الأحد، 11 نوفمبر 2012

(3) تحويل القبلة: (م) تابع (2) ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:

(م) تابع (2) ملاحظات تؤخذ في الاعتبار:
حادي عشر: سيرة الرسول -  صلى الله عليه وسلم –
(3) تحويل القبلة

لقد أمر الحق تبارك وتعالى الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) في مطلع الدعوة إلى الإسلام بأن يولي وجهه ( صلى الله عليه وسلم ) في صلاته صوب المسجد الأقصى، فأذعن ( صلى الله عليه وسلم )للأمر إلا أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحمل هوا في نفسه بأن يكون للمسلمين الذين ارتضى لهم الحق { تبارك وتعالى } الإسلام دينا خاتما، وأتم عليهم نعمته بهذا الدين، بأن يكون لهم قبلتهم الخاصة بهم، التي لم يسبقهم إليها أحد، فاستجاب { المولى جل وعلا شأنه } لما حاك في صدر المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) حيث نزل قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ
{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } (1)سورة البقرة: 144
قال الإمام فخر الرازي – رحمه الله –
اعلم أن قوله: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَاء } فيه قولان:
القول الأول:
وهو المشهور الذي عليه أكثر المفسرين أن ذلك كان لانتظار تحويله من بيت المقدس إلى الكعبة، والقائلون بهذا القول ذكروا وجوهاً:
الوجه الأول :
 أنه كان يكره التوجه إلى بيت المقدس، ويحب التوجه إلى الكعبة، إلا أنه ما كان يتكلم بذلك فكان يقلب وجهه في السماء لهذا المعنى، روى عن ابن عباس أنه قال: «يا جبريل وددت أن الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها فقد كرهتها» فقال له جبريل: «أنا عبد مثلك فاسأل ربك ذلك» فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء مجيء جبريل بما سأل فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهؤلاء ذكروا في سبب هذه المحنة أموراً:
الأول: أن اليهود كانوا يقولون: إنه يخالفنا ثم إنه يتبع قبلتنا ولولا نحن لم يدر أين يستقبل، فعند ذلك كره أن يتوجه إلى قبلتهم.
الثاني: أن الكعبة كانت قبلة إبراهيم.
 الثالث: أنه عليه السلام كان يقدر أن يصير ذلك سبباً لاستمالة العرب ولدخولهم في الإسلام.
 الرابع: أنه عليه السلام أحب أن يحصل هذا الشرف للمسجد الذي في بلدته ومنشئه لا في مسجد آخر، واعترض القاضي على هذا الوجه وقال: أنه لا يليق به عليه السلام أن يكره قبلة أمر أن يصلي إليها، وأن يحب أن يحوله ربه عنها إلى قبلة يهواها بطبعه، ويميل إليها بحسب شهوته لأنه عليه السلام علم وعلم أن الصلاح في خلاف الطبع والميل: واعلم أن هذا التأويل قليل التحصيل، لأن المستنكر من الرسول أن يعرض عما أمره الله تعالى به، ويشتغل بما يدعوه طبعه إليه، فأما أن يميل قلبه إلى شيء فيتمنى في قلبه أن يأذن الله له فيه، فذلك مما لا إنكار عليه، لا سيما إذا لم ينطق به، أي بعد في أن يميل طبع الرسول إلى شيء فيتمنى في قلبه أن يأذن الله له فيه، وهذا مما لا استبعاد فيه بوجه من الوجوه.
الوجه الثاني:
أنه عليه السلام قد استأذن جبريل عليه السلام في أن يدعو الله تعالى بذلك فأخبره جبريل بأن الله قد أذن له في هذا الدعاء، وذلك لأن الأنبياء لا يسألون الله تعالى شيئاً إلا بإذن منه لئلا يسألوا ما لا صلاح فيه فلا يجابوا إليه فيفضي ذلك إلى تحقير شأنهم، فلما أذن الله تعالى له في الإجابة علم أنه يستجاب إليه فكان يقلب وجهه في السماء ينتظر مجيء جبريل عليه السلام بالوحي في الإجابة.
الوجه الثالث:
قال الحسن: إن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن الله تعالى سيحول القبلة عن بيت المقدس إلى قبلة أخرى، ولم يبين له إلى أي موضع يحولها، ولم تكن قبلة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة فكان رسول الله يقلب وجهه في السماء ينتظر الوحي، لأنه عليه السلام علم أن الله تعالى لا يتركه بغير صلاة، فأتاه جبريل عليه السلام فأمره أن يصل نحو الكعبة والقائلون بهذا الوجه اختلفوا فمنهم من قال: إنه عليه السلام منع من استقبال بيت المقدس ولم يعين له القبلة، فكان يخاف أن يرد وقت الصلاة ولم تظهر القبلة فتتأخر صلاته فلذلك كان يقلب وجهه عن الأصم، وقال آخرون: بل وعد بذلك وقبلة بيت المقدس باقية بحيث تجوز الصلاة إليها، لكن لأجل الوعد كان يتوقع ذلك، ولأنه كان يرجو عند التحويل عن بيت المقدس إلى الكعبة وجوهاً كثيرة من المصالح الدينية، نحو: رغبة العرب في الإسلام، والمباينة عن اليهود، وتمييز الموافق من المنافق، فلهذا كان يقلب وجهه، وهذا الوجه أولى، إلا لما كانت القبلة الثانية ناسخة للأولى، بل كانت مبتدأة، والمفسرون أجمعوا على أنها ناسخة للأولى، ولأنه لا يجوز أن يؤمر بالصلاة إلا مع بيان موضع التوجه.
الرابع: أن تقلب وجهه في السماء هو الدعاء 
القول الثاني:
وهو قول أبي مسلم الأصفهاني، قالوا: لولا الأخبار التي دلت على هذا القول وإلا فلفظ الآية يحتمل وجهاً آخر، وهو أنه يحتمل أنه عليه السلام إنما كان يقلب وجهه في أول مقدمه المدينة، فقد روي أنه عليه السلام كان إذا صلى بمكة جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وهذه صلاة إلى الكعبة فلما هاجر لم يعلم أين يتوجه فانتظر أمر الله تعالى حتى نزل قوله: { فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَام }(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
 وهنا نسأل سؤال لماذا كانت لدى رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم ) تلك الرغبة في تغيير القبلة من المسجد الأقصى الذي هو قبلة اليهود إلى المسجد الحرام ؟! لماذا ؟! وهنا تأتي فلسفة سيرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فالقبلة ما هي إلا رمز للقدوة، فعلينا نحن المسلمين أن نحسن اختيار قدوتنا بنفس درجة حرص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يكون لنا قبلتنا الخاصة بنا دون غيرنا من الأمم الأخرى.
فالدين الإسلامي الذي ارتضاه  لنا الحق ـ تبارك وتعالى ـ حيث قال تعالى: [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] (3) سورة المائدة:3  
 هذا الدين الخاتم لم يترك شئ من أمور الدنيا أو العقيدة إلا ووضحه، فما دق وما عظم من شئون حياتنا قد أدلى فيه الإسلام بدلوه فكشفه القرآن الكريم  وأجلاه، ومازال العلم الحديث يكتشف ما جاء بالقرآن الكريم  مثل: أكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، ومراحل نمو القمر، ومراحل نمو الطفل، واعتزال النساء في المحيض ...الخ رغم مرور قرون عدة على ذلك قال تعالى: ما [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ] (4) سورة الأنعام:38
وما استغلق فهمه على المسلمين من القرآن الكريم نجده واضحا جليا في سنة الحبيب ( صلى الله عليه وسلم ) فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يمثلان دستور الحياة، فعن ابن عباس (رضي اله عنهما )قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب في حجة الوداع فقال: { تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، لن تضلوا بعدي أبدا،كتاب الله وسنة نبيه }
 هذا الدين الإسلامي الذي لم يغفل عن ذكر أي أمر مهما دق حجمه من شئون الدنيا والآخرة، إلا وآتى بما يتعلق بذلك الشئ الدقيق حتى كيفية قضاء المرء لحاجته، وكيفية إتيانه زوجته، لم يغفله الإسلام، فوجدنا في الشرع الإسلامي ما يسبر غورنا، ويسد حاجتنا، بالله عليكم آلا يستحق منا ذلك الدين الحنيف كل إحلال وتقدير ؟! ألا يستحق منا أن نولي قبلتنا شطره، نرتشف وننهل من طيب رافده ؟! آلا يستحق منا أن نلتزم بكل ما أمر به ، وان نتجنب كل ما نهى عنه ؟! أعتقد بكل يقين أنه يستحق منا ذلك.؟!
 
ولكن وللأسف الشديد فإن الغالبية العظمى منا، لم تأخذ من ذلك الدين إلا اسمه، ولم يتمثلوا تعاليمه في حياتهم، وراحوا يولون وجوههم شطر الغرب، الذي أخذ يصفنا بالتخلف، وإن تأدب في لفظه، وصفنا بالدول النامية، أو بالعالم الثالث، والأغرب بل والأشد سخرية أننا  أقنعنا أنفسنا بصدق ما وصفنا به، فهرولنا نتعلم منه، ونقتدي به في كل شئ لعدم رضانا بقبلتنا ، فاستقبلنا قبلتهم في الرياضة، فامتلأت أنديتنا بما أطلقنا عليه خبراء الرياضة، واستقبلنا قبلتهم في الفن، فصار فننا مسخا لا معنى له، واستقبلنا قبلتهم في الصناعة فلم يسمحوا لنا إلا بالتقليد لما يفعلون، واستقبلنا قبلتهم في الزراعة، فأكلت الآفات مزروعاتنا، واستقبلنا قبلتهم في الثقافة فوصفنا أنفسنا بالتخلف، واستقبلنا قبلتهم في الحياة، فبهرتنا سلبيات حياتهمـ ، واستقبلنا قبلتهم في كل أمر، فضعنا بين متاهة الدربين{ درب هويتنا ودرب قبلتهم}  وفقدنا هويتنا، وضللنا سبيلنا.

 فلن نتقدم ما دمنا اتخذنا اليهود والغرب النصراني(أوربا وأمريكا)  لنا قبلة وقدوة، ولن يمكننا الوقوف في وجوههم ونحن نتخذ منهم العون والسند، ولن نسد جوعنا ونحن لا نزرع أرضنا، وننتظر حصاد أرضهم، ولن نحل مشاكلنا ونحن نعتمد عليهم، وننتظر مساعدتهم، فلقد أثبت التاريخ أن العدو لا يكون صديقا، ولذلك قال تعالى:
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } (5) سورة المائدة: 51 
 قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -
قوله: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ } الظاهر أنه خطاب للمؤمنين حقيقة؛ وقيل المراد بهم: المنافقون، ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه. وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك. والأولى: أن يكون خطاباً لكل من يتصف بالإيمان أعمّ من أن يكون ظاهراً وباطناً أو ظاهراً فقط، فيدخل المسلم والمنافق، ويؤيد هذا قوله: { فَتَرَى ٱلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } والاعتبار بعموم اللفظ، وسيأتي في بيان سبب نزول الآية ما يتضح به المراد. والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء، أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة.
وقوله: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } تعليل للنهي، والمعنى: أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم، وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى، وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق؟{َقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْء وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْء }[البقرة: 118]

 وقيل: المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها، وتناصرها على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة ما جاء به، وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادّين. ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أي: فإنه من جملتهم وفي عدادهم وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر، هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } تعليل للجملة التي قبلها: أي أن وقوعهم في الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالى الكافرين.(6) تفسير فتح القدير/ الشوكاني
 قال الإمام البيضاوي – رحمه الله -
{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء } فلا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب. { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } إيماء على علة النهي، أي فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضاً لاتحادهم في الدين وإجماعهم على مضادتكم. { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أي ومن والاهم منكم فإنه من جملتهم، وهذا التشديد في وجوب مجانبتهم كما قال عليه الصلاة والسلام: " لا تتراءى ناراهماأو لأن الموالي لهم كانوا منافقين. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم(7) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل/ البيضاوي
 قال الإمام الزمخشري – رحمه الله -
لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتصافونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين. ثم علل النهي بقوله: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أي إنما يوالي بعضهم بعضاً لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر، فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ } من جملتهم وحكمه حكمهم. وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (353) "لا تراءى ناراهما  "   (8) تفسير الكشاف/ الزمخشري
قال الإمام الطبري:- رحمه الله -
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعاً أن يتـخذوا الـيهود والنصارى أنصاراً وحلفـاء علـى أهل الإيـمان بـالله ورسوله، وأخبر أنه من اتـخذهم نصيراً وحلـيفـاً وولـياً من دون الله ورسوله والـمؤمنـين، فإنَّه منهم فـي التـحزّب علـى الله وعلـى رسوله والـمؤمنـين، وأن الله ورسوله منه بريئان. 

وقد يجوز أن تكون الآية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد الله بن أبـيّ ابن سلول وحلفـائهما من الـيهود، ويجوز أن تكون نزلت فـي أبـي لُبـابة بسبب فعله فـي بنـي قريظة، ويجوز أن تكون نزلت فـي شأن الرجلـين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والآخر بنصرانـي بالشام، ولـم يصحّ بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بـمثله حجة فـيسلـم لصحته القول بأنه كما قـيـل.
 
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون الـمؤمنـين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم علـى الـمؤمنـين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولـى متولّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو علـيه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه، ولذلك حكم من حكم من أهل العلـم لنصارى بنـي تَغْلب فـي ذبـائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بنـي إسرائيـل، لـموالاتهم إياهم ورضاهم بـملتهم ونصرتهم لهم علـيها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفـارقاً. 
وفـي ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما نقول، من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مـجيء الإسلام أو بعده، إلا أن يكون مسلـماً من أهل ديننا انتقل إلـى ملة غيرها، فإنه لا يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه، ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفـارقته دين الـحقّ، إلا أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ، وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابـين لـمن دان بدينهم، إلا أن يكون إسرائيـلـياً أو منتقلاً إلـى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان(9) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري 
 قال الإمام الشعراوي – رحمة الله –
نلحظ أن الخطاب هنا للذين آمنوا. والمنهي عنه هو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء. وما معنى الوليّ؟. الوليّ هو الناصر وهو المعين. وهذا القول مأخوذ من ولي يلي؛ أي يقف في جانبه. ونسمي الذي ينوب عن المرأة في عقد النكاح " الوليّ ". وكذلك " وليّ المقتول ".

 والمراد هو: يا من آمنتم لاحظوا تماماً أنكم أصحاب مهمة وهي أن تخرجوا الضلالات من البشر، هذه الضلالات تمثلت في تحريف ديانات كان أصلها الهدى فصارت إلى ضلال، فإياكم أن تضعوا أيديكم لطلب المعونة والنصرة.
إذن قوله الحق: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } هو حكم تكليفي. وحيثية الإيمان بالله. فما دمت قد آمنت بالله فكل من تقدح أنت في إيمانه بمخالفته لمنهج ربه لا يصح أن يكون مؤتمناًَ على نصرتك؛ لأنه لم يكن أميناً على ما معه فهل تتوقع منه أن يعينك على الأمانة التي معك لا؛ لأنه لم يكن أميناً على ما نزل عليه من منهج. والولاية نصرة، والنصرة انفعال الناصر لمساعدة المنصور. وهل تجد فيهم انفعالاً لك ينصرك ويعينك، أو يتظاهرون بنصرتك، ولتعلموا أنهم سيفعلون ما قاله الحق:
{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً}[التوبة: 47]
إنهم لو دخلوا في صفوفكم لفعلوا فيكم مثلما يفعل المنافقون، فما بالنا بالذين خانوا أمانة الكتب المنزلة عليهم؟ إذن فالموالاة والنصرة والمعونة يجب أن تكون من متحد معك في الغاية العليا. وما دام هناك من يختلف مع الإسلام في الغاية العليا وهي الإيمان فلا يصح أن يأمنه المسلم. وسبحانه يقول: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}     وقد يتساءل الإنسان: كيف يقول الحق فيهم:
{قَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ } [البقرة: 113]
ويقول سبحانه أيضاً:
{َقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ }[البقرة: 113]
ويقول جل شأنه:
{ذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ}[البقرة: 113]
 نحن - إذن - أمام ثلاثة أقسام؛ يهود، ونصارى، ومشركون، وقد قال مشركو قريش مثل قول أهل الكتاب بشقيهم برغم أنهم في خلاف متضارب وكل منهم ينكر الآخر، وسبحانه قال{ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ }[المائدة: 14]
 فكيف من بعد ذلك يقول سبحانه: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }؟ وهذا أمر يحتاج إلى وقفة إيمان لنرى الصورة كاملة، ونعلم أن الذين يخالفون منهج الحق قد يصح أن يكون بينهم خلاف على السلطات الزمنية، لكنهم عندما يواجهون عملاقاً قادراً على دحر كل بنيان أكاذيبهم يتفقون معاً. وهذا ما نراه في الواقع الحياتي: معسكر الشرق - الذي كان - يعادي معسكر الغرب، ولكن ما إن يجيء شيء يتصل بالإسلام حتى يتفقوا معاً على الرغم من هزيمة المعسكر الشرقي؛ لأن الإسلام بمنهجه خطر على هؤلاء وهؤلاء وعلى سلطاتهم ولكنه في الحقيقة رحمة بهم إنه يخرجهم من الظلمات إلى النور وهم يتصرفون في ضوء ما قاله الحق: { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }
 وعندما ينفرد كل منهم بالآخر فإنه ينطبق عليهم قول الحق:
{َأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ }[المائدة: 14]
هكذا نفهم طبيعة العلاقات بين أعداء الإسلام.
 ويقول الحق: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أي أن من يتخذهم نصراء ومعينين فلا بد أنّه يقع في شرك النفاق؛ لأنه سيكون مع المسلمين بلسانه ومع أعداء الإسلام بقلبه.
ويذيل الحق الآية بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ونعرف أن الظلم هو نقل حق إلى غير صاحبه، وأعلى مراتب الظلم هو الشرك بالله، وهو الظلم العظيم؛ فالحق يقول:{ِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: 13]
ذلك أن الإنسان حين يظلم إنساناً آخر ويأخذ منه شيئاً ليعطيه لآخر فهل هناك إنسان يقدر على أن يأخذ من الله شيئاً؟ لا، فالإنسان لا يستطيع أن يظلم الله، لكنه ينال عقوبة الشرك وهذا ظلم خائب للنفس والذي يشرك بالله لا يأخذ إلا الخسارة، وذلك هو كل الخيبة.
 لأن الظلم حينما يحقق للظالم فهو ظلم هين، ولكن الظلم العظيم هو أن يشرك إنسان بالله ولا يأخذ إلا العقاب الصارم. فإذا كان المشرك يتأبّى على منهج الله في الأشياء فهل يجرؤ على أن يتأبّى على قدريات الله غير الاختيارية فيه كالموت مثلاً؟.
 والحق يأمر الإنسان بالإيمان،ومتعلقات الإيمان من: شهادة بوحدانيته وإيمان برسله وكتبه واليوم الآخر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا. والمشرك يتأبّى على الإيمان والتكاليف فهل يجرؤ على التأبي على المرض أو الموت؟.
  لا؛ لذلك فهو يظلم نفسه ظلماً خائباً. والحق سبحانه لا يهديه؛ لأن معنى الهداية هو أن يجد الإنسان من يدله على الطريق الموصل للغاية. فهداه أي دلّه على الطريق الموصل للغاية. ولا يتجنّى سبحانه على خلقه فلا يهديهم، بل الذين ظلموا أنفسهم ولم يؤمنوا هم الذين لا ينالون عناية الحق سبحانه وتعالى باختيارهم. (10) تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي
إخواني وبني جلدتي:
أأدركنا الآن أن خلاصنا ونجاتنا مرهونة بالعودة إلى قبلتنا، التي ارتضاها لنا ربنا؟! فتحويل القبلة رغبة في تميز واختلاف المسلمين عن غيرهم من الأمم والدليل على ذلك أن أول شئ نُسخ من القرآن الكريم بعد هجرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى المدينة فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان أول ما نُسِخ من القرآن القبلة؛ وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بضعة عشر شهرًا، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (11) سورة البقرة: 144، والحديث في شرح البخاري لابن بطال 2/59 عن ابن عباس رضي الله عنه.
وما ذلك كله إلا  لآن الخصوصية والتميز ضروريان للأمة المسلمة، في التصور والاعتقاد، وفي القبلة والعبادة، وفي شخصية المسلم، وفي كل شيء في حياة المسلمين.فمتى يأتي اليوم الذي نولي ظهرنا فيه للغرب ونتمسك بمبادئنا السامية وأخلاقنا الكريمة، وقيمنا الفاضلة التي حثنا الحق _ تبارك وتعالى _ على التمسك بها ؟! متى يأتي اليوم الذي يكون حرصنا فيه على جانب المعاملات الإسلامية بنفس درجة الحرص على جانب العبادات الإسلامية ؟! متى ؟! ثم متى ؟! ثم متى؟! إنني أتطلع إلى ذلك اليوم، وسأظل أحلم به، ولن أفقد الأمل ما حييت؟!
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

http://alfahd999.blogspot.com/