي تمتد من
النيل إلى الفرات، وهي المرحلة التي هم بصدد تنفيذها على أرض الواقع بعد أن قطعوا
شوطا طويلا في طريق الوصول إلى هدفهم من خلال تدمير العراق، وتقسيمه ووضعه على
أبواب الحرب الأهلية، وذلك بفضل مساعدة الغرب الصليبي ( أوربا وأمريكا) يُضاف
إليهم الأغبياء من حكام عالمنا العربي، أضف إلى ذلك ما تم من تقسيم للسودان، وما
يحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن ثم السعودية في نهاية المطاف.
- المرحلة الثالثة: وفيها إقامة حكم إسرائيل للعالم من خلال اقتلاع
البابا الكاثوليكي الحليف القديم لهم من على كرسي البابوية في روما وجلوس ملكهم
المنتظر أو مشياحهم المنتظر من نسل الملك داود – عليه السلام – ليحكم العالم الذي
سيخضع لسلطان بني يهود.
وهكذا تحولت التوراة على يد أحبار
اليهود:من كتاب هداية وحق وأمر بمعروف ونهي عن منكر إلى طلاب دنيا وبلاغات حرب
وأصبحت تدور حول تأريخ بني إسرائيل وتمليك أرض فلسطين وتوزع أدوارها وتسمي أسفارها
الخمسة تبعا لها:
1 - سفر التكوين: تكوين قبيلة بني إسرائيل.
2 - سفر الخروج: خروج بني إسرائيل من مصر على
يد موسى.
3 - سفر العدد: أعداد الخارجين من مصر على يد
موسى.
4 - سفر الأحبار: كهنة بني إسرائيل وطقوسهم.
5 - سفر التثنية: إعادة ما سبق تقريره من
أحكام وخطط لامتلاك الأرض وإبادة أصحابها وتوزيعها على بني إسرائيل.
وهكذا أصبحت رسالة موسى أن يثير حربا ويملك
أرضا لا أن يخرج قومه من الظلمات إلى النور، تحولت التوراة إلى كتاب قومية وتأريخ لمعارك
حربية لا تقرأ فيها دعوة إلى خير عام مثل:
1 - العدل والإحسان والنهي عن الفحشاء
والمنكر والبغي.
2 - أخوة عامة ورحم إنسانية (يا أيها الناس
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء
واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام).
3 - التزام الحق المطلق (كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله ولو على أنفسكم).
4 - ارتقاء الكمال الإنساني (أدوا الأمانات
إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
لا تجد شيئا من ذلك مما هو أصل في كل دين
وضروري لأمن الحياة وسعادة الناس.
وإنما تجد الانفراد بالخير والإضرار بالغير
(لأخيك لا تقرض بربا للأجنبي اقرض بربا) ، والانحصار في الشعب والصاحب والأخ
والقريب (أحبب قريبك وأعن أخاك ولا تحقد على شعبك لا تشته امرأة صاحبك) أما غيرهم
فما عليهم في إيذائهم من سبيل، بل إنك تجد الأمر بالقسوة وعدم الشفقة أو الرحمة في
معاملة الغير (فلا تشفق عليهم ولا تقطع لهم عهدا) (إذا قربت من مدينة لتحاربها
فادعها للسلم فإن استجابت فتكون تحت الجزية وكل ما فيها يستعبد لك وإن رفضت ودفعها
الرب إلهك إلى يدك فتحر بما تحرمها بالسيف تقتل الرجال والنساء والأطفال).
قال الشيخ:عبد المعز عبد الستار
وقد حدثنا الإمام فقيد الإسلام السيد محمد
أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين رحمه الله قال: كنت
أرد زيارة للمندوب البريطاني حاكم فلسطين فقال لي: إن أمي علمت بوجودك وتود
مقابلتك فقلت له: أهلا وسهلا.
وجاءت العجوز فكان أول ما قالته لي أرجوك ألا
تقف ضد إرادة الرب فقلت لها: يا سيدة ومن يستطيع أن يقف ضد إرادة الرب؟ قالت: أنت.
قلت لها: كيف؟ قالت: لأنك لا تريد أن تعطيهم الأرض التي أعطاها الله لهم. قلت:
إنها أرضي وبيتي وكيف يعطيها الله لهم وأنا أين أذهب؟ قالت: إنها إرادة الله ولما
انتهت المقابلة قلت لابنها: إن والدتك طيبة متأثرة باليهود.
قال: لا، بل نحن البروتستانت نؤمن بهذا
والأناجيل تبشر به.
ولما أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض 1939 م
تحدد فيه أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين سنويا بمائة ألف، ثار اليهود وسيروا
المظاهرات في عواصم أوروبا تهتف:
الكتاب المقدس لا الكتاب الأبيض يعطينا حقنا
في فلسطين.
التوراة لا الكتاب الأبيض تعطينا حقنا في
فلسطين.
العهد القديم والعهد الجديد وثائق حقنا في
فلسطين.(6)
وللأسف الشديد فقد نجح اليهود في تنفيذ المرحلة الأولى من خطتهم
بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فهل سينجحون في المرحلتين الثانيتين في إقامة
إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات؟! ثم في حكم وتسيد العالم؟!
جنازة يهودية بحراسة الجنود البريطانيين سنة 1936
(2) العلاقات وعقدة التحالفات مع الدول
الكبرى
(أ) العلاقة مع بريطانيا:
لقد بُني التحالف البريطاني الصهيوني على مرتكزات وقواسم دينية مشتركة
ومصالح استراتيجية استعمارية استغلتها الحركة الصهيونية لتحقيق مشروعها في فلسطين.
انطوى هذا التحالف على أن تقوم بريطانيا، وبالتعاون مع الدول الكبرى،
بتنفيذ المشروع الاستيطاني بانتهاج سياسيات إدارية وعسكرية، بدأت بتقاسم التركة
العثمانية بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، لتنتهي بالانتداب
البريطاني على فلسطين لرعاية إقامة الوطن القومي اليهودي، وتحت غطاء ودعم دولي
واضح.
مثلت قضية اليهود في البلدان الأوروبية مجال اهتمام الزعماء اليهود
والأوروبيين في صورة مشكلة اجتاحت تفكير الساسة، واحتاجت إلى التفكير في حلها،
الأمر الذي وجد أسسه في أبعاد دينية واقتصادية وسياسية مشتركة.وبنمو مشاعر
اللاسامية والتهجير الذي تعرض له اليهود من بلدان أوروبا الشرقية، تتحول المشكلة اليهودية
إلى مأزق أوروبي ب ذلت من أجل حله جهود عديدة كان أهمها العمل على توطين اليهود
خارج البلدان .الأوربية (1995:3Shimoni)
هذا وقام التحالف البريطاني الصهيوني على دافعين أساسيين هما:
(1)
الدافع الديني:
شكل الصراع الإسلامي- المسيحي ابتداء بالفتوحات الإسلامية، ومرورا
بالحروب الصليبية، وانتهاء بالصراع مع الدولة العثمانية، مقدمات تاريخية مغلفة
بالبعد الديني العقائدي لبناء تحالف أوروبي- يهودي قادته بريطانيا، باعتبارها القوة
العالمية المهيمنة، وضمن إطار حربها مع الإمبراطورية الإسلامية العثمانية. (7)
فكان أن استند هذا التحالف على الأفكار والعقائد الدينية
المسيحية-اليهودية المشتركة التي شكلت أرضية لخلق تعاطف أوروبي على المستوى الشعبي
والنخبوي مع اليهود.فالأفكار البروتستانتية دفعت نحو تجميل صورة اليهود والتعاطف
معهم، من خلال ما تضمنته الأدبيات الدينية المسيحية، كما جاء في كتاب مارتن لوثر
"المسيح ولد يهوديا"، كذلك أفكار الفرنسي جون كالفن التي ساهمت برفع شأن
اليهود ومعتقداتهم
التوراتية في أوروبا بنشوء الجماعات الطهورية أو التطهيرية شديدة
المحافظة على التقاليد العبرانية التي تعتبر اليهود جزءا" هاما" من خطة
قدرها الرب بصفتهم شعب الله المختار في
أرضهم المختارة "كنعان الجديدة" (8)
في سياق ذلك شكلت "التنبؤات المستقبلية" أبرز القواسم
المشتركة لمعتقدات البروتستانت واليهود، I ومنها تحقيق نبؤة اختيار الله شعبه لسكنى الأرض المقدسة (أرض
الميعاد، الأرض الموعودة) التي وعد الله بها إبراهيم.
كما التقت المعتقدات البروتستانتية مع المعتقد اليهودي حول هيكل
سليمان؛ إذ يؤمن البروتستانت المتهودون بإعادة بناء الهيكل الذي يعجل بقدوم
المسيح. واليهود بدورهم يعتقدون أن الإله يهودا قد غضب عليهم
جراء هدم الهيكل في القدس، وهم بذلك مغتربون في هذا العالم، ولن يتخلصوا من
اغترابهم إلا برضي الإله بإعادة بناء الهيكل، بذلك مثلت السيطرة على القدس ولا
سيما المسجد الأقصى واجبا دينيا مقدسا (9)
ساهم برفد ذلك نشوء عدة جمعيات بريطانية مسيحية منذ مطلع القرن التاسع
عشر تعنى بإعادة اليهود إلى فلسطين، أشهرها جمعية التوراة، وجمعية فلسطين، وجمعية لندن
للتبشير بالمسيحية بين اليهود، وجميعها رأت في تحقيق ذلك الهدف واجبا: بريطانيا
تجاه اليهود، بل ف:سرت الحروب الصليبية كمقدمة لهذا الواجب. (10)
بهذا وظفت الصهيونية السياسية تلك المعتقدات في تعاملها وحججها مع
الآخرين منذ نشوئها،باعتبارها جزءا من الثقافة اليهودية التي روج لها رجال الدين
اليهود، وهذا الحاخام شلومو غورين يؤكد العلاقة العضوية بين المعتقدات وفلسطين
بقوله: "إنه لا يمكننا الفصل بين أرض إسرائيل وتعاليم اليهودية (11)
إن تلك المعتقدات شكلت أحد ركائز المبررات البريطانية في توطين اليهود
كتعبير عن الوحي الإلهي القديم بعودة اليهود إلى فلسطين، وكوسيلة لتطوير حياة أهل
الشرق واستثمار أراضي فلسطين البور بأموال
لورنس العرب في شمال جدة عام 1917
اليهود، وترسيخ النفوذ البريطاني على طريق الهند. وقد عبر عن ذلك
"الفنت لورنس" في كتابه "أرض جلعاد"
الذي يؤكد فيه: " أن تأسيس الوطن اليهودي في فلسطين برعاية
بريطانية إنما هو خدمة سياسية وعسكرية لبريطانيا مثلما هو خدمة إنسانية للعالم. (12)
ولم تكن تلك الأفكار والمعتقدات مقصورة على المتدينين من القادة الدينيين
والناس العاديين، بل انتقلت أيضا إلى المجال السياسي عبر بعض السياسيين ممن وصلوا
إلى سلطة الحكم والنفوذ السياسي في البلدان الغربية.
ففكرة تجميع اليهود في الأراضي المقدسة المنبثقة من الأفكار البروتستانتية
نالت دعم النخبة السياسية البريطانية على وجه التحديد، بحيث تم رفد الحركة
الصهيونية السياسية بدماء دينية تسري عبر العروق المسيحية واليهودية وظفت لغايات
سياسية ومصلحية تبادلية بين بريطانيا والصهاينة، عبر عنها الموقف البريطاني الذي لخصه
لويد جورج رئيس الوزراء "بضرورة وجود دولة حليفة تمكن بريطانيا من السيطرة
على قناة السويس" (13)
الملك إدورد الأول
(2)
الدافع الاقتصادي:
كان النشاط البريطاني الاستعماري مغلفا دائما بالغطاء الديني
والإنساني واستخدام الجمعيات التبشيرية المسيحية، لذلك قامت البرجوازية الإنكليزية
في مرحلة مبكرة بتصدير المبشرين والتجار والرحالة والمغامرين
إلى فلسطين والبلدان العربية، ليمهدوا الطريق لمصالحها ونفوذها. الاستعمار وفلسطين: (14)
على هذا الأساس نمت بذور الصهيونية في تربة الأطماع الأوروبية في
الشرق عبر التعاون بين اليهود وبعض الحكومات الأوروبية. ولما كانت لندن مركزا
ماليا للحركة الصهيونية فقد استثمره الأثرياء اليهود الذين
ارتبطوا بعلاقات خاصة مع النخبة السياسية الإنجليزية، ومع المصلحة
الاستعمارية البريطانية في قناة السويس، لتأمين
الطريق إلى الهند وتحقيق الأطماع في مصر وفلسطين .(15)
فالوضع الاقتصادي لليهود في بريطانيا مكنهم من نسج علاقات مباشرة
وقريبة من النخبة السياسية في نهاية القرن التاسع عشر، انتهت ببناء علاقات ود
وصداقة مع الملك ادوارد ، وكذلك مع آرثر
بلفور زعيم حزب المحافظين مكنهم ذلك من احتلال موقع مؤثر اقتصاديا في النظام المالي الدولي، وسيطرة المال اليهودي خلال الحرب العالمية الأولى على الاقتصاد
البريطاني. وفوق ذلك تمكن اليهود من دخول حزب المحافظين وحزب العمال البريطاني؛
وصار من الممكن خلال الحرب العالمية الأولى أن يصبح اليهودي رجلا إنكليزيا من النخبة(16)
بهذا ارتبط التعاطف مع اليهود باعتبارات استعمارية تمثلت بحماية
السويس وطريق الهند البري وصراع النفوذ بين القوى العالمية في حينه، والعمل على
خلق أسافين التفرقة وإضعاف المنطقة العربية للحيلولة دون قيام دولة عربية موحدة،
مما أسهم في السيطرة على الثروات الطبيعية وخاصة البترول بوصفه سلعة استراتيجية (17)
وهكذا مثلت الجذور والمقدمات التاريخية الدينية وتلازمها مع المصالح
الاستراتيجية الاستعمارية رافدا لظهور ونشوء الصهيونية السياسية في السنوات
الأخيرة من القرن التاسع عشر بين يهود وسط أوروبا، بحيث عمدت إلى إحياء العقيدة
والتقاليد الثقافية اليهودية التي تؤكد ما جاء في التوراة حول فكرة أرض إسرائيل.
ومن هنا كان معظم الذين استوطنوا فلسطين منحدرين من الصهيونية التي نشأت في أوروبا
القرن التاسع عشر (18)
دنشواي
وهكذا شكلت تلك الأبعاد الدينية والاقتصادية والمصالح الاستراتيجية
المشتركة أرضية لظهور تحالف عملي بريطاني صهيوني لتحقيق وتنفيذ المشروع الصهيوني
في فلسطين
(19)
كان الدور البريطاني وتحالفه مع الصهيونية كافيا لإنجاز المشروع
الصهيوني، وكما أكد المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي "بأنه ما كان من الممكن
لهؤلاء المهاجرين أن يدخلوا لو لم تكن تحميهم أسوار بريطانية شائكة، ولو كانت
فلسطين قد بقيت تحت الحكم التركي العثماني، أو لو
أصبحت دولة عربية مستقلة لما سمح أبدا" للمهاجرين اليهود بالدخول إلى فلسطين
بأعداد كبيرة تكفي لتمكينهم من قهر العرب الفلسطينيين (20)
المؤرخ الإسرائيلي "موطي جولاني" من جامعة حيفا أكد في بحثه
المعنون ب"المندوب السامي الأخير" على أن دور البريطانيين كان حاسما في
التأثير الكبير فيما آلت إليه الأوضاع في فلسطين، فلولا تصدي البريطانيين للجيشين
السوري والمصري في محاولتهما دخول فلسطين قبل أيار لكان من المرجح أن لا يستطيع
الجيش الإسرائيلي الجديد الصمود، ولكان وجه التاريخ في المنطقة مختلفا(21)
والواقع أن بريطانيا توصلت إلي أن قيام دولة صهيونية مرتبطة بها في
فلسطين ملتقي القارات الثلاث وقلب الوطن العربي يحقق لها عدة أغراض إستراتيجية
أساسية، فهذه الدولة:
1- تشكل مركزا استراتيجيا
مهما لحماية طرق المواصلات الإمبراطورية إلي الهند وأفريقيا من جهة، وللسيطرة علي
سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر من جهة ثانية.
2- تؤمن حماية الوجود البريطاني في مصر وفيها قناة السويس، أهم ممر
مائي في العالم اقتصاديا وعسكريا.
3- تكون جدارا عازلا أمام الأطماع الاستعمارية ونقطة انطلاق إلي باقي
بلاد المشرق العربي.
4- تشكل قوة تعتمد علي بريطانيا وتدين لها بالولاء وتشطر الوطن
العربي، وتمنع الاتصال البري بين مشرقه ومغربه.
5- تعمل هذه الدولة علي استنزاف طاقات الدول العربية أولا بأول.
(ب) العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية:
شهدت نهايات القرن الثامن عشر بعث الأمة الأمريكية، التي شكل البعث
اليهودي جانباً مهماً من مرتكزاتها الفكرية، حيث كان واضحاً أثر العهد القديم على
الفكر الأمريكي.
وهذا ما نتلمّسه في مجريات التطورات والأحداث في الولايات المتحدة
الأمريكية، ومنذ لحظة الاستقلال، إذ نجد الرئيس توماس جيفرسون، واضع وثيقة
الاستقلال، يقترح بأن يمثل رمز الولايات المتحدة الأمريكية، على شكل أبناء إسرائيل
تقودهم في النهار غيمة وفي الليل عمود من النار، بدلاً من الرمز المعمول به
حالياً. وهذا الأمر يتفق مع النص التوراتي الوارد في سفر الخروج، والذي يقول:
"كان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب يهديهم في الطريق، وليلاً في عمود
نور ليضيء لهم".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وبالتحديد في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر، حيث ظهرت في أمريكا عدة مذاهب بروتستانتية نادت بعودة اليهود إلى
فلسطين.ولم يكتف أصحاب هذه المذاهب بالدعوة، بل عملوا من أجلها، فقد تبنت كثير من
الفرق البروتستانتية الدعوة إلى هذه الأفكار، مثل المعمدانيين والسبتيين وغيرهما
من الفرق.
وقد علق على ذلك هنري فورد في كتابه "اليهودي العالمي"،
بقوله: "لقد سيطر اليهود على الكنيسة في عقائدها وفي حركة التحرر الفكري
المسماة بالليبرالية، وإذا كان ثمة مكان تدرس فيه القضية اليهودية دراسة صريحة
وصادقة، فهو موجود في الكنيسة العصرية، لأنها المؤسسة التي أخذت تمنح الولاء دون
وعي أو إدراك إلى مجموعة الدعاية الصهيونية".
وقد سيطرت الأفكار اليهودية على سياسيي الولايات المتحدة وصانعي
القرار فيها، مم دفع بالرئيس الثاني لأمريكا جون آدمز، إلى أن يرسل في عام 1818
برسالة إلى الصحفي اليهودي مردخاي مانويل نوح يعبر له فيها عن أمنيته في" أن
يعود إلى جوديا ـ يهودا ـ لتصبح أمة مستقلة".
في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، بدأ التعاطف الأمريكي مع
اليهود يتحول إلى عمل ملموس لتحقيق النبوءات التوراتية، سواء عن طريق أفراد أو
جمعيات أو كنائس.
وقامت هذه الفئات بأعمال تخدم فكرة العودة اليهودية، كتأسيس
المستوطنات في فلسطين. ومنها ما قام به في عام 1850 واردكريون القنصل الأمريكي في
القدس، من تأسيس لمستوطنة زراعية في منطقة القدس، والتخطيط لإنشاء مستوطنات أخرى.
كما شهد هذا القرن ظهور الطوائف والجمعيات المسيحية التي دعت إلى
ضرورة إعادة اليهود إلى أرض فلسطين، حيث أخذت تنشر دعوتها بين العامة، بالإضافة
إلى سعيها للتأثير على الشخصيات المهمة في أمريكا، منها جماعة (أخوة المسيح)،
والتي تقوم دعوتها التبشيرية بشكل رئيسي على تطبيق النبوءات التوراتية وسفر الرؤيا
على الأحداث الحاضرة والمستقبلية، وجمعية بنات بريث (أبناء العهد) في مدينة
نيويورك، بهدف تسهيل إعادة اليهود إلى فلسطين.
في أواخر القرن التاسع عشر، ظهر رجال دين يطالبون بعمل شعبي لإعادة
اليهود إلى فلسطين، وكان من أبرز هؤلاء وليم بلاكستون، رجل الدين والمؤلف
والمليونير الذي ينفق الملايين على التبشير، والذي يعتبر أباً للصهيونية اليهودية،
بسبب نشاطه المتواصل من أجل تحقيق النبوءات التوراتية، وهو صاحب الشعار المعروف:
"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ".
وبلغ نشاط بلاكستون ذروته عندما قاد حملة لجمع توقيعات على عريضة
قدمها للرئيس الأمريكي بنيامين هارسون في عام 1891، حيث طالب فيها بالمساعدة في
إعادة فلسطين لليهود وإنشاء وطن قومي لهم هناك.
وعندما أنشئت الحركة الصهيونية بزعامة هرتزل، قام القس بلاكستون
بإرسال نسخة من التوراة إلى هرتزل، واضعاً خطوطاً وعلامات تحت النصوص التي تشير
إلى استعادة فلسطين، ولقد حفظت هذه النسخة في ضريح هرتزل
لم تكتف بريطانيا بدورها القوي في خدمة القضية الصهيونية بل إنها عملت
على إدخال المارد الأمريكي في دائرة خدمة الصهيونية، حيث تابعت بريطانيا دورها في
خدمة المشروع الصهيوني، عبر ترتيب لقاءات بين وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور
والقاضي الأمريكي- الصهيوني برانديس صديق الرئيس الأمريكي ولسون ومستشاره لحثه على
إقناع ولسون، بالوقوف إلى جانب المشروع الصهيوني، لينتهي ذلك بالاتفاق على إصدار
وعد بلفور.
ويليام بلاك ستون
أعلن الرئيس ويلسون عن تأييده لمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين فقد
صرّح عشية صدور الوعد بقوله: " لن تصبح فلسطين مؤهلة للديمقراطية إلاّ إذا
امتلك اليهود فلسطين كما سوف يمتلك العرب شبه جزيرتهم أو البولونيون
بولونية"، كما أنه لم يتوان عن تأييده لهذا العهد بعد صدوره وإعلان موافقته
عليه. وقد عبر ويلسون عن ذلك في آب 1918 بقوله:" أعتقد أن الأمم الحليفة قررت
وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا وشعبنا".
وكان الرئيس ويلسون مدفوعاً لتحقيق آمال اليهود انطلاقاً من خلفيته
الدينية، حيث تربى على التعاليم البروتستانتية التي تؤمن بالنبوءات التوراتية،
وكان يسعده أن يكون له دور في إعادة اليهود إلى فلسطين، وذلك في قوله: "إن
ربيب بيت القسيس ينبغي أن يكون قادراً على المساعدة في إعادة الأرض المقدسة
لأهلها".
وفي تشرين الأول أبرق الكولونيل هاوس، نيابة عن ولسون، إلى الحكومة
البريطانية يعلن فيها تأييد الحكومة الأمريكية لمشروع توطين اليهود في فلسطين.(22)
وقد سار على هذه السياسة خلفاء ويلسون، فقد عبر الرئيس الأمريكي
هاردنج في عام 1921 عن تعاطفه مع الحركة الصهيونية وتأييده الشديد لإنشاء صندوق
فلسطين
وفي عام 1922، اتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً، وقّع عليه الرئيس
هاردنج جاء فيه "بأنه نتيجة للحرب، أعطى بني إسرائيل الفرصة التي حرموا منها
منذ أمد بعيد لإقامة حياة وثقافة يهوديتين مثمرتين في الأراضي اليهودية القديمة،
وإن كونغرس الولايات المتحدة يوافق على إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي".
أخذت بريطانيا بالعمل على الصعيد الدولي( لخدمة القضية الصهيونية) إذ
طلب الوفد البريطاني إلى مؤتمر السلام في باريس من القاضي برانديس أن يرسل
"فليكس فرانكفورتر" القطب الصهيوني الأمريكي، إلى باريس عضوا" مسئولا"
في الوفد الأمريكي، كي يتعاون مع البريطانيين لتحديد النقاط الأساسية التي يريد
الصهاينة ضمها إلى صك الانتداب، ولتستمر بريطانيا في إدارة البلاد حتى يصبح عدد
اليهود في فلسطين كافيا لإقامة دولة يهودية (23)
لقد تحولت أنظار اليهود إلى أمريكا عندما أدركوا أنّ نفوذ وسطوة
بريطانيا العظمى بدأت تتقلص خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. يقول
"ديزموند سيتوارث" في كتابه (تاريخ الشرق الأوسط): "إن بن غوريون
شعر خلال الحرب العالمية الثانية أن مصدر القوة سيكون أمريكا لأن الحرب ستترك
بريطانيا منهوكة مهما كانت نتائجها، لذلك أمضى في الولايات المتحدة خلال الحرب
فترة طويلة، وهو يحاول الحصول على تأييد الحكومة لتكوين جيش يهودي في فلسطين ،
ولأغراض الصهيونية العامة فيها، ويعمل أيضاً بين الهيئات اليهودية المختلفة
ليعدّها لطلب الدولة اليهودية بعد الحرب".
ألقى اليهود ثقلهم الاقتصادي والسياسي والفكري الديني وتغلغلوا في
عقلية المجتمع الأمريكي، مستخدمين كل ما أمكنهم من وسائل الإعلام والتعليم،
واستغلوا المجامع الكنسية والمؤتمرات الدينية، ووضعوا التفسيرات والشروحات الدينية
للعهد القديم. لقد استطاع اليهود أن يجعلوا الرأي العام الأمريكي ينطلق من
المرتكزات التوراتية الصهيونية في الدين والفكر والسياسة.
يقول بول فندلي عضو الكونجرس الأمريكي في كتابه: (من يجرؤ على
الكلام): "الواقع أنّ جميع النصارى ينظرون إلى الشرق الأوسط من منظار الصلة
الروحية بإسرائيل، ومن زاوية الميل إلى معارضة أو عدم تصديق أي شيء يشكك في سياسة
إسرائيل، والقناعات الدينية هي التي جعلت الأمريكيين يستجيبون لنداءات اللوبي
الإسرائيلي".
ويضيف: "أعتقد أنّ أسباب البركة في أمريكا عبر السنين أننا
أكرمنا اليهود الذين لجئوا إلى هذه البلاد، وبورك فينا لأنّنا دافعنا عن إسرائيل
بانتظام واعترفنا بحقها في الأرض".
بعد أن أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض في عام 1939، والذي حدَّ من
الهجرة اليهودية إلى فلسطين، قابل الزعماء الصهاينة والمتعاطفون معهم هذا الكتاب
بالرفض والاستنكار، وبدأوا يشعرون أن بريطانيا بدأت تتخلى عنهم ولو جزئياً بسبب
ظروف الحرب العالمية الثانية، هذا التحول دفع الزعماء الصهاينة لتركيز جهودهم في
الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كتب بن غوريون في عام 1940 يصف مشاعره في هذه الفترة، فقال:
"أما أنا فلم أكن أشك في أن مركز الثقل بالنسبة لعملنا السياسي كان قد انتقل
من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، التي كانت قد احتلت المرتبة الأولى في العالم
كدولة كبرى".
وعندما اجتمع الزعماء الصهاينة في مؤتمر "بلتيمور" في عام
1942، قرروا نقل جهودهم إلى أمريكا لكي تساعدهم في تحقيق مطالبهم. فقد أعلن بن
غوريون أمام المؤتمر، أن اليهود لم يعد باستطاعتهم الاعتماد على الإدارة
البريطانية في تسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
وفي عام 1943 انعقد مؤتمر بورد مودا بتدخل قوي وضغوط مباشرة من الرئيس
الأمريكي روزفلت، وهو المؤتمر الذي فتح أبواب الهجرة إلى فلسطين على مصراعيها أمام
اليهود
عندما تولى ترومان منصب الرئاسة خلفاً لرزوفلت، كان من أكثر الرؤساء
الأمريكيين تأييداً للمطالب الصهيونية. في 31 آب عام 1945، طلب الرئيس ترومان ـ
نيابة عن الصهيونية ـ من رئيس الوزراء البريطاني أتلى، إدخال مائة ألف لاجىء يهودي
إلى فلسطين، ولكن رد أتلى كان غير مشجع، حيث أنه اشترط أن تتحمل أمريكا الأعباء
العسكرية والاقتصادية لتنفيذ هذا المطلب، ولكن الرئيس ترومان رفض ذلك وقال إنه لا
يرغب في إرسال 50.000 جندي لإقرار السلام في فلسطين.
ونتيجة لذلك، بدأت اتصالات بين الحكومة البريطانية وبين الزعماء
الصهاينة المدعومين من أمريكا، لتحقيق مطالبهم، ولكن هذه الاتصالات فشلت، ما دفع
ترومان إلى تأييد الحل الصهيوني المتمثل بتقسيم فلسطين، وأصدر في 4 تشرين الأول من
عام 1945 بياناً طالب فيه بإدخال مائة ألف يهودي فوراً إلى فلسطين، كما أوصى
بتطبيق خطة التقسيم حسب الخطوط التي اقترحتها الوكالة اليهودية، وقال ترومان:
"إنه كان يعتقد بأن حلاً على هذه الصورة سيصادف تأييداً من الرأي العام في
الولايات المتحدة"، ومن المعلوم أن هذا البيان صدر في يوم عيد كيبور ـ
الغفران ـ اليهودي". معتبراً "أن تأييد وطن قومي يهودي كان دائماً من
صلب السياسية الأمريكية المنسجمة مع نفسها".
عندما أعلن عن قيام دولة إسرائيل، اعترف الرئيس ترومان بها بعد دقيقة
من إعلان قيامها، كما أنه قام بتصرف يخالف كل المبادئ الدبلوماسية المعروفة، عندما
اعترف بدولة إسرائيل قبل أن تطلب الاعتراف رسمياً وقبل انتهاء الانتداب البريطاني
بعشر ساعات. وقدمت حكومة الولايات المتحدة لها قرضاً قيمته مليون دولار
كان ترومان صهيونياً أكثر من الصهاينة، فانعكس ذلك على سياسته تجاه
المسألة الفلسطينية، والتي كانت سياسة رئاسية تم تنفيذها من جانب واحد رغم معارضة
كثير من المستشارين الحكوميين لها، وقد اعترف ترومان نفسه بحقيقة سياسته هذه، حيث
قال في مذكراته: "لقد كنت أعلم بأن المستشارين جميعاً لا ينظرون إلى المسألة
الفلسطينية نظرتي أنا إليها، وأكثر من ذلك، كان الاختصاصيون من موظفي وزارة
الخارجية في شؤون الشرق الأوسط جميعهم تقريباً ضد فكرة دولة يهودية".
إذا كان الدافع الديني والاقتصادي هما المحركان للتحالف الصهيوني
البريطاني، فإن الدافع الديني فقط هو الذي حرك التحالف الصهيوني الأمريكي وأصبحت
المرتكزات العقائدية للصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية تتلخص في ثلاثة أمور،
هي:
أولاً: اليهود هم شعب الله المختار، وهم الأمة المفضلة على بقية الأمم
والشعوب.
ثانياً: هناك ميثاقاً إلهياً ووعداً مقدساً يربط اليهود بالأرض المباركة
فلسطين ، إنّ هذا الميثاق والوعد أعطاه الله تعالى لإبراهيم ونسله، وخاصة يعقوب
(إسرائيل) بن إسحاق عليهم السلام، وهو ميثاق أبدي. يقول الحاخام اليهودي ألمر
بيرجر: من الغريب أنّ الطوائف المسيحية البروتستانتية والتي تقبل التفسير الحرفي
للكتاب المقدس أصبحت تتطلع إلى عودة اليهود إلى أرض الميعاد".
ثالثاً: ربط الإيمان المسيحي بعودة المسيح ونزوله إلى الأرض بقيام
دولة يهودية صهيونية في فلسطين . في سنة 1649 م وجه من هولندا عالما اللاهوت
التطهريّان الإنجليزيان: جوانا، وأليندز كارترايت مذكرة إلى الحكومة البريطانية
عبّرا فيها عن مدى التحوّل في النظرة اللاهوتية إلى فلسطين و القدس من كونها أرض
المسيح المقدسة التي قامت من أجلها الحروب الصليبية إلى كونها وطناً قومياً
لليهود، كما عبرّا عن التحول من الإيمان بأنّ عودة المسيح يجب أن تسبقها عودة
اليهود إلى فلسطين ، وأنّ العودتين لن تتحققا إلا بتدخل إلهي إلى الإيمان بأنّ
هاتين العودتين ممكن أن تتحققا بعمل بشري". (24)
(3) الجواسيس
(أ) هاري سانت جون بريدجر فيلبي
هاري سانت جون بريدجر فيلبي (بالإنجليزية: Harry
St. John Bridger Phillby)
(3 أبريل 1885 - 30 سبتمبر 1960)، ويعرف أيضاً باسم "جون فيلبي" أو
الشيخ عبد الله، هو مستعرب، مستكشف، كاتب، وعميل مخابرات بمكتب المستعمرات
البريطاني. لعب دوراً محورياً في إزاحة العثمانيين عن المشرق العربي وخاصة عن
السعودية والعراق والأردن وفلسطين. أعلن إسلامه وخطب الجمعة في الحرم المكي عن
فضائل آل سعود على الهاشميين حكام الحجاز سابقاً . لعب دورا فعال في قيام شركة
أرامكو تزوج من امرأة نجدية وأنجب ابنه الوحيد كيم فيلبي.
يبدو أنه غير ولاءه من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في
ثلاثينات القرن العشرين, مما دفع المخابرات البريطانية والروسية للتجسس عليه لدوره
المحوري في المشرق العربي بتجنيد ابنه كيم فيلبي وغيره. ارتقى ابنه سُلم المناصب
في المخابرات البريطانية حتى رشح رسمياً لرئاستها عام 1963, وعندها انكشف أنه عميل
للاتحاد السوفيتي كانت فضيحة مدوية (25)
ونسوق هذا الجزء من مذكرات جون فيلبي حتى نُدرك مدى التأثير الذي بلغه
ذلك الرجل في علاقاته مع الأمير عبد الله بن الشريف حسين، و عبد العزيز آل سعود،
ومدى سعيه لخدمة قضية اليهود، والدور الذي لعبه في القضاء على الحكم العثماني في
شبة الجزيرة العربية:
يقول جون فيلبي في ذلك : (( بعد شهرين من وصولي الأردن قمت بجولة في أنحاء
فلسطين , وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها, ويعيش الإنجليز في قلق منها, فحاول
بعضهم توسيط الأمير عبد الله لدى الثوار الفلسطينيين بإيقاف الثورة(ثورة 1936)
فحبذت الفكرة لعلمي أن عبد الله سيفشل في وساطته لعدم نفوذه بين الفلسطينيين,
وبالتالي سيكون الجو مهيئا لصديقنا العزيز عبد العزيز فتنجح وساطته وترتفع أسهمه
لدى الإنجليز, وهذا ما تم فعلا بعد فشل عبد الله في وساطته, اقترحت توسيط عبد
العزيز الذي اقسم لثوار فلسطين بأن أصدقاءنا الإنجليز تعهدوا بحل القضية لصالح
الفلسطينيين وانه يتحمل مسؤولية هذه العهد, وقد نقل لهم ذلك ابنه فيصل ( الذي أصبح
بعد ذلك ملكا فيما بعد ), وقد كان لنجاح هذه الوساطة صداها لدى الإنجليز واليهود,
وكانت المنعطف الأكبر في تاريخ فلسطين, وعزز ذلك النجاح الباهر كافة أرائي عن عبد
العزيز أمام رؤسائي بل وحتى خصومي الذين ما زال بعضهم يؤيد الهاشميين ويعتبرهم أصلح
للمصالح الغربية من أل سعود
ويضيف فيلبي: (( أثناء رحلتي عرجت علي تل أبيب وقابلت ديفيد بن جوريون
الذي كان فرحا لنجاح وساطة أل سعود التي أوقفت الثورة الفلسطينية، إلا انه أبدى
قلقه عن ابتعادي عن عبد العزيز, فقلت لبن جوريون إننا لم نعد نخشى علي عبد العزيز أل
سعود, فلديه من الحصانة ما يكفي لتطعيمي وتطعيمك, ...كما أن ابتعادي هذه الأيام
لصالحه من اجل ترويض خصومه شرق الأردن ))
ولتطمين بن جوريون قلت له : (( قبل أيام أخرجت جيش الإخوان الوهابيين لتأديب
عبد الله حتى هددوا كيانه, وعندما استنجد بي أوعزت إلي عبد العزيز بإيقاف جيش الإخوان
قبل أن يدخلوا الأردن, وقد وجدوا صعوبة في صد هذا الجيش البدوي الشرس, فاضطررت إلي
إعطاء الأمر للطائرات الحربية البريطانية المرابطة في الأردن لتأديبهم, وبعد ذلك
تخلي عبد الله عن أفكاره الوطنية والقومية في غزو الحجاز واكتفي بما قسم الله
له)), ويستطرد جون فيلبي في مذكراته قائلا : (( عندما قررت الذهاب إلي الحجاز في
مهمة حج لقضاء حاجة, حملني بن جوريون رسالة إلي عبد العزيز أل سعود نصها: ((( يا
صاحب الجلالة... يا آخى في الله والوطن, إن مبلغ العشرين ألف جنيه إسترليني ما هو إلا
إعانة منا لدعمك فيما تحتاج إليه في تصريف شئون ملكك الجديد في هذه المملكة
الشاسعة المباركة, و إني أحب أن أؤكد لك : انه ليس في هذا المبلغ ذرة من الحرام,
فكله من تبرعات يهود بريطانيا وأوروبا الذين قد دعموك لدى الحكومة البريطانية.
(ب) توماس ادوارد لورانس
أو لورانس العرب وقد سبق ترجمته ودوره في خديعة الشريف حسين للثورة ضد
الدولة العثمانية على أمل مساعدة بريطانيا له في إقامة دولة عربية تحت قيادته
وإعلان نفسه خليفة للمسلمين.
ثانيا: ما يخص الجانب العربي:
(ا) الصراع الفلسطيني الداخلي القديم
الحديث
قديما ومن خلال ما وصلنا من معلومات محدودة كنا نُلقي باللوم على ضياع
فلسطين، وقيام دولة إسرائيل على الزعماء العرب قديما من أمثال الشريف حسين ثم ابنه
عبد الله من بعده، وعلى مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود، وعلى الملك
فاروق والعصابة من حوله التي ساهمت في خسارة الجيش المصري في حرب 1948. إلى أخره
من الاتهامات التي كانت جميعها تصب جام الغضب على حكام العرب، دون أدنى لوم على
أهل فلسطين، وزعماء العائلات فيها، ودائما ما كانت نظرة المواطن العربي
للفلسطينيين على أنهم أفراد معذبون ضائعون بفعل الخُذلان العربي.
ولكن للأسف الشديد ما أشبة اليوم بالبارحة، فكما تتناحر الفصائل
الفلسطينية اليوم من: فتح وحماس وجهاد فيما بينها طلبا للزعامة قبل الطلب لحل
القضية الفلسطينية حتى أصبح الفلسطينيون يُعرفون، بالحمساوي، والفتحاوي والجهادي
قبل الفلسطيني فظهرت بينهم الأحقاد والضغائن، فصوبوا السلاح إلى صدور بعضهم البعض،
بدلا من أن يصبوها إلى صدر العدو الصهيوني إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن
أصبحت فلسطين: غزة الحمساوية، وأريحا الفتحاوية.
فضاعت القضية الفلسطينية بين متاهات التقسيم في الحاضر، كما ضاعت أرض
فلسطين في الماضي بفضل الانقسامات العائلية، والصراع على الزعامة، فلقد استثمرت
السياسات البريطانية واقع الثقافة المحلية عند الفلسطينيين المتمثلة في التقاليد العائلية التي تولي
عائلات بعينها بعض المناصب الموروثة عائليا جيلا
بعد جيل في المجتمع الفلسطيني، لتعميق الانقسامات المحلية بين الفلسطينيين،
إيذانا بحرب التنافس التي تغذيها بريطانيا. كما عمدت إلى خلق الانقسامات الدينية
والطبقية والسياسية عبر خلق أحزاب سياسية موالية.
فعندما وقف موسى كاظم الحسيني مع مظاهرات القدس أقالته السلطات
البريطانية من منصب مدير بلدية القدس وعينت بدلا عنه راغب النشاشيبي، زعيم عائلة
النشاشيبي المنافسة لعائلة الحسيني، كما طاردت الحسيني هو وزميله عارف العارف
وحكمت عليه غيابيا
لقد لعبت العائلات دوراً رجعياً في حركة المقاومة، إذ حاولت دائماً
توجيه مشاعر غضب الجماهير الفلسطينية تجاه اليهود فقط وتفادي الصراع مع فوات
الاحتلال البريطاني. وعمدت في معظم الأحوال إلى إتباع أساليب سلبية غير راديكالية
اقتصرت على المذكرات والعرائض والاحتجاجات المكتوبة والمؤتمرات التي تعقد بتصريح
من حكومة الانتداب التي كانت تخرج في النهاية بقرارات "معتدلة" (26)
وفي وقت الأزمات الثورية حرصت العائلات على كبح حركة الجماهير، إذ
كانوا في حالة خوف دائمة من احتمالية خروج زمام الأمور من أيديها، وخوف من أن
ازدياد راديكالية فلاحينها قد ينقلب عليها بسبب الأوضاع المزرية التي عاشها الفلاح
الفلسطيني نتيجة للقهر والاستغلال الذي مورس ضده بواسطة هذه العائلات.
وتسابقت العائلات ـ في ظل المنافسة والصراع بينهما ـ إلى محاولة
التقرب من البريطانيين من أجل الحصول على رضا المندوب السامي وتولي مناصب قيادية
محلية. واستغلت كل عائلة الحركة الوطنية لتحقيق مكاسب عائلية لها على حساب
الآخرين. واستفاد البريطانيون من هذه المنافسة وعملوا على تعميقها لإضعاف وتفريق
صفوف الحركة. (27)
راغب النشاشيبي
لم تمنع سيطرة العائلات على الحياة السياسية الانتفاضات والثورات
العفوية التي كانت تندلع من وقت لآخر بين صفوف الجماهير الفلسطينية. فشهدت الفترة
(1919 ـ 1921) اشتباكات عنيفة بين العرب والصهاينة، وهجوم على مستوطنات صهيونية،
وأهداف بريطانية. وتعد انتفاضتي القدس 1920 ويافا 1921 أشهر هذه الانتفاضات. وكان
موقف العائلات الفلسطينية منهما هو موقف "المتفرج أو المهدئ" (28)
(2) المجلس الإسلامي الأعلى
شهد عام 1921 إنشاء مؤسسة لعبت لاحقاً دوراً هاماً في الساحة السياسية
ألا وهي "المجلس الإسلامي الأعلى" برئاسة الحاج أمين الحسيني. وكان
الحاج أمين الحسيني قد نجح في تبوُّء منصب
مفتي القدس بمساعدة المندوب السامي البريطاني، فقد "طبخ" المندوب
انتخابات الإفتاء وتحايل على القانون كي يتمكن الحاج أمين الحسيني من هزيمة
منافسيه من العائلات الأخرى، وذلك لاستبقاء التنافس بين الحسينية والنشاشيبية إذ
كان راغب النشاشيبي يشغل رئاسة بلدية القدس، وبالتالي كان وجود الحاج أمين الحسيني
في منصب الإفتاء بنفس المدينة سيزيد حتماً من سعار التنافس على الزعامة في القدس ـ
وهو ما حدث لاحقاً بالفعل. وفي مقابل تعيينه وعد الحاج أمين بعدم "إثارة
الاضطرابات".(29)
انقسمت على إثر ذلك الحركة
الوطنية الفلسطينية إلى كتلتين: "المجلسيون" أنصار آل الحسيني وقيادة
الحاج أمين للمجلس الإسلامي الأعلى؛ و"المعارضون" أنصار آل النشاشيبي
المعارضون للحسينية والمجلس الإسلامي. اشتعل سعار التنافس والعراك على الزعامة
السياسية بين الفريقين، وامتد إلى جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية
والاجتماعية بفلسطين. ووصل العراك إلى الحد الذي دفع بعض الشخصيات السياسية
العربية للتدخل. فعلى سبيل المثال كتب أحد الكتاب العرب في جريدة "الجامعة
العربية" الصادرة في القدس:
وإذا كان لكلمتي العربية الصريحة الصادقة ـ التي لم تخرج مرة عن كونها
عربية صريحة صادقة ـ شيء من التأثير فجل ما أبغيه أن يكون ذلك في سبيل التوحيد، بل
في سبيل القوة الكامنة في التوحيد، أما إذا كان الحسينيون أو النشاشيبيون أو
الطوقانيون أو العبد هادون أو غيرهم من السلائل الفلسطينية المعروفة، لا يرون في
الأحزاب غير تلك الوطنية التي لا تقوم إلا بهم ولا تعزز إلا باسمهم، ولا يرون في
الجامعة العربية غير جامعة بيتية ومصلحة عائلية، فخير لهم أن ينضموا إلى الحزب
الصهيوني، وأن يرسلوا أولادهم إلى الجامعة العبرية في جبل الزيتون.
يقول الحسينيون أن النشاشيبيين يمالئون الصهاينة ويساومونهم على حقوق
الأمة، ويقول النشاشيبيون هذا القول في الحسينيين، وأنا لا أصدق ـ ولا أحب أن أصدق
ـ القولين… أرى من واجب الأمة أن تنبذ الزعامتين وأن تؤلف من الصالح في الحزبين
زعامة جديدة (30)
فقد تدخل شكيب أرسلان أكثر من مرة للصلح بين زعماء فلسطين لرأب الصدع
بينهم وللتفرغ لمقارعة الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية. حيث كان الصراع على
أشده في عشرينات القرن الماضي بين السياسيين الفلسطينيين بسبب الزعامات ولاسيما
بين آل الحسيني وآل النشاشيبي وكان الصراع يومها على منصب الإفتاء وعلى المجلس
الإسلامي الأعلى ومن ثم السيطرة على الأحزاب الفلسطينية وغير ذلك من مراكز
القيادة!!
وفي عام 1925 اضطرت اللجنة التنفيذية تحت ضغط شديد إلى الدعوة لإضراب
عام بمناسبة وصول اللورد بلفور لافتتاح الجامعة العبرية، ونجح الإضراب نجاحاً
ساحقاً إذ لقي تجاوباً ضخماً من العمال في أرجاء فلسطين. (31)
ولكن اتسمت الفترة اللاحقة (1925 ـ 1928) بصراع عائلي حاد حاول خلاله
"المجلسيون" استبعاد "المعارضين" من الحركة الوطنية، إلا أنهم
فشلوا في مسعاهم، بل ونجح "المعارضون" في مواجهة المجلس الإسلامي،
والتأثير على انتخاباته، وفرض مندوبين لهم عن كل مدينة في المؤتمر الوطني السابع
عام 1928. وأدى هذا العراك المستمر والتنافس الحاد إلى خمود الحركة الجماهيرية
تماماً خلال تلك الفترة، فلم تشهد فلسطين مظاهرات أو إضرابات.
(3) المؤتمر العربي السابع:
وجاء المؤتمر العربي السابع عام 1928 ليفضح تخاذل العائلات وانشغالهم
بالنزاعات العصبية عن النضال من أجل الاستقلال. شارك في المؤتمر عدد ضخم من
المندوبين لم يسبق لهم العمل بالسياسة، ولكنهم ـ نتيجة للعصبية الحزبية والعائلية
ـ أتوا ترضيةً لهذه العائلة أو تلك. وتواجد "معارض" في المقابل عن كل
مدينة مثّلها "مجلسي". وانكب أعضاء المؤتمر يناقشون بعض القضايا
الزراعية مثل القروض، والضرائب، وقضية الجنسية، والمهاجرين الفلسطينيين، وقضية
امتياز مشروع البحر الميت، وضرورة تشكيل حكومة نيابية وديمقراطية. لم يتعرض
المؤتمر لقضية الاستقلال، أو إلغاء الانتداب، أو اتخاذ إجراءات حاسمة ضد التواجد
البريطاني/الصهيوني. ورفض المؤتمر تماماً الاقتراح ـ الذي قدمه عضو واحد فقط ـ
الداعي لتأسيس جمعيات للعمال العرب. واكتفى المؤتمر في النهاية بإرسال برقية مليئة
بالأشواق الحارة والعويل لعصبة الأمم ووزارة المستعمرات البريطانية تطالب بتشكيل
حكومة برلمانية في فلسطين بموجب الوعود والعهود المقطوعة للعرب من الحلفاء! (32)
(4) إخوان القسام:
شهد عام 1931 تطوراً جديداً للمقاومة الفلسطينية، فقد أسس الشيخ عز
الدين القسام ـ رئيس جمعية الشبان المسلمين في حيفا ـ منظمة عسكرية سميت
"إخوان القسام"، وكان للقساميين أيديولوجية جمعت بين الإسلام والقومية
العربية. ونشطوا في أوساط الطلبة والفلاحين المعدمين الذين هاجروا إلى المدن. ثم
بدأ القساميون حملة هجمات مسلحة استهدفت المستوطنات الصهيونية ومواقع بريطانية
متبعين استراتيجية حرب العصابات. (33)
ودخلت الطبقة العاملة الفلسطينية إلى الساحة السياسية بقوة، وقامت
بموجة عاتية من الإضرابات في الفترة (1930 ـ 1935). وبدأت اللجنة التنفيذية تشعر
بأن البساط يُسحب من تحت قدميها، وبأن عزلتها عن الجماهير تزداد، وأصبحت موضع سخط
الكثيرين. ورأت قيادة اللجنة التنفيذية في مطلع عام 1933 أنها إذا لم تتحرك فستفقد
زمام الأمور، فدعت لاجتماع بالقدس في 24 فبراير لمناقشة قضيتي بيع الأراضي والهجرة
اليهودية. اتخذ المؤتمر قراراً بإتباع سياسة "عدم التعاون" مع المندوب
السامي. وعقد مؤتمر آخر بيافا في 26 مارس لتقرير مبدأ "عدم التعاون" وتحديد
آليات تنفيذه. ولكن انتهى المؤتمر كما بدأ، فقد اتفق الجميع على المبدأ ولكنهم
تعاركوا حول آليات تنفيذه، فتم ترك تحديد الآليات للجنة خاصة! ولم يقتنع الحاج
أمين الحسيني بأن فكرة "عدم التعاون" قد آن أوانها! ومرت 6 أشهر ولم يتم
الاتفاق على شيء، فالشيء الوحيد الذي قرر "المجلسيون" فعله هو مقاطعة
حفلات البريطانيين الاجتماعية!! أما "المعارضون" فقد استمروا في حضور
هذه الحفلات!!! (34)
وفي النهاية انهارت اللجنة التنفيذية مع وفاة موسى كاظم الحسيني في
عام 1934. ولم يكن مستغرباً أن تنعاه صحيفة "بالستاين بوست" الصادرة عن
"الوكالة اليهودية"، وتكيل له المديح حيث أن سياساته
"المعتدلة" قد ساهمت في كبح حركة المقاومة الجماهيرية الفلسطينية،
ومنعتها من اتخاذ أي منعطف راديكالي. (35)
وزاد الطين بلة مجيء انتخابات بلدية القدس ـ التي كان يسيطر عليها
راغب النشاشيبي ـ في أواخر عام 1934. فقد أدى تحالف الحاج أمين الحسيني مع مرشح
عائلة الخالدي إلى سقوط النشاشيبي في الانتخابات وحصول الخالدي على المنصب، فجن
جنون النشاشيبية واشتد سعار المنافسة بينهم وبين الحسينية بطريقة غير مسبوقة. (36)
وفي محاولة لاحتواء الحركة الجماهيرية المتصاعدة عمدت النخبة
التقليدية الفلسطينية إلى تكوين أحزابٍ وطنية. ولكن عكست هذه الأحزاب العصبيات
العائلية، فأسس آل النشاشيبي "حزب الدفاع الوطني" في عام 1934، وأسس
الحاج أمين الحسيني "الحزب العربي الفلسطيني" في عام 1935. وتأسس
"حزب الاستقلال" الذي ضم في عضويته عناصر برجوازية وبرجوازية صغيرة.
وكان حزب الاستقلال أقرب في تكوينه إلى "حزب الوفد المصري"، إلا أنه لم
ينل نفس التأييد الجماهيري، ولم يستطع لعب الدور الذي لعبه حزب الوفد في تلك
الفترة. ورغم شعاراته الأكثر راديكالية مقارنة بأحزاب كبار الملاك إلا أنه كان
أكثرهم ضعفاً. (37)
الهيئة العربية العليا سنة 1936
(5) اللجنة العربية العليا
اشتدت حركة الكفاح المسلح التي أطلقها القساميون، واتخذت بحلول عام
1935 شكل عمليات فدائية مسلحة على نطاق واسع. واستمر القساميون في عملياتهم بالرغم
من استشهاد زعيمهم الشيخ عز الدين في عام 1935. واشتدت سخونة الأحداث مع زيادة
معدل الهجرة اليهودية بسبب صعود الفاشية للحكم في أوروبا. وشهدت الفترة من 15 إلى
19 إبريل 1936 اشتباكات وحوادث عنف فردي بين العرب والصهاينة، ويجئ 20 إبريل لتدخل
يافا في إضراب عام أغلق الأسواق والميناء، أعقبها اندلاع اشتباكات عنيفة في شوارع
المدينة. وقوبلت تحركات الفلسطينيين على الفور بالقمع الوحشي من القوات
البريطانية، فما كان من زعماء الأحزاب السياسية إلا أن قاموا بمقابلة المندوب
السامي معبرين له عن أسفهم على أحداث العنف التي وقعت! وفي غضون أيام قليلة ظهرت
إلى الوجود "لجان قومية" ـ مكونة من الشباب ومواطنين عاديين ـ في نابلس
التي انضمت إلى الإضراب العام وعمتها مظاهرات حاشدة في 24 إبريل. ولم يُسمع أي صوت
للقيادة التقليدية خلال الأيام الستة الأولى. واستمر الإضراب في الانتشار
والتصاعد، وبدأت اللجان القومية في الظهور بالمدن والقرى في باقي أنحاء فلسطين.
وانضم الطلبة وأعضاء النقابات إلى الحركة، فأضرب المحامون عن العمل بالمحاكم، وقرر
الأطباء معالجة الجرحى والفقراء الذين يحملون توصيات من لجان الإسعاف مجاناً. (38)
تحت وطأة الأحداث اضطرت العائلات للتحرك سريعاً متخوفين من فقدان
السيطرة على مجريات الأمور، فقامت بتشكيل "اللجنة العربية العليا"
برئاسة الحاج أمين الحسيني. لم يكن هناك مفر أمام القيادات التقليدية من تأييد
الإضراب والعدول عن إرسال الوفود المعتادة للندن بسبب الضغط الجماهيري الشديد
القادم من الشارع الفلسطيني. واضطرت إلى القيام بتمويل جزئي للإضراب. (39)
لم تتوقف الثورة رغم شدة القمع، إلا أن تحقيق الأهداف
البريطانية/الصهيونية بوقف الانتفاضة تم تسهيلها بواسطة اللجنة العربية العليا
نفسها ـ التي دب الرعب في أوصال قياداتها بسبب نجاح العمال والفلاحين في لعب الدور
الأكثر نضالية في المعارك مثبتين قدرة عالية على تنظيم أنفسهم ذاتياً بعيداً عن
اللجنة. لقد مثل نهوض الجماهير تهديداً ضخماً لمصالح البرجوازية وملاك الأراضي
الفلسطينيين الذين خافوا من فقدان أرباحهم وخسارتهم لموسم الموالح بسبب الإضرابات،
وكان رفض اللجنة العربية العليا لخيار الكفاح المسلح انعكاساً لخشيتها من احتمالية
أن يوجه السلاح ضدها لاحقاً! (40)
ويعلق أحد المسئولين بسلطة الانتداب على تخاذل ومهادنة اللجنة العربية
العليا بقوله:
إنه لمن الحماقة تصور أن أعضاء اللجنة ملائكة بدون مصالح. فالعديد
منهم على استعداد لبيع الإضراب، وخيانة أتباعهم، والتوصل لحلول وسط مع الحكومة
[البريطانية] إذا سنحت لهم الفرصة: وينطبق ذلك أيضاً على العديد من الزعماء
المحليين. ولكن لم تسنح لهم الفرصة حتى الآن. إنهم محمولون الآن على ظهور الثوار
العرب المصرّين على استمرار النضال حتى الحصول على مطالبهم من الحكومة أو أن
يهزموا على يد الحكومة. (41)
الجنود البريطانيون في باحة كنيسة المهد سنة 1938
في سبتمبر بدأت البرجوازية في الامتناع عن تمويل الإضراب العام كمقدمة
للقضاء على الإضراب، وما لبثت اللجنة العربية العليا أن اقترحت على حكام الدول
العربية المجاورة أن يصدروا بياناً يطالبون فيه الجماهير الفلسطينية بإنهاء
الإضراب لمساعدة اللجنة في السيطرة على الثورة.(42)
وكانت اللجنة العربية العليا تحاول جاهدة منذ البداية أن تسيطر على
اللجان القومية. وفي الوقت الذي كان يتساقط فيه آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيون
برصاص وقنابل القوات البريطانية والعصابات الصهيونية اقتصر نشاط اللجنة على
القنوات السياسية "المحترمة" ـ مثل إرسال برقية حارة لملك بريطانيا في
14 يونيو تطالب "جلالته" بالعدل والإنصاف وتنفيذ العهود والوفاء
بالوعود! واجتمعت اللجنة عدة مرات بالمندوب السامي لمحاولة التوصل لحل وسط من أجل
إيقاف الثورة. بل وقامت بإرسال وفوداً "للتباحث" مع الملوك العرب عملاء الاستعمار
لحثهم على الوساطة مع بريطانيا. وكانت تصل أعضاء هذه الوفود برقيات تهديد بالقتل
والانتقام إذا خانوا الثورة الشعبية، وذيلت تلك البرقيات بإمضاء "عزرائيل
وجبرائيل الأمة". (43)
وبالفعل أصدر الملوك العرب نداء إلى الجماهير الفلسطينية بإنهاء
الإضراب في أكتوبر 1936 لإعطاء "الفرصة للجهود الدبلوماسية"، فهرولت
اللجنة العربية العليا لإصدار دعوة لإنهاء الإضراب "امتثالاً لإرادة أصحاب
الجلالة والسمو". (44)
وتوقف الإضراب أخيراً في 13 أكتوبر بعدما استمر لمدة 176 يوماً.(45)
أمريكا الماضي هي أمريكا الحاضر في الدعم الامحدود لإسرائيل
قول بن غوريون أول رئيس وزراء لليهود: "أما السيف الذي أعددناه
إلى غمده، فإنّه لم يعد إلا مؤقتاً، إننا سنستله حين تتهدد حريتنا في وطننا، وحين
تتهدد رؤى أنبياء التوراة، فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الاستيطان في أرض
الآباء والأجداد من النيل إلى الفرات"، ويقول: "تستمد الصهيونية وجودها
من مصدرين: مصدر عميق عاطفي دائم، وهو مستقل عن الزمان والمكان، وهو قديم قد الشعب
اليهودي ذاته، وهذا المصدر: هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة، يرجع الوعد إلى قصة
اليهودي الأول - يقصد إبراهيم عليه السلام - الذي أبلغته السماء أن: "سأعطيك
ولذريتك من بعدك جميع أرض بني كنعان ملكاً خالداً لك".
ويقول إيغال ألون نائب رئيسة وزراء إسرائيل السابقة - غولدا مائير-:
"جاء اليهود إلى البلاد لكي يستردوا الأرض التي يعتقدون أنها كانت أرض
آبائهم، الأرض التي وعدها الله لهم ولذراريهم في العهد القديم المبرم قبل آلاف
السنين بين الله وإبراهيم".
يتردد دائماً وأبداً علي ألسنة زعماء أبناء صهيون وحاخاماتهم, أن بيت
المقدس ملك لشعب يهود, وأن القدس الشريف عاصمة دولتهم المزعومة, ونذكر ضمن هذه
التصريحات ما جاء على لسان أحد رؤساء وزرائهم السابقين وهو إيهود باراك الذي لم
يكتف بالقول بأن "ستكون هناك أورشليم أكبر مما كانت عليه منذ الملك داود,
وستكون موحدة ومعترفا بها من العالم كعاصمة لإسرائيل"، حتى أتبع القول بالعمل
فسمح وقت أن كان رئيساً للوزراء لزعيم الحزب المتطرف المعارض والذي أضحى رئيساً
للوزراء فيما بعد آريل شارون، باعتباره أول زعيم يهودي يتعامل مع قضية القدس بجدية
ويسعى للقضاء على الوجود العربي والإسلامي بها, بإرسال كتيبة من العسكر يبلغ
قوامها ثلاثة آلاف, لحمايته أثناء اقتحام المسجد الأقصى في غرة رجب1421هـ الموافق
29سبتمبر لعام 2000م، أي في ذكرى تحرير صلاح الدين للقدس في رجب 583هـ سبتمبر
1187م، ومنذ تلك اللحظة والعالم يشهد - دون أن يحرك ساكناً- حرب الإبادة الجماعية
الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المسلم، وحجم التدمير الذي تتعرض له بلاده بكل
همجية وعنصرية، كما يراقب الانحياز الأمريكي الأعمى والصمت الغربي المريب لإسرائيل
وما تقوم به من أعمال عدوانية حتى على الأطفال والنساء والعجزة في بقعة هي من أطهر
بقاع الأرض.
منذ بضعة أيام صرح " بن تسيون نتنياهو " والد رئيس الوزراء
الصهيوني الحالي أن حديث ابنه فى خطابه في 14 يونيو الماضي 2009 في جامعة بار
إيلان ، بقبول قيام الدولة الفلسطينية هو مجرد كلام
ثم عقب قائلا : دولة فلسطينية ؟ لا..لا.. هذا غير ممكن . هرتزل ونوردو
(مؤسسا الحركة الصهيونية) لم يعملا من أجل أن تقوم في النهاية دولة فلسطينية . هذه
بلاد يهودية وليست للعرب . لم يكن هنا عرب ولا يوجد مكان للعرب .
وإذا حدث هذا في الماضي نجد أن الحاضر أكثر وضوحاً؛ إذ إن الصهيونية
المسيحية مسيطرةٌ على مواقع القرار الأمريكي، بل إن الرؤساء الأمريكيين أجمعهم من
هذه المدرسة.
إن "هنري كسنجر" عمل جاهداً بتحويل النصر العربي عام 1973م
على جبـهات القتال إلى هزيمة سياسية، وجعل مصر توقِّعُ على معاهدة كامب ديفيد التي
تُكبِّل مصر تكبيلاً؛ حتى أنـها تدخَّلت في المناهج التعليمية والآيات القرآنية
التي تتعلق باليهود.
ويقول المسيحي الصهيوني جيم روبنسون - وقد كان شخصية متمكنة في
الحكومة الأمريكية-: "لن يكون سلام حتى يعود المسيح، وكل من يؤمن بالسلام فهو
ضد كلمة الله، ضد المسيح".
ويقول نصارى أوروبا: "إنّنا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من
خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأراضي".
ويقول المبشر المسيحي الصهيوني فرانك جناوي: "إنّ هجرة اليهود
إلى أرض كنعان تمثل التحقيق المطلق لتلك النبوءات في ما يتعلق بعودة اليهود إلى
أرضهم قبل مجيء المسيح المنتظر إلى العالم".
وجّه أحد الزعماء المسيحيين الصهاينة نداءً إلى اليهود جاء فيه:
"إنه لا يجوز أن يبقى اليهود أوفياء إلى هذه المبادئ البراقة –يقصد القوانين
الدولية- إذ أنّه على إسرائيل أن تكسر من وقت لآخر القوانين الدولية، وأن تقرر بنفسها
ما هو قانوني وما هو أخلاقي وذلك على قاعدة واحدة، هي: ما هو جيد لليهود، ما يكون
هو في مصلحة اليهود"
يقول بن غوريون:"إذا كان ينبغي من أجل خير أرض أجدادنا أن نغزو
أمماً أجنبية ونستعبدها ونبيدها، فيجب أن لا تمنعنا من ذلك اعتبارات
إنسانية".
ويقول الدكتور إسرائيل شاحاك عضو جمعية حقوق الإنسان الإسرائيلية:
"إن اليمين المسيحي الجديد يبرر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل،
وبالتالي فهو يؤيد هذه الأعمال".
وهذا الرئيس "بيل كلينتون" الذي عمل جاهداً ليرغم
الفلسطينيين على توقيع المعاهدات التي تصب في صالح اليهود بالرغم من الفضائح
الجنسية التي ورَّطه بـها اليهود، فيصرح قائلاً: (إنني أحب إسرائيل لذلك عملت من
أجلها)
ونجد الرئيس الأمريكي بوش
الابن يدافع عن اليهود مدافعةً شديدةً، ويصف الفلسطينيين بأنـهم مجرمين وقتلة،
ويهيبُ العالم بالوقوف إلى جانب إسرائيل...تصريح في يوم 5/8/2002م، بل إنـه قاد
العالم كله لحرب العراق من أجل إسرائيل فقط، وكل الادعاءات التي ساقها لتبرير
الحرب كاذبة.
وهذا الرئيس أوباما في 22 مارس 2013:
فى زيارة خاطفة لم يكن لها معنى سوى رغبة جارفة من الإدارة الأمريكية
فى دعم نتنياهو وتثبيت حكومته الجديدة . وإعادة الحياة إلى الحلف التركي – الإسرائيلي
نجح أوباما فى تحقيق المهمتين دعم مطلق لنتنياهو واعترافا غير مسبوق بالقدس عاصمة
لإسرائيل ضارباً بعرض الحائط الحقوق الفلسطينية والمطالب العربية المشروعة .
يقول الفريق سعد الدين الشاذلي:(جاءت أزمة الخليج لتزيد الموقف
وضوحاً، ولتفضح المنافقين الذين كانوا يريدون أن يفرقوا بين أمريكا
"وإسرائيل" فيدعون أن صداقتهم لأمريكا شيء وعداءهم لإسرائيل شيء آخر .
وهذا وهم وخداع لم يعد ينطلي على أحد ، فإما أن يقف الفرد في صف الشعوب العربية
الإسلامية، فيجد نفسه بالضرورة في الصف المعادي لأمريكا ، وإما أن يختار أن يقف في
صف أمريكا فيجد نفسه بالضرورة في صف إسرائيل أيضاً اعترف بذلك أو أنكر).
ولكن دعنا نتساءل هل تغير شيء ما في الآونة الأخيرة؟ إنه لم يتغير شيء
كل ما في الأمر أن الأوراق كشفت ولم يعد بالإمكان ممارسة اللعبة على الطريقة القديمة.
فالحقيقة التي لا غبار عليها هي أن ما يسمى إسرائيل هي الولاية الواحدة والخمسون
من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ازدهارها ورفاهيتها.
وهي بالنسبة لأمريكا الصهيونية الغاية والوسيلة:غاية لأنها تحقق حلم
اليهود بوطنهم القومي ووسيلة لأنها تضبط جيرانها العرب وتلعب دور الشرطي بل دور
الشيطان لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن العرب والمسلمين
اليوم لا يواجهون ما يسمى إسرائيل فحسب بل يواجهون ما يسمى إسرائيل وحلفاءها وعلى
رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية الصهيونية. (46)
وفي الختام:
لقد رأينا فيما مضى كيف أخلص بضعة ألاف من الصهاينة لقضيتهم، فعملوا
بجد ومثابرة كفريق واحد من أجل هدف محدد، فتمكنوا في النهاية من تحقيق هدفهم من
إقامة إسرائيل الصغرى على أرض فلسطين، وتحول شعبهم من الشتات إلى التجمع
والاستقرار، وهم الآن حسب بعض المصادر قد بلغ عددهم عام 1967 نحو 13.8 مليوناً في مختلف أنحاء
العالم, وفي عام 1982 بلغوا 12.9 مليونًا بنقص بلغ قرابة مليون دون إبادة بل من
خلال تناقص طبيعي, وأن عدد اليهود في عام 2008 يصل إلى 13 مليونًا، ومن المتوقع
حسب معهد اليهودية المعاصرة التابع للجامعة العبرية في القدس, أن يزيد عددهم بنحو
أربعمائة ألف نسمة عام 2010
هذا العدد أو قد يزيد قليلا يسعى الآن لإنشاء إسرائيل الكبرى من
النيل إلى الفرات في خطوة ثانية نحو حكم وتسيد العالم بناء على عقيدتهم الزائفة،
ولو استمر بهم الإخلاص في السعي، واستمر بناء الإنقسام والتشتت فلسوف يتمكنوا من
تحقيق أهدافهم.
رأينا فيما مضى كيف تلاعب الإنجليز بزعماء العائلات الفلسطينية، من
عائلات الحسيني والنشاشيبي، ثم بزعماء القبائل العربية، فيقربون هذا ويبعدون ذلك،
يمنحوا العهود والمواثيق، وفي كل مرة يضربونا ببعضنا البعض حتى يتهربوا من العهود
والمواثيق، قربوا الشريف حسين حتى أدى دوره في إعلان ثورة العرب الكبرى أو خيبة
العرب الكبرى ضد الدولة العثمانية، فما انتهى دوره قربوا أبناءه فيصل فجعلوه ملكا
على العراق ثم الحجاز فلما أدى دوره تخلصوا منه، وتعاونوا ما أخيه عبد الله بن
الشريف حسين، ووعدوه بأرض جزيرة العرب، فلما أدى دوره ساعدوا عبد العزيز أل سعود
ضده، بعد أن أنجز هو الآخر ما عليه من القضاء على القبائل العربية المناوئة
للإنجليز كحكم ابن رشيد.
رأينا كيف أضاع العرب أمجاد أجدادهم ، بعد أن غلبتهم الدنيا فسعى كل
زعيم قبيلة إلى قطعة من التراب يُقيم عليها مملكة أو إمارة، تنافسوا في الدنيا،
ووضعوا الإسلام خلف ظهورهم وتعاونوا مع الغرب الصليبي أملا في العز والملك، فعاشوا
في دروب من الذل لأنهم نسوا أن عز العرب لم يتحقق إلا على يد الإسلام، فإن بحثوا
عن العز في غيره أذلهم الله، عاشوا في ذل وخذي وعار رغم أنهم سكنوا القصور بعد
الخيام، وتلذذوا بالجواري الحسان، فلهثوا خلف الشهوات، وصاروا أمراء وملوك ولكن
كنمر من ورق، أو غصن في مهب الريح لا يملك من أمره شيئا، يتحرك من خلال إشارة
بالبنان من الغرب الصهيوني الصليبي، وللأسف على ذات الفلك وذات المنوال يحيى
أبنائهم وأحفادهم ومنْ جاء من أصلابهم.
إخواني وبني جلدتي
وسط هذا الركام من الظلام الدامس، والصورة القاتمة من دروب الغدر
والخيانة والعار،كان هناك بطل لم يتحالف مع الغرب الصهيوني الصليبي ورضى بحياة
النفي وفضلها على أن يبيع دينه ليسكن القصور ليضرب لنا مثلا يحتذي به كما قال رسول
الله – صلى الله عليه وسلم -
" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم
حتى يأتي أمر الله و هم كذلك " .(47)
إنه
الأمير عجمي السعدون (شيخ مشايخ قبائل إمارة المنتفق)
الذي وقف في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الدولة
العثمانية وحارب الإنجليز ما يقارب أربع سنوات 1914-1918 , وفي عام 1915 رفض الأمير
عجمي عرض السير برسي كوكس والذي يعده فيه بالحكم وهو العرض الذي مازال أحفاده
يحتفظون بوثيقته حتى الآن نصها:
(((إلى شيخ العرب الأمير السعدوني,نبارك النسب الهاشمي في الجزيرة
العربية وشجاعة آبائكم وإخوانكم ونقدر موقفكم من الأتراك نعرض عليكم كأمير عربي
ونود أن نعلمكم أن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الأتراك
وأننا نعرض عليكم أميرا على أرضك لا تضيع الفرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك
الموقف نعرض عليك لأنك أحق من غيرك))) (48)
وثيقة رسالة روبرت كوكس للشيخ عجمي السعدون
وبعد رفض العرض واستمرار
المعارك حتى خسارة المنتفق الحرب فقد تم مصادرة أغلب أملاك وأراضي آل سعدون. وقد
سنت بريطانيا العظمى قانونا لم يطبق إلا في أراضي المنتفق وتقوم بموجبه بمصادرة
92,5% من أراضي أسرة السعدون وتعطيها إلى شيوخ المناطق والقبائل في العراق الذين
تعاونوا معهم والذين كانوا سابقا تحت حكم أسرة السعدون وتبقي فقط 7,5% للمالك
الأصلي من أسرة السعدون (49)
يقول ماكس فرايهير الألماني
(((كان عجمي أعظم أن لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي
أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا . وعلى
الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا إنكار تقديرنا للطريقة والشكل اللذين استمر
فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء , على
الجانب الأخر من الفرات , كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له
حسابا ))).(50)
وقد هاجر الأمير عجمي بعد الحرب إلى تركيا وتم منحه مقاطعة زراعية
هناك. يذكر الكاتب فهد المارك, نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير عجمي
عند قدومه لتركيا , وذلك في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد
ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة ((( حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا . استبشرت
بتشريفكم إلى ديار بكر , وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام
الخلافة المقدس , .....))) ويكمل المؤلف بعد نص الرسالة ((( وهكذا ذهب البطل ضحية
لوفائه حيث خسر زعامته في العراق وأملاكه التي لا تحصى وبقي في تركيا لاجئا ))). (51)
بعد سقوط المنتفق في الحرب العالمية الأولى ذهب الكثير من أبناء
الأسرة الحاكمة في المنتفق (آل سعدون) إلى الرياض وقد شارك من قدم منهم - في وقت
معارك توحيد المملكة- إلى جانب الملك عبد العزيز في هذه المعارك. وأبناء أسرة آل
سعدون في المملكة متزوجون من الأسرة الحاكمة في المملكة (آل سعود) ومن أسر مشايخ
القبائل مثل الشعلان شيوخ الرولة من عنزة والعريعر شيوخ بني خالد وغيرهم من أسر
المشيخة في القبائل العربية.
والآن أي طريق سيختار قادتنا طريق الأمير عجمي السعدون؟! أم طريق
عائلتي الحسيني والنشاشيبي في فلسطين؟! أم طريق الشريف حسين وولديه فيصل وعبد
الله؟! أم طريق عبد العزيز أل سعود؟! أرجوا أن نستوعب دروس الماضي وعبرة لنُحسن
اختيار القرار في الحاضر.
المراجع
(1)
(الطوبيات يقصد بها ما يسمى الممالك الفاضلة أو كما سماها
الفارابي المدينة الفاضلة ومفرد هذه الكلمة Utopia (لا أرض)
وأول من استعملها في الإنجليزية السير توماس مور Sir Thomas More(1489 ـ 1535) للدلالة على مملكة فاضلة تخيلها، وتخيل الناس فيها سعداء
جميعاً، وقد صارت بعد ذلك تطلق على كل فكرة من هذا القبيل وقد ترجمنا أحياناً
بالممالك الفاضلة مستأنسين بتسمية الفارابي الفيلسوف المسلم لفكرة له تشبه فكرة
الاسمين من التشابه في اللفظ والمعنى، فأما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأن طوبي في العربية ـ كما وردت في القرآن والترجمة
العربية للإنجيل ـ تؤدي معنى الجزاء للصالحين بما عملوا من خير، وقد جعلنا النسبة
إليها طوباوية وطوباوياً).
(2)
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - د.عبد
الوهاب المسيرى [المجلد الخامس - الجزء الثاني - الباب الثاني
(3)
موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي- فهرس الفرق
(4)
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/
الرازي
(5)
حقائق حول عدم أحقية اليهود في أرض
فلسطين بموجب ما جاء في التوراة والإنجيل
وفي آي التنزيل إعداد: د/ ربيع بن محمد بن علي الأستاذ بالجامعة الإسلامية
(6)
اقترب الوعد الحق يا �إسرائيل: عبد
المعز عبد الستار ص 21:25
(7)
سالم محمد: الحروب الصليبية: عهد الجهاد
المبكر، الجزء الثاني، وزارة الثقافة والإعلام- دار الشؤون الثقافية العامة بغداد
(8)
بدر الدين عبد المحسن، الإمبريالية
والصهيونية، جامعة دمشق.
(9)
راجح ابراهيم المسيحية البروتستانتية
وعلاقتها بالصهيونية في الولايات المتحدة: دراسة تحليلية، دار زهران للنشر والتوزيع:
عمان
(10)
صايغ، أنيس الهاشميون وقضية فلسطين، منشورات جريدة المحرر
والمكتبة العصرية، بيروت
(11)
(Biale,
1992,p.178
(12)
حلاق، حسان علي، موقف الدولة العثمانية من
الحركة الصهيونية الدار
الجامعية، بيروت
(13)
(153
-.(Renton, 2007: p.
148
(14)
رفيق شاكر: إسرائيل مشروع استعماري،مطبعة بيت
المقدس، عمان.
(15)
فلسطين الهاشميون وقضية فلسطين، منشورات جريدة المحرر
والمكتبة العصرية، بيروت.
(16)
(
1-13Rubinstein, 1982:)
(17) يالطا،
بول وكلودين ريللو، سياسة فرنسا في البلاد العربية، ترجمة: كامل فاعور ونخلة
فريفر، دار القدس، بيروت
(18)
(7،135
،2006Rabkin)
(19) التحالف
البريطاني الصهيوني الطريق إلى اغتصاب فلسطين الأستاذ المساعد الدكتور/محمد علي
الروسان
(20)
(المعرفة
www.marefa.org/index.php
(21)
(السياسي
http://www.alsiasi.com/index.php/2010-03-07-12-00-59/
301662011 - 05-15-12-41-45)
(22)
دونيف، إيفان: الصهيونية بلا قناع، ترجمة:
فرات الجواهري، دار الفارابي، بيروت
(23)
(الموسوعة
الفلسطينية، المجلد الثالث، مشروع فرانكفورتر)
(24) المرتكزات
الصهيونية في فلسطين والقدس بقلم: د. صالح الرقـب أستاذ مشارك، تخصص العقيدة
والمذاهب المعاصرة - الجامعة الإسلامية بغزة
(25)
كتاب سيرة سانت جون فيلب بقلم إليزابث مونرو
(26)
الموسوعة الفلسطينية. الجزء الأول. دمشق:
هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984. صفحة 611.
(27)
مارشال، صفحة 60.
(28)
. الحوت، بيان نويهض. القيادات والمؤسسات
السياسية في فلسطين 1917 صفحة 147.
(29)
الحوت، صفحة 204 ـ 205
(30)
المصدر السابق،
صفحة 178.
(31)
المصدر السابق، صفحة 192.
(32) المصدر
السابق، صفحة 194 ـ 196.
(33) مارشال، صفحة 60 ـ 61.
(34)
الحوت، صفحة 283 ـ
290.
(35)
المصدر السابق،
صفحة 298.
(36) المصدر السابق، صفحة 300.
(37) مارشال، صفحة 60 ـ 61.
(38) الحوت، صفحة 331 ـ 342.
(39) مارشال، صفحة 62
(40)
المصدر السابق،
صفحة 62 ـ 63.
(41)
المصدر السابق،
صفحة 63 ـ 64.
(42)
المصدر السابق،
صفحة 63.
(43)
الحوت، صفحة 244 ـ
246.
(44)
المصدر السابق،
صفحة 357.
(45)
الموسوعة
الفلسطينية: الجزء الثالث، صفحة 628.
(46) المرتكزات
الصهيونية في فلسطين والقدس بقلم: د. صالح الرقـب أستاذ مشارك، تخصص العقيدة
والمذاهب المعاصرة - الجامعة الإسلامية بغزة
(47) أخرجه
مسلم و البخاري بنحوه و غيرهما ، عن جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة ،و هو مخرج في
" الصحيحة " فانظر " صحيح الجامع " ( 7164 ـ 7173 ) .
(48)
نشرت الوثيقة في كتاب القاموس العشائري
العراقي ج:1 ص437
(49)
(راجع
كتاب إمارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية , ص: 206 ).
(50) ماكس
فرايهير الألماني في كتابه البدو وصف للأمير عجمي السعدون , الجزء الثالث , ص 631
, (عن فيلبي ..الجزء الأول, ص 257 )
فهد المارك كتاب من شيم العرب , ج1 , ص:103
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفاللهم أعز الإسلام والمسلمين
ردحذف